آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


العقل العربي .. وإنغلاق الأفق السياسي ..!!

الثلاثاء - 28 مايو 2024 - الساعة 09:33 م

إبراهيم ناصر الجرفي
بقلم: إبراهيم ناصر الجرفي
- ارشيف الكاتب


مشكلة مستعصية عن الحل حتى اللحظة ، وهي مشكلة انغلاق الأفق السياسي للعقل العربي ، فهذا العقل بمجرد تعرضه لانتكاسة سياسية أو بمجرد اتخاذه موقف سياسي يتحجر ويتصلب في مكانه ، ويظل يدور ويدور حول تلك الانتكاسة أو حول ذلك الموقف ، ويربط كل مواقفه وتحركاته بهما ، ويرفض الخروج من تلك القوقعة الصغيرة ، وكأن الأحداث قد توقفت عند ذلك المنعطف ، ولا يتوقف عن تذكر تلك الانتكاسة أو ذلك الموقف عند كل شاردة وواردة ، بل إنه يبني عليها علاقاته وعداواته وصداقاته وكل تفاعلاته في الحياة ، عقل متجمد ومتحجر ومنغلق وبائس ويائس ، والأكثر غرابة في موضوع هذا العقل هو عدم قدرته على مجاراة المتغيرات والمستجدات وبناء مواقفه وتحركاته وتفاعلاته بموجبها ، وهنا تكمن ديناميكية ومرونة وسياسية وانفتاح ودهاء العقل ، بعكس التوقف عند موقف أو انتكاسة أو حدث معين ، فهذا هو الجمود والركود والانغلاق والغباء السياسي بعينه ، فالأحداث متغيرة ومتبدلة في هذه الحياة ، وهو ما يتطلب من العقل التعامل معها بشكل متجدد حسب المعطيات والمستجدات والمتغيرات ، فليس هناك عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في عالم السياسة ..!!

فعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم نتيجة حدوث المتغيرات وتقلبات الأحوال وتبدل الموقف ، التي قد تفرض عليكما الوقوف في صف واحد كخيار وحيد وحتمي وإلزامي ، لمواجهة التحديات الكبيرة والمصيرية التي تعترض طريقكما وتنهي كل أمالكم في الحياة ، أو الاستمرار في العداوة وتجميد العقول عندها واستذكارها والرزوح تحت ضغطها ، والاستعداد لتحمل كل النتائج السلبية والكارثية لتلك المواقف المتصلبة الناتجة عن رؤية قاصرة ومنغلقة ومتجمدة في الأفق السياسي ، وهذا هو وضع العقل السياسي العربي فهو لا يمتلك القدرة على التعاطي الايجابي مع المتغيرات والمستجدات ، ولا يمتلك المرونة على تجاوز خلافات وعداوات الماضي ، فتراه مستمرا في عداوته ومواقفه المتصلبة ، غير مدرك خطورة ذلك على حاضره ومستقبله ، حتى لو أصبح هو وعدوه السابق ضحايا المتغيرات والمستجدات السياسية ، وحتى لو زالت كل أسباب العداوات السابقة ، وأصبح الحديث حولها مجرد ذكريات وتاريخ ، هذا العقل المتجمد والمنغلق الذي لا ينظر إلا إلى بين قدميه ، كونه لا يمتلك القدرة على استشراق المستقبل والتعاطي معه بشكل ايجابي بما يعود عليه بالنفع أولاً ، وعلى مجتمعه ووطنه ثانيا وأمته العربية ثالثاً ..!!

هذا العقل الذي يسمح للايديولوجيات والأفكار والنظريات أن تستعمر عقله وتسيطر عليه دون مراجعتها وفحصها ودراستها ، بسبب انغلاق وانسداد الأفق السياسي لهذا العقل ، الذي يعطي تلك الايديولوجيا والأفكار هالات من القداسة ليحولها إلى دين حتى لو كانت تتعارض مع الشرع والعقل والعلم والمنطق ، فتراه وهو بكل غباء وحماقة وتعصب يخدم مشاريع توسعية واستعمارية تستهدف وطنه وهويته وقوميته ودينه ، لأنه من السهل الضحك على العقل المنغلق واستغفاله واستغلاله وتسييره حتى في غير مصلحته ، فهذا العقل نتيجة انغلاق أفقه السياسي لا يدرك ولا يعرف أين هي مصلحته الحقيقية ، فقد تخدعه بشعارات زائفة ومواقف دعائية كاذبة ، وقد تغريه ببريق السلطة والمناصب الشكلية ، وتجعله يعمل في غير مصلحة نفسه ومجتمعه ووطنه وأمته ، وما تعانيه الشعوب العربية والقومية العربية من انتكاسات وهزائم واختراقات وتراجع وتخلف وتبعية وانقسامات وصراعات داخلية هي النتيجة الطبيعية لإنغلاق الأفق السياسي للعقل العربي ، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن القادم سيكون أكثر سلبية ، وهل هناك ما هو أكثر سلبية من أن الإنسان لا يفرق بين عدوه وصديقه ، ولا يميز بين من يريد له الخير ومن يريد له الشر ، ولا يميز بين من يريد لوطنه البناء والنهضة والتقدم وبين من يريد له الخراب والدمار والفوضى والتخلف ، ولا يميز بين من يريد له العزة والكرامة والحرية والاستقلال ومن يريد له الذل والهوان والعبودية والتبعية ، وهنا وهنا فقط تكمن كارثية وسلبية العقول السياسية المنغلقة والمتعصبة والغبية ..!!