آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


تَفْكيكُ خِطَابِ السُلطةِ السِياسِيِّ في اليَمنِ وتَحْليلهِ ... لِمَ نحتاجُه؟!

السبت - 10 أغسطس 2024 - الساعة 09:14 ص

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب



كَمْ مِنْ جرائمَ بشعةٍ اُرتكبت لفظًا وتُرجمت دمًا في اليمن السعيد وحروبًا؟ وعودٌ وآمالٌ عريضاتٍ صاغتها نخبٌ متجبّرةٌ مُتهالكةٌ على السلطة وما زالت مُتسلطةً ولم تفِ بالخبزِ والتفاح! ... يشتغلونَ على أساليبَ قذرةٍ لا تُحصى منها: سيكولوجية إثارةِ خوف الجماهير؛ في خطاباتِهم بشكلٍ مُتعمّد لتحقيق غاياتهم في إدارة الصراع والتلاعب باتجاهات الجماهير فهل من رادعٍ لمثل هذه المغالطات والجرائم ... التي تؤجّج المشاعر وتغرّرُ بالناس والأحلام ...

مَنْ يتصدَّى لهذا العبثِ؟ ... ثمّ المستفزّ بالأمرِ، ويَحرقُ الكبد أنّ ثمّة زُعماءَ في اليمن خرْقى يرتجلون في الكلامِ! ويلقونَ الكلام على عواهِنه ... يرتجلون! ... يرتجلون وحواليهم المنافقون ( المطبّلون)، يجعلون من عباراتهم الارتجالية شعاراتٍ بلاغيّة ومشاعل هدايةٍ؛ يُكرّرونها حتى الغثيان، ولا تلقى من يتصدّى لها، يُفكّكها ويردُّها في نحورهم، عليهم غضب الشعب، قبل أن تتحوّلَ ( شعبويًا) إلى سُخريةٍ لاذعةٍ تلوكُها ألسنةُ الناسِ، والشواهدُ كثيرةٌ.

شَرعنا قبلَ عامين في تحليل الخطاب السياسي اليمني وتفكيكه، مستفيدًا من المدرسة التونسية العريقة والمخبر العلمي، الذي أنتمى إليه ووحدة تحليل الخطاب، واشتغلت على بعض الاستعارات التي تُردّدها تلاوين السلطة في مراحلَ مُختلفةٍ؛ كاشفًا نسقها الدّموي الذي يُخفي خلفه خطاباتِ الموت والكراهية والانتصارات الوهميّة، قد دفع ثمنها الإنسان اليمني ولايزال، ونشرناها تباعًا على صفحتي في هذا الموقع، وفي صحيفة عدن الغد الورقيّة واسعة الانتشار، ورغم تعرّضنا للمضايقات التي وصلت للتهديدات، تجمّعت لي مادة علمية غنية تصلح لمشروع بحث نسجّل بها الريادة ولا فخر في هذا المجال.

لكنُّ قبل أن نبدأ في تحليل الخطاب السياسي وشرح أهميته ودوافعه علينا التمييز بين مصطلحات تدور في فلك هذا النوع من الخطابات وتتداخل وهي كما يرى الباحثون:

أولا: (الخطاب السياسي)، وقد شاع استعماله عند الكثير من الباحثين، رغم أنّه لا يفي بالغرض، فهو مفهوم عام لا يوجد فيه تحديدٌ دقيقٌ للخطاب أو حصرٌ له، بل يدخل فيه كل خطاب يحمل مضمونًا سياسيًا، سواءً صدر عن هيئة سياسية (داخل العملية السياسية) أو يدور حول السياسة من الخارج (خارج العملية السياسية) كخطابات وسائل الإعلام أو الدراسات الأكاديمية التي تتناول خطابات السلطة السياسية أو خطابات عامة الناس في حديثهم عن السياسة والأوضاع السياسية.

ثانيًا: (خطاب السلطة): وفي هذا حصر للخطاب من جهة واحدة، بأنّه كلُّ خطاب يصدر عن صاحب سلطة، لكنه في الوقت نفسه مفهوم عامٌّ لكل سلطة، فأيُّ سلطة يقصد؟

فتعدُّد أنواع السلطة يجعل معنى الخطاب ملتبسًا، فهناك السلطة السياسية، والسلطة الدينية، والسلطة الاقتصادية، وهَلُمَّ جرَّا.

ثالثا: خطاب السلطة السياسية: وهو الاسم الذي نقترحه مصطلحًا لهذا النوع من الخطابات، حيث نرى أنه أكثر دقة وتحديدًا من غيره لنوع هذه الخطابات، إذ يحصر الدلالة في كل خطاب يسعى إلى السلطة أو التعبير عنها، فهذا الخطاب يحمل مضمونًا سياسيًا، ويصدر عن فاعل سياسي له سلطة مّا أو يسعى لتحقيقها عن طريق الخطاب، وهو فضاء للتدافع السياسي بين البرامج والمشاريع الحزبية، بتعبير Charudo "شارودو".

ويُمكنُ تعريفه أنّه، كل خطاب يصدر عن مَخاطِب سياسي، يمثل سلطة سياسة (رئيس دولة، رئيس حكومة، رئيس حزب سياسي، أو أي عضو في أي جهة تمارس نشاطًا سياسيًا) مستثمرًا الاستراتيجيات الخطابية والمهارات التواصلية، جاعلًا السياسة وسيلة لصناعة الخطاب وأدائه، أو مضمونًا أساسًا فيه؛ رغبة الحصول على السلطة أو استمراريتها، والتغلب على معارضيه، وإقناع الجمهور بأحقيته بالسلطة والتأثير في قناعاتهم، للحصول على طاعتهم، وإضفاء المشروعية على سلطته، وله وجهتان: داخلية (السياسة الداخلية) يمثلها الشعب ومن فيه من أنصار ومعارضين، وخارجية (السياسة الخارجية) تمثلها الحكومات والدول الأخرى، ويسعى إلى صناعة علاقة جيدة معهم... يتبع الأسباب بإذن الله.

مجيب الرحمن الوصابي