آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


حمار الغابة وحمير المكافحة

السبت - 31 أغسطس 2024 - الساعة 05:56 م

د. عبدالعزيز صالح المحوري
بقلم: د. عبدالعزيز صالح المحوري
- ارشيف الكاتب


سياسات الزعامة وسلوكيات التسلط والحكم التي لاترتكز على استراتيجيات قيادية ولا أسس أو معايير تنظيمية ومهنية، والتي تصهر مفهوم الإدارة ووظائفها في عملية التقليد والمماثلة هي رعونة وتهريج مؤقت لايدوم طويلاً.
مهما نمت وكبرت وتسلطت وحكمت فلن تكون دولة وإن توشحت جلباب الدولة. هي زائلة وأمد بقائها تطيله عدة عوامل أهمها أهليتها في مجاراة وتقليد مثالها الأعلى وإلمامها بمعايير عمله والثوابت التي تقوم عليها سياسته، بالإضافة إلى كفاءة ونفاذ الاستشارات والتوجيهات المتعلقة وأخيراً ضعف بنية وتكوينة المجتمع الذي تنتهج سياستها فيه.

وعلى كلٍ، تبقى هذه الزعامات هشة ورخوة مهما بدت حنكتها في القيادة وتجلت ضلاعتها في الحكم؛ فسلوك قيادي وحيد متهور أو طائش وخارج عن نسق تقليد المثال كافٍ لدك مستعمرة الائتمام ونسف امبريالية الاحتذاء والمماثلة عن بكرة أبيها، وكفيل بجعل الطالب فيها مطلوباً والمُطارِد مُطارٓداً.

كلنا يعلم حكاية الحمار الذي التحف جلد الأسد وصال وجال في الغابة، فأرعب الحيوانات وأرهب الطيور. لقد برع هذا الحمار في تقليد الأسد وأتقن مماثلته إلى الحد الذي جعل الصياد "قاتل الأسد" يخاف من حماره.
الغبطة والعُجب اللذان شعر بهما الحمار وهو يرى كل الغابة مرتاعة ومذعورة ألهبا فيه نشوة الفوز وحماسه النصر فنهق... خطأ وحيد وفي لحظة طيش كشف سوأته وأسقط قناعه وخلع سلطته.

الخيلاء والزهو لايقتصرا على حمار الصياد فحسب بل هما مزية كل الحمير التي تتبوأ مقامات ومناصب أكبر منها ومن فطنتها وفكرها وسمة وعلامة كل البغال التي تغدو عند انفلات المراحل وحوشاً، وهما بداية النهاية والحد الذي يتم بعده الخروج عن نمط محاكاة المثال ونسق تقليده.

المداهمات والاختطافات والإغارات والتصفية المتبوعة أحياناً بتصوير سينمائي أشبه مايكون بالدراما الهندية والتي ينفذها مقنعو مكافحة الإرهاب - عدن في محاولة مبتذلة لتقليد الجهاز الأميركي لاتتعدى مماثلة الحمار للأسد، بل هي أقرب للتمثيل منها للماثلة.
هي سلوكيات فقيرة المضمون خاوية الجوهر تفتقر لركائز البقاء والثبات الربانية ودعائم الظفر والغلبة الإلاهية التي احتكرتها أميركا وغيرها من الأمم الملحدة الكافرة.

تفردت تلك الدول بالعدالة؛ فخلقت الائتمان والثقة بين المجتمع والدولة. في تلك الشعوب المناصب تكليف وكلما ارتقى الفرد صار خادماً للشعب لا سيداً عليه.

هناك لايُميز غالب على منصور ولا يُفضل ثابت على مبخوت؛ فالكل أبناء الدولة وولاءاتهم فقط لدولتهم التي تضع معايير اختيار تجرم الولاءات الفردية وتحرم كل وصاية وتحيُز.
لامترديات ولانطائح، لا قطط ولابطط؛ فهناك -فقط- أهل المروءة والشرف الذين ظل ابن خلدون يوصينا بهم حتى قضى.

عقيدتهم (نموت ليحيا الوطن) وليست (يموت الوطن لنحيا)؛ لذلك لم نسمع عن أميركي قائد جهاز استخباراتي أو عسكري مُطارَد؛ فالمذنب يقدم نفسه للعدالة، فيموت واقفاً مستنداً على كرامته وشرفه.

أما عندنا فلا فرق بين حمير المكافحة وحمار الغابة، انتهجوا سياسته فنالوا نهايته. شخيطهم ونخيطهم كُفي وفحيطهم وقحيطهم نُفي، قائدهم بات هارباً لاشرف يمنعه ولا مروءة تردعه ورئيسهم اليوم خائراً عاجزاً، مُقلم المخالب ومنزوع الأنياب... غلطة وحيدة "اختطاف عشال" كانت القشة التي قصمت ظهورهم والطامة التي كشفت سوأتهم وأسقطت دولتهم.

نداء لأبي زرعة المحرمي، اعتبر من هفوات السابقين والزم العدل فإنه ثبات وبقاء ولايضيرك من ستخسر فإنك لن تخسر سوى المرجفين. تفحص الأمور وتمحص الأحوال في كل الأجهزة وابدأ بذويك، ولا أخفيك أن لأحداث الأخيرة أبدت لنا أن العمالقة بدأت تتقزم.