آخر تحديث :الإثنين-09 سبتمبر 2024-09:40م

ملفات وتحقيقات


التحرش في اليمن.. شهادات صادمة

الثلاثاء - 06 أغسطس 2024 - 12:33 ص بتوقيت عدن

التحرش في اليمن.. شهادات صادمة

(عدن الغد)خاص.

تقرير//معاذ مدهش
حتى وقت قريب كان الحديث عن التحرش الجنسي في اليمن -بكافة أشكاله وأنواعه- يعد من التابوهات والمحرمات، إذ توقف ذلك على رد فعل المجتمع اليمني "المحافظ".
"يعرف التحرش الجنسي بأنه سلوك جنسي غير مرغوب فيه يجعل الشخص المتحرَّش به يشعر بالإهانة أو التهديد أو الإذلال، وهو قد يكون مباشرا أو غير مباشر، جسديا أو لفظيا".
اجرى اليمن أول عملية إحصاءحول التحرش الجنسي العام 2009، وهو إحصاء أجراه -المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق المرأة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للسكان والوكالة السويدية للتنمية الدولية.
نتائج الاحصاء اشارت الى أن 90% من النساء في اليمن تعرضن لشكل او اكثر من اشكال التحرش سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل.
وعلى الرغم من تلك النسبة العالية التي أظهرتها عملية الاحصاء إلا أن القضية أهملت وقوبلت بالنكران وتم تجاهلها إعلاميًا وقانونيًا واجتماعيًا وفي كل الأحوال تتم إدانة او تعنيف الضحية إذا ما أفصحت عما تعرضت له.
ولم يقتصر هذا السلوك على المجتمع اليمني وحسب، بل شمل معظم الدول العربية وغير العربية.
وتتنوع ردود فعل النساء تجاه الظاهرة، فهناك من تعرضن للتحرش وتحفظن مراعاة للحرج أو خوفا من فقدان عملهن، وهناك من ابلغن، أما في اليمن فيبدو الحال كما لوكان مألوفا وسط مجتمع تسوده سلطة الذكر.


تخاذل قانوني.
ما يضيق الخناق أكثر أمام المرأة اليمنية أنها وإن نالت استحقاقاً تجاه نفسها ورفعت سقف إدراكها بالإفصاح عما تتعرض له فإن القانون اليمني يمثل عقبة أمامها، فالقانون اليمني لم ينص على عقوبات مباشرة ضد المتحرشين، بل اكتفى بتجريم الفعل ونص على غرامة مالية وسجن مدة أسبوع كعقوبة.
وبخصوص العقوبات القانونية يقول الاختصاصي القانوني "عبد الرحمن الزبيب":بأنه لا يوجد تعريف واضح في القانون اليمني للتحرش الجنسي، لكن تم تعريفه من خلال مصطلحات أخرى (فعل فاضح وهتك العرض).
وتنص المادة (275) من قانون العقوبات على:(يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة كل من أتى فعلا فاضحا مع أنثى بغير رضاها فإذا كان الفعل عن رضى منها يعاقب الاثنان بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز الف ريال).

https://agoyemen.net/lib_details.php?id=5

وفي سبيل إعادة النظر في فجوات عقوبة التحرش قانونا، تقول مديرة إدارة الإعلام في اللجنة الوطنية للمرأة، ماريا راشد بأن من انشطة اللجنة انها سعت سابقًا الى تقديم مقترحات للبرلمان اليمني لتعديل قانون العقوبات وجعل جريمة التحرش أكثر وضوحًا، إلا أن القائمين على قراراته حسب قول ماريا رأوا ان أن الوضع المعيشي وحالة الحرب تصعبان التعامل مع المقترح بجدية في ذلك الوقت.

وتعمل اللجنة على مواصلة نشاطها التوعوي وتسليط الضوء على قضايا المرأة وتثقيفها، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية. كما أن للجنة فروع في كافة المحافظات المحررة. كما تنفذ انشطة في ذات الاتجاه بالتزامن مع الحملة الدولية 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.
اللجنة الوطنية للمرأة https://www.facebook.com/profile.php?id=100075656931199


متحرش يرتدي ربطة عنق.

بقدر ما تحدث خفية او يظهر الحديث عن حالات التحرش بين فينة وأخرى في الوسط الأكاديمي -الجامعات اليمنية خصوصًا- بقدر ماتطوى تلك الحوادث والقصص دون مساءلة او عقاب خاصة حين تكون للمتحرش مكانة اجتماعية او وظيفية يتستر خلفها وفي الحالين تبقى المشكلة كابوسًا وحدها المرأة من تدفع ضريبته.

تقول "سمية" (اسم مستعار) طالبة جامعية في مرحلة البكلاريوس."في اليوم الخامس من دخولي الجامعة بدأت اشعر بمضايقات وتلميحات كثيرة من عميد الكلية، مرات يفتح معي موضوعات لا شأن لي بها، واخرى تقولها جرأة نظراته".
تضيف "سمية " كان يقترب مني حد أني ألصق نفسي بالجدار، أما الذي فاجأني فحين عرض علي فرصة عمل، سكرتارية في مكتبه مقابل 40 ألف ريال، وحين رفضت معللة بأن أسرتي لم توافق، أرسل إلي احد الاساتذة كي يقول لي يقول لي بأن العميد سيمنحني فرصة لدراسة الماجستير ويزيد راتب العمل الى 60 ألف".

وعن شعورها تقول (سمية) :"أن تتعرض المرأة للتحرش في الشارع ومواصلات النقل ثم يلاحقها إلى مبنى أكاديمي يفترض منه أن يكون نموذجًا للرقي الاخلاقي فهذه مشكلة كبيرة تجعل المرأة تشك بنظرات كل من حولها وتعيش في حالة من عدم الامان".

تقول الاختصاصية النفسية، وفاء سعيد، بأن "الناجية من التحرش تدخل في دوامة من الأزمات "ما بعد الصدمة" منها ما يظهر مباشرة ومنها مايكمن في نفسية الناجية، مثل تدني تقدير الذات، أفكار واعتقادات خاطئة بأن المجتمع ينظر اليها بدونية واحتقار، هلع وخوف إلى جانب قلق وعزلة، ثم اكتئاب".


وفاء (اسم مستعار) امرأة متزوجة مات زوجها قبل عامين، تعيش رفقة امها في ريف ناء شمالي مدينة تعز، لم تكمل وفاء دراستها، ولم تفكر يوما أن تعمل خارج البيت، لكنها في العام 2019 ذهبت إلى مشفى صغير في قريتها بقصد أن تجد فرصة عمل.
قصدت ذلك المشفى كونه حظي بدعم من منظمة خارجية ووفر فرص عمل لمن يمتلكن مؤهلات علمية، تقول وفاء "حين عرضت على المسؤول في المشفى رغبتي بالعمل تعلل أن المشفى لا يستوعب أكثر من العمال الموجودين فيه، لكن أخبرتني إحدى الموظفات أن أذهب إلى شيخ المنطقة وأخبره بقصتي".
تضيف وفاء، "ذهبت مع والدتي إلى منزل الشيخ الذي بادر بعد أول دعوة من والدتي بأن يحفظه الله، وفي اليوم الثالث تواصل معنا الشيخ وذهبت للعمل في المشفى بتوصية منه وتركت أبنائي مع والدتي، وفي الأسبوع الأول وجدت نفسي غير قادرة على تأدية أية مهمة باستثناء تزويد المشرف على المختبر ببعض الأمور العادية".
في الأسبوع الرابع تقول وفاء: جاء الشيخ إلى المشفى وعلى انفراد سألها عن العمل إن كان مناسبًا وأخبرها أنه تحدث إلى المشرفين في المشفى كي يعاملونها معاملة حسنة، موضحة "أخبرني بأن أمر على منزله بعد انتهاء الدوام ومضى، و عندما وصلت كان لوحده تراجعت وتكلمت معه وعيني على الباب، بإمكان أي امرأة أن تشعر بفطرتها وتتصرف مثلي في موقف كهذا، وفي الأخير خرجت من منزله بعد أن سمعت ان ادركت رغبته المبطنة بوعود ومقايضات من قبيل الزواج، وانتبهت أني كنت بنظره قطعة لحم يبحث عن فرصة مناسبة لالتهامها"

بين مبنى حكومي ومبنى خاص.

منى امرأة في عقدها الثالث، تعمل في بنك أهلي في العاصمة صنعاء، تقول منال، "أنا أعمل منذ مطلع عام 2018، لكن حقيقة وإلى اليوم لم يسبق لي أن مررت بتجربة أو صادفت لفظًا أو إشارة قد تندرج ضمن تحرش في مكان عملي لكنني أسمع قصصًا كثيرة لزميلات يتعرضن للتحرش، معظمهن يعملن في مبان حكومية".

وتستخلص منى: أن بيئة العمل الحكومية اكثر عرضة لتفشي ظاهرة التحرش حيث الرقابة متدنية بالمقارنة بأماكن العمل في القطاع الخاص. وتضيف :هذا لا يعني أن موظفو المؤسسات الخاصة بمنأى عن التحرش، لكن ما قصدته أن القوانين والعقوبات والرقابة تسهم إسهاما كبيرا في تعزيز الوعي وتحد من ظاهرة التحرش".

طبيب متحرش.
تعود منى: بذاكرتها قليلًا إلى الوراء، بداية عقدها الثاني، تقول :"ذهبت مرة إلى طبيب أسنان غرب المدينة، لحظتها لم تكن العيادات كثيرة كما اليوم، دخلت إلى غرفة الطبيب وأثناء جلوسي على الكرسي، ترك الدكتور الأداة التي كان يعمل بها، وكاد ان يحط يده على صدري، لحظتها أبديت ردة فعل وصرخت بوجهه وتركت العيادة".

لم تشتك منى: بالطبيب لتحرشه بها في عيادته، ولم تخبر أسرتها، بل كل ما فعلته أنها أخبرت صديقتها ومنذ تلك الحادثة أصبحت تفضل زيارة عيادات النساء حسب تعبيرها".

تشير منى، أنها في ذلك الوقت لم تكن تملك وعيًا كافيًا على المستوى الشخصي، وأنها لو كانت تحدثت مع إخوتها بشأن ذهابها إلى طبيب فهذا لوحده سيفتح أمامها أعين الريبة فكيف يكون الامر لو أخبرتهم بما حصل.

سعاد" اسم مستعار ناشطة وإعلامية يمنية، تبلغ من العمر 26 عامًا، تقول سعاد:" قبل عامين أثناء تغطيتي لمؤتمر أقيم في مدينتي، ذلك اليوم تعرفت إلى خبير دراسات استراتيجية كان عمره في الخمسينيات تقريبًا، بعد حديث عادي معه أخبرني أنه افتتح مؤسسة تُعنى بالعمل الإنساني، وعرض علي فرصة عمل وطلب مني زيارة مكتبه، لكنني فوجئت أن مكتبه لم يكن سوى شقة في عمارة، لكن الصدمة الكبيرة، حين اقترب مني وحاول ملامستي والاعتداء علي. وتختتم أفراح بلهجة محلية "طلع لا يشتي عمل ولا هم يحزنون"
عندما سألنا أفراح حول ما إذا كانت اشتكت بالمتحرش قالت أنها "حمدت الله أنها نجت بنفسها".
وهنا تضيف الاختصاصية النفسية وفاء صالح بأن الوعي وتعزيز المرأة بالنصائح لا يكفي، بقدر ما يحتاج الأمر إلى خطط مستدامة ومستقبلية، وفتح خطوط ساخنة لاستلام مكالمات الناجيات من التحرش، وإقامة جلسات نفسية مكثفة، وقبل كل هذا تبقى المدارس والتمسك بالقيم ومنح الأبناء ثقة كبيرة كي يفصحوا عما تعرضوا له على قدر عالٍ من الاهمية.

لماذا تخاف المرأة اليمنية الإفصاح عند تعرضها لمثل هذه الحوادث؟

عائشة صالح، ناشطة مهتمة بقضايا المرأة، تجيب بأن" العائلة هي السبب الأول، وأحيانًا يأتي العنف منها، بغض النظر عن المسميات، ويليها القانون، وهو آخر محاولة يمكن اللجوء إليها عند تعرض المرأة للعنف والتحرش".

وتضيف صالح: أن المرأة اليمنية لن تخرج عن الصمت ومما تعانيه ما لم تؤمن بأن ما تتعرض له يعد تجاوزًا لماهيتها ودورها في المجتمع، وفي حال وجود نماذج وقصص لنساء يمنيات انتصرن لقضيتهن وما يتعرضن له على مستوى القضاء وإدانة الجناة، هنا ستتخلى المرأة اليمنية عن الصمت. متسائلة: لكن متى سيكون ذلك؟

ملحوظة: حاولنا التواصل مع أكثر من جهة قانونية للحصول على معلومات أو إحصاءات حول نسب القضايا التي وصلتهم بخصوص التحرش الجنسي. لكن مع الأسف لم نتلق أي رد حتى إكمال المادة.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

https://economicmedia.net/