آخر تحديث :الجمعة-13 سبتمبر 2024-12:25ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر: الناصريون اتهموا الجبهة القومية بالتآمر مع بريطانيا .. وصالح استقطب عناصرهم رغم قتل قادتهم

الجمعة - 23 أغسطس 2024 - 02:47 م بتوقيت عدن

الرئيس علي ناصر: الناصريون  اتهموا الجبهة القومية بالتآمر مع بريطانيا .. وصالح  استقطب عناصرهم  رغم قتل  قادتهم

إعداد / د. الخضر عبدالله:





الجبهة القومية وقضية الوحدة

يواصل الرئيس علي ناصر محمد حديثه عن الأحزاب القومية في جمهورية اليمن الديمقراطية وموقفها من وقال في حديثا خص به ( عدن الغد) :" أنشأت الجبهة القومية في عام 1963م في مدينة جبلة بمحافظة إب، وأطلقت عليها اسم الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل. تكونت الجبهة من عدد من التنظيمات الجهوية الصغيرة التي كان بعضها مرتبطاً بالحركة التي كانت عمودها الفقري، وكانت في كفاحها المسلح للاحتلال البريطاني مستقلةً عن الحركة الأم في بيروت ذات الطابع السياسي في نضالها، وكانت تنظيماً وطنياً صرفاً، ولكن كان ينظر إليها على أنها الذراع العسكرية للفرع، ومن ثَمّ للحركة الأم. وكأيّ تنظيم سياسي أو عسكري، أعلن البعض رفضه لوجودها، وآخر انتقد ميثاقها. وهنا لنا وقفة مع من ينتقدون الميثاق بسطحية، لتضمّنه، في رأيهم، عباراتٍ وصيغاً معروفة سبقتها إليها حركة القوميين العرب عام 1960. هؤلاء تجاهلوا الوحدة العضوية الفكرية والتنظيمية بين الحركة الأم وفروعها العربية، وكان اليمن من بينها، وتناسوا أنّ الميثاق لم يكن برنامج عمل حكومي أو خطة تفصيلية مستقبلية لما سيكون عليه الحال بعد الاستقلال، بل برنامجاً مرحلياً يتضمن من ضمن ما يتضمنه استشرافاً للمستقبل، لأن البرنامج الحكومي يتطلب بيئة سياسية مختلفة ومستقرة، ولا وجود للاستعمار فيها، وهذه وظيفة دولة مستقلة، لا حركة تحرر وطني. ومن جهة ثانية، يغبُن هؤلاء الجبهة القومية التي كانت حقاً جريئة جداً في وضع هدف تحقيق الوحدة اليمنية في صدارة أهدافها، وفي تسميتها في بيئة محلية بعضها معادٍ للوحدة اليمنية، وبعضها الآخر كان معادياً فعلاً حتى لوحدة الجنوب اليمني المحتل، فضلاً عن الموقفين البريطاني والسعودي من الوحدة وتخوفهما منها، لربطهما بين الاستقلال الآتي والوحدة اليمنية ونفوذ مصر في اليمن، خصوصاً في المنطقة العربية، الذي كان من بين أسباب شنّ إسرائيل عدوانها على مصر في 5 حزيران/ يونيو عام 1967. ومن ناحية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، لم يقدّم هؤلاء الناقدون بديلاً لميثاق الجبهة القومية، وربما لم يكن في مقدورهم ذلك.
إنّ ما قام به فرع الحركة في اليمن كان حقاً طبيعياً، باعتباره فرعاً لحركة قومية عربية وحدوية أولاً، وثانياً ــ وهذا مهم ــ بمقارنة ميثاقها مع برامج الآخرين أو شعاراتهم، سنجد أنّ الجبهة القومية كانت متقدمة على غيرها قولاً وفعلاً، ثم ــ وهذا هو الأهم ــ في ممارساتها وما صدر عنها من أدبيات ثورية وحدوية أثناء الكفاح المسلح (1963 ــ 1967)، وفي عهد الدولة الوطنية المستقلة (1967 ــ 1990).
وكان فرع حركة القوميين العرب في اليمن هو الوحيد الذي وصل إلى السلطة عبر الثورة المسلحة، وليس عبر انقلاب عسكري، وذلك بتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني وقيام الدولة في الجنوب في 30 نوفمبر 1967، ولكن يجب أن نعترف أنّ بعض قيادات حركة القوميين العرب في بيروت قد نقلت صراعاتها وخلافاتها وتنظيراتها إلى الفروع الأخرى، وإلى التجربة في عدن. وقامت بدور خطير في تصنيف القيادة في عدن باسم اليمين الرجعي واليسار الانتهازي واليمين الانتهازي ولم تكن هذه القيادة أمينة على هذه التجربة الوحيدة للحركة في الوطن العربي، وتسببت في الانقسامات والصراعات التي شهدتها اليمن الديمقراطية، إضافة إلى الصراع من أجل الوحدة وتآمر بعض الدول الاقليمية والدولية على هذه التجربة.
ثانياً: حزب البعث العربي الاشتراكي وموقفه من قضية الوحدة اليمنية
تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي (فرع اليمن) عام 1959م، وكان نشاطه السياسي، كغيره من الأحزاب، محدوداً في الشطرين. توغل الحزب في عدد من التنظيمات الطلابية والعمالية والاجتماعية، وكان له دور أساسي في تأسيس "حزب الشعب الاشتراكي". التزم الحزب كلَّ المفاهيم والمنطلقات النظرية للحزب ذي التوجه القومي، وجوهرها شعاره العروبي الثلاثي: وحدة ــ حرية ــ اشتراكية. يجب أن تقال الحقيقة، وهي أنّ أدبيات الحزب ووثائقه وشعاراته عن الوحدة اليمنية خلت من برنامج عمل، ولم تخرج عن نطاق الصياغات العامة، وذلك كان مؤشراً على عدم امتلاكه نهجاً وطنياً مستقلاً عن التنظيم الأم خارج اليمن، يحدد من خلاله مهماته على المستوى الوطني بكل جوانبه، باعتباره الأدرى بالوضع المحلي وخصوصياته، واكتفى بالأدبيات المقرَّة على المستوى القومي. وفي وثيقة برنامجية لفرع اليمن أصدرها عام 1969م بعنوان "حول الجبهة الوطنية الديمقراطية" عالج فيها الكثير من القضايا، ومنها الوحدة اليمنية، واقترب الحزب من خلال هذه الرؤية من موقفَي الجبهة القومية واتحاد الشعب الديمقراطي من قضية الوحدة. من أهمّ مؤسسي حزب البعث (فرع اليمن) ، ممكن أن نشير إلى عبد الرحمن حسن شجاع الدين، موسى الكاظم، علي عقيل بن يحيى، محمد عمر الكاف، عبد القادر الكاف، عبد الله فاضل فارع، محمد سعيد مسواط، قاسم سلام، أنيس حسن يحيى، عبد الحافظ نعمان، أحمد حيدرة، صالح الحبشي، محمد حميد نعمان، وعبد الوهاب جحاف وآخرين من عسكريين ومدنيين.
وفي السبعينيات انقسم الحزب إلى حزبين تابعين لكل من سورية والعراق، وانقسمت أيضاً أحزاب أخرى، كالناصريين والرابطة وغيرها.

اتحاد الشعب الديمقراطي وموقفه من قضية الوحدة اليمنية

ويمكل الرئيس ناصر حديثه يقول:" تأسس حزب اتحاد الشعب الديمقراطي كأول تنظيم يساري يمني في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1961م، من العناصر الآتين:
عبد الله عبد الرزاق باذيب، علي عبد الرزاق باذيب، أحمد سعيد باخبيره، خالد فضل منصور، عبد الله علي مرشد، علي محمد بانافع، وآخرين. لكن نضال اليسار في اليمن من أجل قضية الوحدة اليمنية كان قد بدأ قبل تأسيس التنظيم بسنوات من خلال كتابات عناصره في عدد من الصحف، وفيها أكد التنظيم وحدويته وريادته في شعاره الذي تصدّر ميثاقه الوطني "نحو يمن حر ديمقراطي موحد"، وقد حددت المادة الأولى منه أنّ من أهدافه "النضال ضد الاستعمار والإقطاع والرجعية وإقامة حكم ديمقراطي". أما المادة الثانية منه، فأكدت "دعم وصيانة وحدة كفاح الشعب اليمني وإقامة جبهة وطنية واسعة على أسس ديمقراطية". وفي المادة الثالثة أكد الميثاق التحرر الوطني وتحقيق الوحدة اليمنية. وقد تميزت مواقف اتحاد الشعب تجاه الوحدة اليمنية، مقارنةً بوثائق فروع الأحزاب القومية اليمنية، بالنضج الفكري والسياسي الذي كان يتحلى به قائده عبد الله باذيب. وهنا لا ينبغي إغفال البعد الوحدوي في إقامة باذيب في تعز، عاصمة الإمام أحمد، وإصداره الأسبوعي لجريدة الطليعة، في وقت لم يكن بعيداً عن موعد قيام ثورة سبتمبر 1962، واندماجه مع النخبة اليمنية ــ التعزية، إذ كان يشاهَد في مطعم بلقيس في "العقبة" التي تؤدي إلى العرضي، حيث يقيم الإمام، وتقع بعدها السفارات البريطانية والأميركية والروسية والصينية، وكان المطعم لوالد عبد الرزاق، أحد أعضاء حركة القوميين العرب، كما علمتُ لاحقاً.
التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري موقفه من قضية الوحدة اليمنية

ويقول الرئيس ناصر :" ان التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بدأ نشاط التنظيم في تعز من خلال عناصر طلابية في مدرسة عبد الناصر الثانوية هناك، وكان للقيادة العربية (المصرية) في تعز دور لا يُنكَر في رعايته. ترافق نشوء التنظيم مع إنشاء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل عام 1965، وتغيير استراتيجية مصر في التعاون مع الجبهة القومية، وقيام جبهة تحرير جنوب اليمن، والتدرّج في تخفيف تعاونها الاستراتيجي مع حركة القوميين العرب. ومن دون الدخول في التفاصيل، وباختصار، كان الهمّ الرئيسي للتنظيم الذي سُمِّي وقتها "القاعدة الطلابية"، إضعاف نفوذ الطلاب الذين ينتمون إلى حركة القوميين العرب في مدرسة عبد الناصر الثانوية، ومن ثَمّ إضعاف نفوذ الحركة في تعز، إذ لم يكن للقاعدة الطلابية أيّ نشاط، رغم اقتصاره على مبنى المدرسة خارج مدينة تعز. كانت الحركة تسيطر ديمقراطياً وبالانتخابات النزيهة على اتحاد الطلبة، وقد سار عناصر قيادة "القاعدة الطلابية" على ذات الدرب في القاهرة، حتى استولوا على رابطة الطلبة اليمنيين فيها.
مع كل هذا الذي يُعَدّ من الماضي، من نافل القول أنّ التنظيم الوحدوي الناصري تنظيم عروبي وحدوي.
لقد كرّس الناصريون في برنامجهم السياسي هدف الثورة الخامس نفسه، وهذا الهدف لا يعني الوحدة اليمنية، بشكل واضح، بل الوحدة الوطنية للشعب المحقَّقة بالطرق السلمية والديمقراطية في نطاق الوحدة العربية الشاملة، وهنا بيت القصيد. لقد كانوا ينظرون إلى الجبهة القومية باعتبارها عدوّاً خطف منهم فرصة حكم الجنوب، واتهموا الجبهة القومية بالتآمر مع بريطانيا نكاية بمصر وبعبد الناصر، ولنيله الاستقلال مشوَّهاً وناقصاً (تسليم بريطانيا جزر كوريا موريا لعُمان قبيل الاستقلال مثالاً، وهذا لم يكن صحيحاً). وكانت نظرتهم للجبهة القومية شديدة الضيق، وأقلّ ما يقال فيها أنها كانت نظرة كراهية وعداء وعدم رغبة في تحقيق الوحدة معه. وهنا يمكن تفسير اصطفافهم مع علي عبد الله صالح في حرب 1994 بدعوى حماية الوحدة، برغم قتله قادتهم. وقد تلقى التنظيم ضربة قاسية في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1977 على يد الرئيس علي عبد الله صالح واللواء علي محسن الأحمر بعد محاولته الانقلابية الفاشلة بإعدامه 21 كانوا هم زبدته وقادته، وجميعهم لم يريقوا قطرة دم واحدة في انقلابهم. وتمكن صالح، بعد ذلك، من ترويض ثمّ استقطاب بعض عناصر التنظيم الذين تبوأوا مناصب مدنية وعسكرية رفيعة، ومنهم مَن أسّس تنظيماً ناصرياً موازياً اتّسم بالضعف والهشاشة والتبعية لسلطة صالح وأجهزته الأمنية.

(للحديث بقية)