آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


الـ17 من يوليو عظمة التاريخ والذكرى الخالدة

الأربعاء - 17 يوليه 2024 - الساعة 11:22 ص

مصطفى المخلافي
بقلم: مصطفى المخلافي
- ارشيف الكاتب



كتب/ مصطفى المخلافي

تحل علينا اليوم الأربعاء ذكرى السابع عشر من يوليو، ذكرى انتخاب المقدم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية من قبل مجلس الشعب التأسيسي في السابع عشر من يوليو عام 1978، ليُشكل هذا اليوم تاريخاً مضيئاً في حياة اليمنيين ويُساهم في نقل البلاد للتطور والتقدم.

لم يكن السابع عشر من يوليو يوماً عادياً، بل كان حدثاً تاريخياً ووطنياً مهماً، أرسى قواعد الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وكذا التعايش بين جميع فئات المجتمع، واضعاً في نفس الوقت خطوطا حمراء لسيادة الوطن وأمنه واستقراره.

بلا شك لقد اتسم الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح بسعة صدره، وبمرونة أسلوبه وسلوكه مع معارضيه، والصبر عليهم وتمكنه من ترويض بعض القوى السياسية والحد من ارتباطاتهم الخارجية، في محاولة منه لتغليب المصلحة الوطنية فوق كل شيء وعدم الانزلاق في مستنقع المناكفات والخلافات السياسية التي ستنعكس سلباً على الحياة السياسية وستؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.

ولعلي هنا أستطرد قليلاً فأتحدث عن جانب مهم، فبعض الكتاب والمثقفين الذين اقتربوا من السلطة أو كانوا قريبين من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، يعتقدون أن مقارنة من جاءوا بعد فوضى ٢٠١١م بالزعيم صالح هو أمر يجب أن يبعث على الفخر والاعتزاز، وهي مقارنة فيها تجني وظلم على الرئيس صالح، الذي لم يأتي على ظهر دبابة ولم يتسلق على ظهر أحد ليصل لكرسي الحكم، بل تم انتخابه من قبل اليمنيين وتحركت مظاهرات حاشدة من مدينة تعز صوب العاصمة صنعاء دعماً للمقدم علي عبدالله صالح وانتخابه رئيساً للجمهورية العربية اليمنية، بالإضافة بأن حقبة صالح والظروف التي كان عليها اليمن غير ظروف اليوم، والامكانيات ليست امكانيات اليوم وكذا الطموحات ليست طموحات اليوم، وبالتالي فإن أي مقارنة في هذا السياق تُعد مغالطة تاريخية وتزوير للحقائق التي تتعارض مع المعطيات والوقائع.

فالحديث عن السابع عشر من يوليو وعن الرئيس صالح يقودنا دوماً للحديث عن تحقيق الإنجازات الكبيرة مقارنةً بالوضع الاقتصادي الذي كان عليه اليمن، وبالرغم من ذلك، فقد تحقق لليمن الكثير من الانجازات، منها انجازات سياسية التي تحقق فيها الأمن والاستقرار، واستقلال القرار السياسي الوطني، وإعادة الشخصيات اليمنية من المنفى، وإحداث قدر كبير من التوافق السياسي، والعمل بالدستور عام ١٩٨٨م، وتلى بعد ذلك العمل على تحقيق الوحدة اليمنية المُباركة عام ١٩٩٠م واستخراج النفط وإحداث نهضة تنموية في البنية التحتية، من بناء جامعات ومعاهد ومدارس ومستشفيات ومباني حكومية، وطرقات وغيرها من المشاريع والخدمات التنموية التي مازالت لليوم شاهدة على أعظم حقبه سياسية عاشها اليمنيون.

كان الزعيم علي عبدالله صالح صادقاً ومخلصاً لشعبه ووطنه، وقد أثبت ذلك في انتفاضة الثاني من ديسمبر، ضحى بنفسه لأجل الوطن ومكتسباته، كان يتدفق في كلامهِ نهر بريء، وكنتُ مع كل خطاب له مُشتعل تنتاب داخلي حرائق الشوق لسماعه، ولا أنكر أنني متأثراً بشخصيتهِ تأثراً جارفاً، ودائماً ما يجرفني سيل خطاباته إليه كالمجذوب الذي فقد عقله ولا يدري أين تقودهُ أقداره.

كُنتُ قد قرأت عن الرئيس صالح رحمة الله تغشاه قبل عدة سنوات، حينها أدركتُ أنني أقف أمام قامةِ سامقةِ ضاربةِ في أقصى سماء السياسة، لمستُ في حياتهِ السياسية نموذجاً حداثيا نقياً من الزوائد والشوائب، قلما وجدتهُ عند غيرهِ من السياسيين المعاصرين، فهو يتغلغل بحسهِ الصافي وذكائهِ الفطري إلى جوهرِ السياسة وسِرها الدفين مُتشرباً بها حتى النخاع، ومُشبعاً ظمأ قلبهِ وروحهِ وضميره.

ولا أُريد أن أُشير إلى ساسة آخرين لكي أجد الفارق بينهم وبين الرئيس صالح، وهم في نظري أدوات أكثر مما هم عملاء، بل أكتفي بالقول أن صالح بذل قصار جهدهِ خلال ٣٣ عام، لكي يصل إلى حالة الرضى النفسي، فتجاربه السياسية وانجازاته الكبيرة خلال مسيرة حكمهِ كفيله بأن تجعله رمزاً وطنياً وتاريخاً خالداً في عمق التاريخ اليمني وذاكرة الشعوب.

لقد جاءت هذه المناسبة العظيمة والذكرى الخالدة، لتذكرنا بما قدمه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لليمن، في سبيل تأسيس دولة يمنية قوية يحترمها العالم والاقليم، حيثُ كان يوم السابع عشر من يوليو يوماً فاصلاً في تاريخ الأمة اليمنية الذي غير مسار حياة اليمنيين نحو مستقبل زاهر مخلداً في صفحات التاريخ صور مشرفة لعهد لن تنساه الأجيال اليمنية لا الحالية ولا القادمة.

ولا أريد هُنا أن أستعرض تاريخ الزعيم الخالد علي عبدالله صالح، وأُفضل بدلاً من ذلك التوقف عند بعض القضايا التي أتصور أن كثيرين لم تتح لهم فرصة الاطلاع عليها، وكثيرون يرون أن أخطر أخطاء الزعيم صالح كان تسامحهُ مع خصوم الوطن، ربما كان صالح يعتقد بأن أمامه فسحة من الوقت تمكنه من استكمال مشروعهِ الوطني في بناء المزيد من المشاريع والخدمات التنموية، وقيادة اليمن لمصاف الدول المتقدمة الذي نذر نفسه لتحقيقها، ولم يكن يتصور أنه سيلقى الله وهو لم يحقق جزء كبير من طموحه التنموي، ولم يتخيل للحظة بأنهم سيقتلعون غُصن الزيتون ويقتلون حمامة السلام التى حملتهما يداه في ذروة تعبه ومرضه.

وما يهمني هنا في هذه الذكرى على وجه التحديد أن أقول لبعض الذين تعودوا الحديث باستخفاف عن " منجزات الرئيس صالح " رغم الأحداث ورحيل الرجل، إلا أن التنمية التي قام بها صالح على ضوء أهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر والـ٢٢ من مايو المجيد، هي التي حمت البلاد من الهزات السياسية الخطيرة التي كان يمكن أن تحدث خلال فترة حكمه، وبعد التحاق الشهيد صالح بالرفيق الأعلى، حدثت العديد من الهزات والعواصف كأنه كان يضع قلبهُ مركأ للبلاد وما إن توقف قلبه هرولت للهاوية.

قُلتُ ذات يوم أنني ومن وجهة نظر النقد الموضوعي كاتب غير سياسي ينحو منحى جمالياً أو عاطفياً أو رمزياً في أغلب الأحيان، ويبتعد قدر المستطاع عن المسائل الشائكة، لكنني وجدتُ نفسي اليوم متعصباً لمسألة محاولة إنكار تاريخ صالح، وبلا شك هي محاولة بائسة ولن يستطيع أحد إنكار تاريخه المرتبط بتاريخ اليمن السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ولذا أجدني دائماً أهتم بجمالية الفكرة، فكرة الدفاع عن الحق، أن تُحارب الشر الذي يُدلس الحق ويُشيطن رموزه، أحياناً تطغى روح المأساة والخسارة في خطاباتهم، ولذا نتحدث اليوم عن انتهاء زمن الشعارات والخطابية وصراخ الأيديولوجيا الأجوف، واللغة المباشرة وفكرة أن يتحول القطيع لإطارات تحرق الشوارع وتحاصر المُدن، كل ذلك انتهى برحيل صالح اليمن، وما كان يصحُ بالأمس لا يصحُ اليوم، وعلى الخطاب السياسي لقوى الفوضى أن يتخلص من الصراخ الأيديولوجي الذي يُعيق مَشيها، ويعود أسباب فشل هذه القوى المتربصة بالوطن شراً، ابتعادهم عن القضية الرئيسية لليمن الموحد وهي أسباب كثيرة ومتشعبة، أهمها التركيبة الروحية الهشة لهذه القوى، وعدم تصالحها مع الأشياء التي حولها وانكسارها الأبدي على ذاتها المتنافرة المسكونة بشجاراتها الداخلية وعقدها التي لا حصر لها.

وأنا شخصياً أفخر بأنني استقطبت كراهية كل من لا يتحملون سماع إسم الرئيس علي عبدالله صالح، وبغض النظر عن أسباب ذلك وعن درجة موضوعيتها أو ذاتيتها، إلا أنني أعتز بأن كثيرين ممن خرجوا ضد الرئيس صالح، وبعد سبعة أعوام من رحيل الرجل يلقونني في مناسبات أو في حوار جانبي فيندفعون للترحيب بي وهم يتحكمون بصعوبة في دموع تفضح تأثرهم برحيل صالح وحسرتهم على ضياع الوطن من بعده، وكان من بين هؤلاء شخصية شبابية كانت لها تأثير كبير في التحريض والفتنة في ساحة تعز، وقف أمامي مهزوزاً وقال لي بتأثر : خسرنا ذلك الرجل.

وأختم بالقول: بأننا سنظل نقول على الدوام بافتخار بأننا عشنا في زمن الرئيس والزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، كما يتحدث الإسبان عن " لوركا والتشيليون وعن بابلو نيرودا، والفرنسيون عن بودلير وملارمه، سنتحدث عن صالح الذي كان زعيماً يمنياً وقائداً إنساناً، يمتلك حِساً وطنياً يبلغ أقصى درجات النُبل والكمال، صالح الذي يُشرف وطناً ويُشرف أُمةً بأكملها.

صالح اليمن كان العُش الذي آوى عصافير أرواحنا وما زال، والغيمة الناصعة التي ظللتنا بحب المخلص، فيما قلبهُ يفيضُ نوراً إلهياً يُضيئ دربنا، المجد والخلود والرحمة والمغفرة لروحهِ النقية الطاهرة.