آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص
ملفات وتحقيقات

المرأة اليمنية.. ظهور من خلف أسلاك شائكة واختفاء يرصده التوثيق التاريخي

الثلاثاء - 27 أغسطس 2024 - 02:51 م بتوقيت عدن

المرأة اليمنية.. ظهور من خلف أسلاك شائكة واختفاء يرصده التوثيق التاريخي

(عدن الغد) سهير السمان - حفريات:

"من حيث لا تجد عالم النساء ظاهراً ستجده سرداً أو توثيقاً"، هذه العبارة ارتأيتها تناسب ما تمرّ به النساء في اليمن على الصعيدين الثقافي والسياسي.

لليمن مرحلة تاريخية فارقة، لم توثق أو يسلط عليها الضوء بالقدر الكافي، حين خرجت المرأة من قمقمها ذات زمن لتعبر عتبات دارها نحو أفق الحياة الممتد، في مساحة جغرافية لا تلبث أن تشتعل مجدداً، وفي خضم هذا الاشتعال تظل المرأة تراوح مكانها ومساحتها التي تتسع حيناً وتضيق أحياناً، ولكن تظل مساحة السرد هي المساحة الأوسع لتصبح فيها المرأة هي المتحكمة لتنشئ عالمها.

وقد صدر كتابان؛ أحدهما يمثل رصداً تاريخياً لدور النساء النضالي في جنوب اليمن للدكتورة سعاد العلس، وكتاب للباحث الدكتور يحيى سهل "الأصوات الغنائية النسائية اليمنية" يُعدّ توثيقاً مهمّاً لظهور النساء الفني، وأثره في مرحلة زمنية مهمة من تاريخ اليمن.

كتابان يسلطان الضوء على التجارب النسائية اليمنية؛ الأوّل من بين الكتب التي تصدر مؤرخة للتاريخ السياسي والحركات العمالية والنقابية في جنوب اليمن، ولكنّه هذه المرة ينفرد بدور النساء، وخصوصاً في مرحلة التحرر من الاستعمار، وإنشاء الكيانات السياسية، والنقابات والأندية السياسية والثقافية والتعليمية، امتد فيها دور المرأة ليشمل محافظات جنوب اليمن.

دور يبدأ من طالبات الثانوية إبّان الحكم البريطاني لعدن، وكان تظاهرة ومطالبة بحقوق اليمنيات بالتعليم، كان الخروج ظاهراً ومدوّياً، وله أبعاده التي اتصلت بحركات التحرر آنذاك.

في المقابل، نجد الآن ذلك التراجع المخيف لدور النساء في اليمن عموماً، والذي جاء ضمن تراجع واضح كان سببه الأول وضع اليمن السياسي والعسكري، وإن صاحب ذلك الوضع إنشاء الكثير من المنظمات المدنية والحقوقية التي تهتم بقضايا النساء شمالاً وجنوباً.

ولكنّنا لا نجد لها تأثيراً ملموساً على المستوى الاجتماعي وواقع المرأة اليوم ليساهم في تغيير ما وصل إليه اليمن من دمار على كافة الأصعدة.

في المقابل، نجد واقعاً سرديّاً آخر، هو الصوت الأدبي الذي يرصد ويدوّن واقع تلك المرأة التي أعيدت مرة أخرى خلف طيات حجابها المصنوع من طبقات عديدة؛ حجاب ليس بتلك العباءة السوداء، بل هو حجاب أشدّ وطأة تتصل تلافيفه بأوردة وشرايين العقل.

بين التوثيق التاريخي لمراحل نضالية، وبين سرد فني كاشف لوضع المرأة اليمنية في بيئة تتراجع كثيراً إلى الوراء، يأتي كتاب الدكتورة سعاد العلس، (نساء عدن تحرير وتنوير) مرافقاً لمجموعة من الإصدارات السردية بأصوات نسائية، ومن الندوة التي أقيمت في المركز الثقافي اليمني في القاهرة، والتي كان أغلب حضورها من النساء والشابات اللائي حرصن على التواصل مع جيل سابق قدّم العديد من المواقف والنضال السياسي في جنوب اليمن.

أصوات نسائية تستعيد تلك التجربة الغابرة، التي أسست لمجتمع خط طريقه التنويري في ستينيات القرن الماضي.

الأوضاع السياسية المتشظية التي يمرّ بها اليمن في العقد الأخير أزاحت المرأة عن أداء دورها المؤثر الذي كان في العقود السابقة، وربما يرى بعض المحللين أنّ تراجع هذا التاثير ليس مقصوراً على المرأة فقط، بل أيضاً على الشريحة المثقفة من الوطنيين الذين أقصوا وصودرت أصواتهم بطرق عديدة لا مجال هنا لتفصيلها.

أعود إلى سردية كتاب الدكتورة سعاد العلس، الذي يسلط الضوء على تجربة غنية قامت بها المرأة اليمنية، حيث كان للصحافة الدور الأكبر في انبثاقها وبلورتها، والتأثير في وقعها على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، فبصدور قانون الصحافة في عام 1939م، توالى صدور العديد من الصحف التي دعمت قضايا المرأة، في مقدمتها صحيفتا (الجزيرة والأيام)، فتدفقت الأقلام النسائية، وجعلت من صفحات تلك الصحف منبراً لخطاب تنويري نهضوي، لتحسين وضع المرأة الاجتماعي.

فقد خاضت رضية إحسان في قضايا التعليم والحجاب، واصطدمت بالمؤسسة الدينية والخطاب الذكوري المتشدد، وأثارت هانم جرجرة قضية خروج المرأة إلى العمل، وتعليم المرأة وزواج الرجل العدني من أجنبيات، واتسعت رقعة نشاط المرأة بإنشاء النوادي والجمعيات التي كان لها الأثر في استيعاب الكثير من الأنشطة الميدانية من التعليم إلى التدريب إلى الانخراط في العمل والنضال السياسي.

هذا النضال الميداني الذي اتسع ليغيّر من منظومة الحياة الاجتماعية والسياسية، صبّ أيضاً في المجال الفني والثقافي، لتعبّر عنه أصوات النساء الفنية، فكانت عدن المدينة الحاضنة لفن الغناء النسائي المتصاعد، وهنا يطالعنا إصدار يوثق أصوات النساء بداية من النصف الثاني للقرن العشرين، للدكتور يحيى سهل، رصد فيه أصواتاً نسائية ربما لم يسمع بها الجيل الجديد من الوسط الفني والجماهيري بالشكل الكافي، وكان مهمّاً أن يتتبع سيرة هذا الفن من المرأة، وماذا أرادت أن توصله من خلال هذا الغناء. يقول الكاتب والصحفي محمد عبد الوهاب الشيباني:

"القصص والحكايات التي روتها الفنانات في مقابلات صحافية، أو التي رواها عنهن باحثون وكُتّاب، جديرة بأن تدرس، كوجه من أوجه مقاومة النساء لحالة العزلة والتسلط التي فرضت عليهن في مجتمع محافظ، يحطُّ على الدوام من شأن المرأة، ويستنقص من مبادراتها في عملية التحول، لأنّها، حسب التعليل الذكوري المسنود بقاعدة ذات ترويج فقهي متعصب، ناقصة عقل ودين".

هذه الفترة المهمة من عمر الغناء اليمني لأصوات نسائية، عبّرت عن الحالة الثورية والنضالية، وتنوعت بين الأغاني الرومانسية وغيرها، ممّا شكل نقلة نوعية في مواضيع الغناء تعدى السائد والمغلق، لتظهر رجاء باسودان وجميلة منصر وأم الخير عجمي ليشكّلن الثلاثي اللطيف، ويقدن رحلة فنية متنوعة من أغاني وطنية وأوبريتات تلفزيونية وإذاعية، وستبقى أغنية "أيا ثورة الشعب دومي مناراً" التي أُذيعت أوّل مرة صباح الاستقلال 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، واحدةً من أهم أغاني ثورة تشرين الأول (أكتوبر).

وتوالى ظهور الفنانات؛ مثل كفى عراقي، وفتحية الطويلة، وأمل كعدل، ومنى همشري، والعديد من اللائي ذكرهنّ الكتاب ووثق مسيرتهنّ الفنية.

أصوات فنية نسائية تلاشت نهاية التسعينيات من القرن العشرين، بعد أن عادت النظرة الاجتماعية القديمة إلى المرأة ولممارستها للغناء، وتراجعت الحركة التنويرية أمام أصوات الرجعية والتطرف الديني، فاعتزل الكثير من الفنانات، وتوارى الرعيل الأول منهن، ليصل بهن الأمر إلى رفض تاريخهن الفني، أو حتى الحديث عنه، بل اعتبره البعض عاراً.

لم يتبقَّ من تلك الأصوات الكثير، على الرغم من صعود بعض الفنانات من جيل الألفية الجديدة، إلا أنّ ظهورهن الحالي لم يصل إلى حد أن يمثل مرحلة جديدة من الغناء اليمني النسائي، ولم يرافقه حضور الكلمة واللحن الجديد، بل تكرار لأغاني الرعيل الأول على منصات التواصل الاجتماعي، وبعض المشاركات الاحتفالية المحصورة، وحضور نستطيع أن نقول عنه تأدية للغناء.

ولكن تظل عدن لتفاجئنا بظهور فرقة نسائية ناشئة تتلقى تدريباً على الآلات الموسيقية، ويقول مدير مكتب الثقافة في عدن، الموسيقار أحمد صالح بن غودل: "إنّ تأسيس فرقة فنية نسائية جاء بعد خضوع أعضاء الفرقة لتدريبات استمرت (3) أشهر، بدعم من مؤسسة التنمية والفنون تحت إشراف مكتب الثقافة.

ويظل الفن والمرأة رمزان للمقاومة، وسلاحان ناعمان لمواجهة التطرف والرجعية، وعاملا البقاء واستمرار الحياة.