آخر تحديث :الجمعة-18 أكتوبر 2024-12:10ص
ملفات وتحقيقات

في رحلة لمنجم اليمن الاول .. حكاية مكان بصحراء قبائل بلحارث ..!

الأربعاء - 10 يوليه 2024 - 06:21 م بتوقيت عدن
في رحلة لمنجم اليمن الاول ..
حكاية مكان بصحراء قبائل بلحارث ..!
بيحان ((عدن الغد)) خاص:

كتب / زَبين عطية

كُنت وبصحبتي فريقي في رحلة عمل كانت ممتعة للغاية ونحن في عمق صحراء الربع الخالي التي مكثنا فيها زها 12 ساعة لتسجبل مادة تلفزيونية "حكاية مكان "
" لياديم " كانت وجهتنا وهي منطقة صحراوية تبعد عن مركز مديرية عسيلان نحو ثمانون كيلو متر شمال شرق المديرية ..هذه المنطقة كانت قبل ثلاثة عقود زمنية عبارة عن وجهة للكثير من ابناء قبيلة بلحارث وجيرانهم من القبائل الاخرى التواقين للعيش الكريم والرزق الحلال .
بالتاكيد الوصول الى هذه المنطقة ليس بالأمر السهل ، لكن بفضل الله وجهود وتعاون وتسهيل قدمه لنا الشيخ القدير / صالح بن احمد الخبشة الحارثي ابو " صلاح" - احد مؤسسي مهرجان التراث وسباق الفروسية والهجن في مديرية عسيلان في العام 1997م - تمكنّا من الوصول الى وجهتنا وإنجاز مهمتنا .

كان "الشيخ صالح " بإنتظارنا عند قرابة الساعة التاسعة صباح الاثنين الماضي في سوق سعدة ، وعند وصولنا هناك ركنّا سيارتنا الصغيرة بجانب احد المحال التجارية وصعدنا الى سيارته وهي "شاص" موديل حديث ، حيث اصطحبنا معدات التصوير ، وامتطينا "الشاص" الذي تم تجهيزه لنقلنا الى وجهتنا "منجم لياديم " .
كان "ابو صلاح " -اكرمه الله - قد جهّز كل ما قد نحتاجه من المؤن "الماء والغذاء" حيث سبق وارسل بمتطلبات الغداء من اللحم والخبز والرز الى هناك وكلف بطباخته وتجهيزه .

عندما غادرنا المكان قال لي : سيكون بصحبتنا في هذه الرحلة واحدا من اصدق وانبل الرجال وكان واحدا من المضاه ورواد منجم لياديم قبل نحو خمسين عاما ولديه معلومات تاريخية سيثريكم بها -لقد اسعدنا بذلك-
بعد ان قطعنا نحو خمسة كيلو مررنا بجانب احد المنازل وهو المنزل الذي كان يتواجد فيه بانتظارنا ،حيث كان صاحبنا هو الوالد الفاضل الشيخ / احمد حسين كوير الحارثي "ابو ياسر"
وبعد مصافحته وتبادل التحية صعد وركب بجانبي في مقصورة السيارة وثم انطلقنا في رحلتنا نحو ادغال صحراء الربع الخالي التي نزورها لاول مرة .

وبينما كانت السيارة والتي يقودها بمهارة عالية "ابو صلاح" تبحر وتعوم وسط سلالسل من الكثبان الرملية الذهبية الناعمة ، وقتها كنا نتبادل اطراف الحديث ولم نشعر بمشقة السفر ، وبعد قرابة ساعة ونصف الساعة اشار بيديه "الشيخ صالح الخبشة" قائلاً:- هذه قرون الملح ثم واصلنا السير بضعة كيلو مترات حتى توقفنا بجانب "عوشه" وهي غرفة مصنوعة من اعواد الشجر ، كان الوقت حينها الساعة تشيرا الى الواحدة ظهراً توقفنا بجانب الغرفة وترجلنا عن السيارة وكان بجانب بوابة هذا الغرفة في استقبالنا بكل حفاوة وترحاب صاحب الوجه البشوش و احد فرسان الصحراء الشيخ / حسن كوير الحارثي والشابين صلاح صالح الخبشة و ابوبكر مانع الرادي ..كانوا مشكورين قد قد ذبحوا "كبش" كضيافة لنا وبعد تبادل التحية قدموا لنا "الشوية" وثم المرق ذو الطعم الذيذ ثم قدمو لنا مايسمى "المرقوق " مع الدهن البلدي ، وبعد قسط قليل من الراحة قدموا لنا كمية من اللحم المضبي مع الارز .
بعد تناول الغداء، بدأت الرحلة الممتعة والشيقة مع الرائع "ابو ياسر" الذي حينها كان يسرد علينا حكايات وقصص ومواقف واقعية عاشها خلال عمله في منجم لياديم للملح الصخري ،وقد انسجمنا ولم نفيق الا بعد ان نبهنا احد الشباب بان وقت صلاة العصر قد حآن ، قمنا وصلينا صلاة الظهر والعصر جمعا وثم تناولنا الشاي بالحليب والبسكويت ، وثم انطلقنا نحو المنجم ..كان مرشدنا السياحي "ابوياسر" الذي كان خلال عقود احد المضاه ( العاملين فيها ) قال :- كان هذا المنجم مصدرا رئيسيا للعيش وطلب الرزق للكثير من الاهالي خلال القرون الاربعة الماضية حيث كان عبارة عن قبلة يقصدها معظم ابناء قبيلة بلحارث والقبائل المجاوره الذين كانوا يقومون باستخراج الملح الصخري ونقله وثم تسويقه .
بدأنا جولتنا بمشاهدة مقبرة تظم عدد من القبور حيث يقول العم الشيخ / احمد كوير الذي كان يطوف بنا في المواقع بكل نشاط وحيوية ويحدثنا بروح الشباب العالية: - في هذا المكان كان يتم دفن ممن يموت هنا حيث لايتم نقله الى اهله نظرا لصعوبة ذلك ، ثم صعد بنا الى مرتفع جبلي يكشف المنجم ومحيطه وقال : هذا المكان كان بمثابة ابراج للمراقبة يتمترس فيها حراسات المنجم ثم اشار الى طريق تقود الى الجبل وقال هذه الطريق تم شقها لتسهيل صعود ونزول الحراسات .
ويشير بيده قائلا :- هذا المنجم يتكون من الشعب لسفل والشعب لعلى وهذه الجبال المطلة عليه يطلق عليها "قرون الملح "وهي المعالم التي يستدل بها ألجمالة " وهم الاشخاص الذين يقومون" بنقل الملح عبر ظهور الجمال" على الموقع على بعد مسافات طويلة كما اشار الى جبل أخر قال هذه المظلة وهو مكان يقع تحت صخرة جبلية كبيرة يتخذه الجمالة مكاناً للاستراحة .
نزلنا من قمة الجبل ثم توقفنا امام بعض المعالم الأثرية وقال:- هذا آثار ما يسمى جلب الرمادي حيث كانت غرفة صغيرة متخصصة للشخص الذي كان يتولى مسؤولية الإدارة والتنظيم في المنجم ..ثم اشار قائلا :- هذه طريق طلعوع الابل بعد تحميلها بالملح ثم اشار بيده يمينا ويسارا نحو اركان وزوايا المنجم وقال : كان كل زاوية او مساحة في المنجم يتولى نجشها احد المضاه ولا يحق لاخر الاعتداء عليه .
وامضى "ابو ياسر "حديثه قائلا :
كان الكثير من رجال القبائل يشدون الرحال على ظهور الإبل قاصدين هذا الموقع قاطعين مسافات طويلة عبر الصحراء تستغرق 5- 6 أيام وليال يسيرون ويبيتون خلالها يصطحبون معهم حاجتهم من الماء وبعض الطحين من حبوب الصيف والصفراء والجداره والدخن الذي يقومون بعجينه وطهيه على جمر الحطب ويخرج خبزا يسمى الجمري ومنه يفت على لبن الإبل وزيت السمسم .
ويضيف بقوله :-عند وصولهم الى هذا المنجم كان هناك أشخاص وانا واحدا منهم يطلق عليهم ( ألمضاه ) وهم العمال الذين يقومون باستخراج الملح بواسطة أدوات بدائية تسمى السنة والمرفت وبعد نجش الملح يقوم الجمالة بتكسيرة بالمرفت وكيله بالصغيره بتعبئته في أكياس تسمى الغرارة المصنوعة من شعر الابل والاغنام وثم تحميله على ظهور الإبل ، ومن حمّل "ركوبه "يجب عليه ان يتوقف في هذا المكان خارج المنجم حتى يتجمع اكبر عدد من الجماله وذلك لحماية بعضهم البعض من المتقطعين ومن ثم ينطلقون في قوافل عبر الصحراء في طريقهم الى سوق القصاب في بيحان وسوق حريب وسوق الجوبة وهناك يتم بيع الملح لبعض التجار مقابل حصولهم على حبوب القمح والزبيب او بعض السلع ومن هذه الأسواق يتم تصديره الى ذمار وصنعاء ومناطق أخرى .

فيما يؤكد الشيخ / صالح بن احمد الخبشة الحارثي قائلاً : هذا المنجم جزء مهم من تاريخ ومؤروث بلحارث وبيحان ، حيث كان خلال القرون الاربعة الماضية عبارة عن ثروة طبيعية اقتصادية عظيمة تزود مناطق اليمن بالملح بقدر ما كان يتخذ من الاهالي مصدر اساسيا للعيش وطلب الرزق، كانوا يبيعون الملح مقابل الحصول على الحبوب والزبيب والملابس والسلع الاخرى .
ويضيف : اخشى ان ياتي يوم وقد غطت الرمال معالم هذا المنجم الاقتصادي والتاريخي ،فكما تشاهدون ان المنجم قد كان بعمق اربعين مترا إلا اننا نلاحظ ان الرمال المتحركة قد دفنت اكثر من عشرين متر .

طبعا خلال رحلتنا اخذنا لقطات تصويريه كمشاهد حيه تحاكي كيف كان يتم استخراج الملح من هذا المنجم والوسائل البدائية التي كان يستخدمها الاولون .
وقد اختتمنا جولتنا بجلسة جماعية وسط المنجم تم خلالها تبادل اطراف الاحاديث والنكات مع تناول الشاي وماتبقى من لحم الغداء ثم حزمنا امتعتنا وعدّنا ولله الحمد بعد رحلة تنوع مابين مهمة عمل والترفيه والسياحية .