في محاضرة لي كانت قبل عام في اليمن تحدثت عن التفوق الغربي في المجسات والحواس والذكاء الاصطناعي والانفاق الفلكي واين التوجهات بشكل سريع. ومجمل حديثي كان إن هناك أدوات مختلفة يجب نهجها بالامكانيات المتاحة ولو في حدود الدنيا، لنجعل النظام التعليمي في بلدنا قابل للاستمرار ولتقبل التطوير، واقلها تشجيع المواهب، وايجاد الحوافز، وتطوير البنية التحتية، وتنظيم بيئة العمل، ودعم الابحاث بما هو متوفر، والعمل في اطار الاستراتيجيات الكبيرة اما للجامعة، ومنها الوزارة والحكومية، ومن ثم التبني التجاري والمجتمعي. وقلت كون البلد في اخر سلم التنمية، يظل اي جهد خارج بوابة التعليم للاستقرار فشل، وهنا لن يظل امامنا إلا أن نصعد على اكتاف العمالقة لنعرف الطريق، وبدل أن نظل بين الأقدام نتخبط ونكسر رؤس بعضنا بصراعات دون معنى ولا تنتج ثروة. ولو رجعت اليوم اتحدث في اي جامعة يمنية سوف اعيد نفس الحديث، لاسباب عديدة، اقلها انني اجد المجتمع اليمني سوف يكن من المجتمعات الخاسرة، ولاتوجد فرص اخرى لنجد مجتمعنا بين الامم غير التعليم ثم التعليم.
ففي غضون 10 سنوات قادمة، أي نفس عمر الصراع اليمني، سوف يصبح الذكاء الاصطناعي الفائق حقيقة واقعة، والذي سوف يكون بعد ذلك أكثر ذكاء من البشرية جمعاء. الحديث هنا من وجهة نظري 100 مرة اكثر ذكاء اقلها، لان العملية ليست خطية للتقديرات وانما اسية.
ولكم تصور ذلك، ان من سوف يمتلك ذلك الذكاء او ادواته سوف يسيطر ليس على الاسواق والانتاج والمال والسلطة، وانما حياة البشر، ونبض الدول وعلى الكوكب بشكل عام. فلا يغرنكم وقتها لاجيوش، ولا زوامل، ولاشيء لان الحروب المستقبلية سوف تكن محسومة من قبل ان تبدأ اصلا، حروب الالات الفائقة والتفوق التقني لاسيما والانفاق العسكري في الربوتات والاسلحة الذكية، في البيانات وتحليل سلوكيات البشر من بوابة الذكاء الاصطناعي ارقام فلكية اليوم.
ولتبسيط ذلك، لأني على ثقة انه نستسهل الامر، ان الذكاء بوجهة نظري لايمكن قياسه بموشر، وانما لنستخدما ماهو متعارف لفهم الامور بين السطور، وننظر كيف لانسان مثلنا في مجتمعنا ذكائه لايتجاوز 150 IQ سوف يحارب منظومة تقنية فائقة تمتلك 10 الف IQ او 100 الف IQ مثلا وكأنه مخ واحد، بمعنى سوف يكون الصراع وقتها يشبه صراع النملة وهو نحن المجتمعات الهشة مع الانسان، فاذا لم تدخل النملة إلى المنزل او قرب مائدة الطعام للمجتمعات الراسمالية فلن نسحقها، وسوف نتعامل معها انها دون معنى، وأنما سوف نتركها بما أنها بعيدة، ومهما صورنا حالنا وقتها فلن يزيد حجمنا امام الراسمالية المتفوقة دون تعليم عن النملة، ولن نكن شركاء وانما اتباع، وحتى الثروة التي تحت ارجلنا ونتصارع عليها لن نتملكها أن ظل لها قيمة، ولن تكن اصلا امام ثروة المعلومات ذات معنى حقيقي.
اذا صراعنا مع الغرب في بوابة التقنية وتملك المعرفة والقرار والسيادة يشبه صراع النملة والانسان، مما يجعلنا نخسر كل معاركنا المستقبلية اولا، وثانيا سوف ننزف العقول اليمنية ان وجدت، لانه لايمكن ان تقبل الاستمرار في مجتمع لايريد ان يكن مع الركب الحضاري.
فكمية الانفاق في الذكاء الاصطناعي والربوتات للتفوق العسكري ارقام فلكية ومرعبة لديهم. اليوم عندما انظر مثلا ان نظام ذكاء اصطناعي واحد كلف تدريبه 100 مليون دولار وبوجود 25 الف GPU فان ذلك يجعلني اتصور اين سوف ننتهي، حيث وجامعتنا اليمنية لاتمتلك حاسوب بشكل حديث، او شبكة ترابط معرفي، او انترنيت متاح ذو معنى للطلاب والباحثيين. انا لم اتحدث عن كادر تعليمي مرهق ماليا ونفسيا، ولم اتحدث عن بيئة مدمرة من الاساس.
كل ذلك يجعلنا نشعر بالقلق لاسيما اذا نظرنا لمستقبل الراسمالية العنيفة في استغلال الشعوب لمصالحها، حيث لن يبقى بيدنا شيء غير نطوبر على سلات الغذاء. فالصراع الخفي الان بين الغرب، والشرق، والروس، يتمحور حول منظومة الذكاء الاصطناعي والمجسات والحواس والرقائق الالكترونية، مادون ذلك في التقنية امور نسبية ونحن لم نجد بعد المنهج.
ولو نظرنا لحالنا ليس كمجتمع يمني وانما عربي فسوف نجد اننا في عالم -مهالنيش- فلا جامعات حديثة ولا مناهج ولا قدرات ولا رؤية ولا امكانيات ولابيئة استقطاب وانفاق للذكاء الاصطناعي باستثناء الامارات والمملكة، وفوق ذلك من يريد يتعلم من ابنائنا وبناتنا في اليمن والدول العربية نريده يدفع وبالدولار، ونريد نتاجر حتى معه في العملية التعليمية، مما يصيبنا بمقتل. وهنا طبيعي ان يرحل الجميع بعدها الى الغرب او الشرق، بعد ان يجد ان اهله كانوا يدفعون قيمة تعليمه، ولم يجد الدولة، التي تشجعه ليبني وطن ومشروع يكبر ، ونستغرب وقتها لما نرحل وننزف ونحن لم نترك فرصة حتى للاحتمالات نبني مجتمع معرفي ووطن للجميع.
فالغرب وكوريا والصين ليسوا اذكى منا، لكنهم بنوا في مجتمعاتهم في بوابة الانسان من وقت مبكر، لذا نجد التقنية هي من تسحب المجتمع لديهم وتصنع تنمية وانتاج واستقرار.
نجد العملية التعليمية تنتج فرص عمل وتوجد شركات انطلاق. شركات الانطلاق هي الخلايا المنتجة لاي مجتمع وهي من تغير البشر، واعطيكم هنا مثال: شركة تقنية مولودة من رحم العملية التعليمية الحقيقية تأسست في عام 1993 من العدم. شركة تأسست في سنوات الاغتراب لنا ونحن لازلنا نبحث عن وطن. حجمها في السوق العالمية اكبر من امة العرب وكلمنا ارتفع صراخنا من الهزائم، قالوا الخلل اننا امة بعيدة عن الاسلام. امة اقراء بنفطهم وغازهم اقل من شركة تقنية واحدة، فما هي المعركة، التي تريد تحسمها هنا، وانت مجرد نملة، وكيف يمكن لك ان تنتصر الا ببيع الوهم. شركة واحدة لديهم من رحم العملية التعليمية اهتمت في تطوير الحوسبة المرئية والرقائق الخاصة بالحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي ولن اتحدث عن الشركات المتعددة. هذه الشركة حجمها المالي اكبر من الدخل القومي للوطن العربي. نحن نتحدث هنا عن شركة واحدة قيمتها 3500 مليار دولار، اي اكبر من الدخل القومي لليمن ل 145 عام اذا استمر حالنا بالصراع والفوضى. فهل يعقل ان كل الوطن العربي من المحيط الى الخليج انتاجه القومي اقل من القيمة السوقية لشركة إنفيديا ونريد نكسب معتركاتنا القادمة، هل يعقل انه الى اليوم لم نفهم من الخاسر الان في هذه الطفرات التقنية، يعني لن يكن هناك فرص اخرى غير نظل للابد نعيش حياة النمل بين البشر.
ومختصر الامر نحن لانعيش اليوم ثورة صناعية فقط وانما نعيش ثورة ذرات السليزيوم انها سوف تتملك وعي وادراك، واقدام لتتحرك، مما يعني سوف تتغير حياة البشر للابد، لان في هذه الثورة عكس كل الثورات الصناعية السابقة لم يعد الانسان هو المحور وانما هو الاضعف.