آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


رحلة إلى ذكريات الطفولة

الثلاثاء - 09 يوليه 2024 - الساعة 10:34 ص

د. أمين عبدالخالق العليمي
بقلم: د. أمين عبدالخالق العليمي
- ارشيف الكاتب


أشرقت شمس ذلك اليوم الصافي على مدينتي، وكأنها تهمس في أذني:
اليوم هو يوم خاص شعرت بشيء مختلف في الهواء، شيء يدغدغ روحي ويدعوني لاكتشافه، خرجت من بيتي، مستعدًا لمهمة لم أعرف أنها ستقودني إلى أعماق ذكرياتي،
كانت السماء زرقاء صافية مزينة بغيوم بيضاء كأنها لوحات فنية، والهواء معبأ برائحة المطر التي امتزجت مع عبير الطبيعة الخضراء، مشيت بسيارتي في طريقي المعتاد، ولكن هذه المرة كان كل شيء يبدو وكأنه يروي قصة جديدة، الأشجار تتمايل برفق، والأزهار تبتسم في وجهي، كأنها ترحب بي في عالم من السحر والجمال،
بينما كنت أسير، وصلت إلى سوق القرية الشعبي سوق الاحد، هذا المكان الذي أمشي منه كل يوم منذ سنوات طويلة، ولكني لم اكن اشعر به، لكن فجأة اليوم شدّني وأعادني إلى أيام الطفولة، تذكرت كيف كنت أرافق جدي إلى هذا السوق، ونحن نتجول بين الباعة، نشتري الفواكه الطازجة والخضروات، ونستمتع بأحاديث الناس وضحكاتهم، كان الناس متوادون متحابون، وعلي الفطرة، لم يكن قد غزاهم كير المدنية الخبيث،
توقفت أمام بائع الحلوى الذي كان يبيع الحلوى التقليدية، يسمي الحلّي تذكرت كيف كان جدي يشتري لي قطعة من الحلّي، ويضعها في يدي الصغيرة بحنان، رحمك الله ياجدي، وتذكرت صوت بائع البلح الذي كان ينادي بأعلى صوته، وعربته المزينة بالورود الطبيعية، كنت أستمتع بمشاهدة عملية حد شفرات السكاكين بالمكينة اليدوية بواسطة اليد والرِجل كأنها عجلة سيكل بيدل، وكيف كان صاحبها يملأ السوق بسمات ونظرات المزاح البيضاء، علي الفطرة كأنها حليب طازج، والناس يتعجبون علي تلك الآلة التقليدية وكأنهم ينظروا الي مصنع من طراز فريد،
قررت أن أركن سيارتي على جانب الطريق، وأمرت مرافقي بأن يستمروا إلى وجهتهم، حيث كنت ذاهب انا واياهم، ويأخذوا السيارة، وانا سوف اواصل بدون سيارة،
ترددوا في البداية، ولكن بعد إصراري، غادروا وتركوني لأغرق في ذكرياتي، بدأت أمشي ببطء، أستعيد كل لحظة من لحظات طفولتي،
تذكرت كيف كنت ألعب مع الأطفال في الحقول الخضراء، وكيف كنا نجري بين الأشجار ونختبئ خلفها، وكيف كنا لانمل، ولانشبع من لعب الكره علي كل الاحوال وسط الشمس، بين الامطار ، وداخل العواصف الترابية والغبار، تذكرت صوت امي وهي تناديني للعودة إلى المنزل مع غروب الشمس، وكيف كنت أركض نحوها بفرح وسعادة، تذكرت ليالي الصيف عندما كنا نجلس جميعًا في ساحة البيت، نستمع إلى قصص امي او جدتي، أو نسيم بنت الجيران الشابة المسرح الفكاهي للقرية وحكاياتها عن مغامراتها في سوق القرية وهي تقول للبائع ياجد هذا قمر والا شمس وهو يلتفت، وتأخذ عليه الدلو، وتفر هاربه ليس حقيقه ولكن لتتحفنا بنكتها البريئة، وعن الأيام الخوالي، كانت تلك القصص تأخذني ومن معي جميعاً إلى عوالم بعيدة، مليئة بالمغامرات والأبطال،
كنا نجتمع أولاد وبنات، في ساحة القرية، وتفكيرنا كله براءة، وود وحب وتفكيرنا برئ ولامجال للأفكار الشيطانية،
تذكرت أيضًا كيف كنا نذهب إلى الكريف في أيام الصيف الحارة، ونستمتع بالسباحة في مياهه الباردة، وكيف كنا نجلس على ضفافه، نتطلع الي حلم المستقبل كيف عندما نكبر سوف نستطيع القفز من سفح الجبل الي الوادي لأننا سنكون كبار، وقادرين، تفكير بسيط ومحدود ساذج برئ، لأننا نري الكبار في نظرنا مسئولين عن كل شئ وقادرين لكل شئ كانت تلك اللحظات مليئة بالبهجة والحرية، وكانت تجعلني أشعر بأنني جزء من الطبيعة بكل تفاصيلها،
وتذكرت ذكريات كثيره وأنا أسير بين أزقة السوق، شعرت بأنني أعيش تلك اللحظات مرة أخرى، كنت أسمع أصوات الباعة، وأشم روائح الطعام الطازج، وأرى وجوه الناس المبتسمة، كانت تلك اللحظات تملأ قلبي بالسعادة وتعيد لي إحساس الطفولة البريء،
قررت أن أشتري بعض الأشياء التي كانت تذكرني بتلك الأيام الجميلة، اشتريت بعض الفواكه الطازجة، وقطعة من الحلوى التقليدية، وبعض زهور الكاذي الجميلة عدت إلى مدينتي متنقلاً بركوب السيارات ، وأنا أشعر بأنني قد عشت رحلة عبر الزمن، وأعدت اكتشاف جمال الحياة وبساطتها،
تلك الرحلة الصغيرة إلى ذكريات الطفولة، أعادت لي الكثير من الفرح والحنين، وأدركت أن الذكريات هي كنز لا يقدر بثمن، وأنه في بعض الأحيان، نحتاج فقط إلى التوقف قليلاً والتأمل في الماضي، لنستعيد جزءًا من سعادتنا وبراءتنا، وحياتنا،
وفي نهاية اليوم، عدت إلى بيتي وأنا أحمل معي ليس فقط الأشياء التي اشتريتها، بل أيضًا مشاعر دافئة وذكريات لا تُنسى، كانت تلك الرحلة بمثابة هدية ثمينة، أعادت لي جزءًا من نفسي كنت قد نسيته في زحمة الحياة اليومية .