كعادتها في تقديم المفيد واستخراج الدرر من تاريخ الحضارة العربية ومقاربتها مع الحاضر قدّمت الأستاذة المتميزة في الحضارة العربية وتاريخ العلوم في جامعة قرطاج مُنجيّة خماسيّ عرفة مداخلتها القيمة (في التواصل مع الغير عند البيروني، وشرحت آلية التواصل مع المخالف في الدين من خلال كتاب " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" وذلك في الندوة الدولية الثانية التي أقامها مخبر البحث الظاهرة الدينية بجامعة منوبة بتونس والتي حملت عنوان (الإسلام والأديان: أي علاقة) مؤخرا.
استهلت الأستاذة خماسي عرفة مداخلتها بمقدمة نظريّة منطلقة من العلامة ابن خلدون وتأكيده على ضرورة التواصل مع الغير للتعاون من الاقتصاد الى علم الاجتماع، وشرحت الأسباب التي تؤدي الى انكفاء الذات على ذاتها من أزمات داخلية وخارجية تعكس وعيا بالذات المتميزة وشعورا بالتفوق في ظل التنافس الحضاري، منوهة بتاريخ العرب وتلاقحهم مع الأمم قبل الإسلام وبعده، ومظاهر هذا الامتزاج من فتوحات وتعريب واختلاط، وقد قدّمت في طيات مداخلتها العلمية لأهمية التواصل وموانعه تلك الموانع التي تحول دون الفهم والتحاور لاسيما الديني، ومنهج البيروني في آليات التحاور الديني الإسلامي الهندوسي وما وراء الحوار الثقافي السياسي ثم عرضت لنتائج بحثها المتميز والذي خلصت فيه عمق في قراءة الحوار الديني عند البيروني، وفي منهجه الذي لا يكتفي بالوصف الظاهري وانما تحليل فلسفي انساني عميق ، كما أن البيروني لم تكن منطلقاته مثل المقدسي في تفضيل بلاد المسلمين على سائر البلدان، كما انه لم يتبع المقاربة الاستعمارية العادية في تبرير الاستعمار لتخلف الآخرين وتخلفهم و وحشيتهم، ثم اختتمت مداخلتها بسؤال انكاري: " هل قرأ الغرب ما كتبه البيروني" كي ينهضوا بعلاقتهم مع الآخرين، وتستثمر أفكاره عندنا.
الجدير ذكره أن كتاب" تحقيق ما للهند من مقولة في العقل أو مرذولة لمؤلفه أبو الريحان البيروني، هو أهم وأوسع كتاب وصلنا في وصف عقائد الهندوسيين، فقد مكث أربعين عاما في الهند يدرس شرائعهم وعاداتهم في الزواج وأطعمتهم وأعيادهم، ونظم حياتهم، وخصائص لغتهم، ورأى فيه بروكلمان (أهم ما أنتجه علماء الإسلام في ميدان معرفة الأمم).
نبذه عن البيروني
أَبُو الرَّيْحَانِ مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ البِيرُونِيّ (2 ذو الحجة 362هـ/5 سبتمبر 973م— 29 جمادى الآخرة 440 هـ/9 ديسمبر 1048م) هو باحث مسلم كان رحالة وفيلسوفًا وفلكيًا وجغرافيًا وجيولوجيًا ورياضياتيًا وصيدلانيًا ومؤرخًا ومترجمًا. وصف بأنه من بين أعظم العقول التي عرفتها الثقافة الإسلامية، وقد قال بدوران الأرض حول محورها في كتابه: مفتاح علم الفلك، كما صنف كتبًا تربو عن المائة والعشرين.
ويعدّ البيروني واحدًا من أعظم العلماء الذين عرفهم العصر الإسلامي في القرون الوسطى، شملت معرفته الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية، وكان له مكانة مرموقة مؤرخاً وعالم لغويات وعالم تسلسل زمني. درس البيروني كل مجالات العلوم تقريبًا، وكوفئ جزاء أبحاثه وعمله الشاق. سعى له البلاط الملكي وأعضاء أقوياء في المجتمع من أجل حثه على إجراء البحث العلمي ودراسة وكشف بعض الأمور. عاش البيروني خلال العصر الذهبي للإسلام، حيث جرى البحث العلمي جنبًا إلى جنب مع منهجية وتفكير الدين الإسلامي. وعلاوة على هذا النوع من التأثير، تأثر البيروني بالأمم الأخرى أيضًا، مثل الإغريق الذين نال إلهامه منهم خلال دراسته للفلسفة. كان البيروني متحدثًا باللغات الخوارزمية والفارسية والعربية والإغريقية والسنسكريتية والعبرية التراثية والسريانية. قضى البيروني أغلب أوقاته في غزنة، التي صارت عاصمة غزنویان، الواقعة حاليًا في الوسط الشرقي لأفغانستان. سافر البيروني إلى جنوب آسيا وكتب دراسة عن الثقافة الهندية (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) بعد استكشاف الهندوسية الممارسة في الهند.
يُلقب البيروني بـ(مؤسس الهنديات أو علم الهند). كما كان معروفًا بكتاباته الموضوعية عن عادات وعقائد العديد من الأمم. ولُقب بالأستاذ نظرًا لوصفه غير المسبوق للهند في بداية القرن الحادي عشر.