آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


الصبيحة ميثاق شرف وعهد جديد .

الثلاثاء - 28 مايو 2024 - الساعة 05:32 م

حربي الصبيحي
بقلم: حربي الصبيحي
- ارشيف الكاتب



رجل أمن صبيحي متقاعد ، كان قائد حراسة سجن المنصورة المركزي ، مشهور بالطرافة ونقد الظواهر السلبية بأسلوب سلس ، عن طريق الدُعابة والنُّكتة قال : اصطحبني ذات مرَّة ضابط أمن صبيحي لحضور عرس في إحدى مناطق الصبيحة ، أستقبلونا بحفاوة وأحسنوا ضيافتنا وهذه عادة متجذِّرة عند قبائل الصبيحة ، وعند المقيل بدأت الأصوات ترتفع والنقاش يحتدم ، حول حرمان مناطق الصبيحة من البُّنية التحتية والمشاريع الخدمية ، وكنت أنصت بعنايةٍ إلى ما يقولون وأتفرَّس في وجوه المتكلمين ، فألمح فيها الرجولة والصِّدق والشَّهامة والتواضع ، رفعت يدي وطلبت منهم السماح لي بالمشاركة في النِّقاش ، وقلت لهم : كل ما قلتوه أنتم مصيبون ومحقون فيه ، لكنكم جهلتم ما أنتم في أشد احتياجاً له ، قالوا : ما هو ؟! قلت لهم : أن تطالبوا بتوفير ثلاجة لحفظ الجثث ، قالوا : وما نشتي بها ؟ قلت لهم : لإن قتيلكم ما يوصل إلى ثلاجة مستشفى الجمهورية إلاَّ وقد تيبَّست جثته ، لكنها عندما تكون قريبة منكم سيكون قتيلكم من المصنع إلى المُستهلك مباشرة ، تسمَّرت نظراتهم نحوي باستغراب مدركين إلى ما رميت إليه ، لكني أردفت وقلت لهم : ياأهلي وناسي إذا تريدوا مشاريع وخدمات في مناطقكم تخلَّصوا أولاً من ظاهرة الثأر الذَّميمة ، هذه الظاهرة التي قد طواها الزَّمن واختفت من كل بقاع العالم إلاَّ عندكم ، فلا مشاريع في ظل عدم توفُّر بيئة آمنة .

قبائل الصبيحة الرابضة من باب المندب إلى كرش ما بين ساحلٍ وسهلٍ وجبلٍ ، هي قبائل المدد وذخيرة الوطن ، فعند الشدائد والمحن تجد أبنائها وشبابها أسرع من القطا في الوصول إلى حيث تستدعي الحاجة إليهم ، فتراهم ينقضُّون على مواقع الوغى انقضاض الكواسر على الفرائس ، وينكبُّون على ساحات الحرب إنكباب الظامي الصادي على مورد الماء ، فيُقدِّمون الأرواح رخيصةً دون انتظار العائد من ورائها ، لا مناصب ولا مراتب سوى الظَّفر وسحق المعتدي هو القصد والطلب ، وقد رأى الجميع كم قدَّمت هذه القبائل من الشُّهداء والجرحى ، في سبيل دحر مليشيات الحوثي من مدن ومناطق الجنوب ، وما زالت قبائل الصبيحة إلى اليوم وهي تستقبل شهدائها ، من مشارف حريب والضالع وكرش ومن أعالي جبال حيفان المطلَّة على مدينة تعز ، وستظل باقية على العهد في تقديم الذخيرة والمدد .

تداعت قبائل الصبيحة إلى توقيع ميثاق شرف ، يحفظ دماء أبنائها ويجنبهم مخاطر الإنزلاق في ظاهرة الثأر البينيَّة القبيحة ، وهو لعمري ميثاق يرتقي إلى حجم وقيمة قبائل الصبيحة ويرفع من شأنها ، وينبغي أن لا يكون هذا المرسوم مجرد ضابط رادع بعد وقوع الحدث ، بل يجب أن يكون حائل مانع قبل حصوله ، وذلك من خلال تصفير القضايا العالقة بين القبائل ، معالجة أسبابها ومحو ضغينتها وآثارها ، وقبائل الصبيحة لا تعدم الكوادر ، فهي مرصَّعة بالمثقفين والكفاءات الجامعية والمعلمين والقيادات العسكرية والأمنية وذوي الحصافة في الرأي والمشورة ، يجب الاعتماد عليهم في حل المشاكل والخلافات النَّاجمة بين المواطنين وزجر مفتعليها وباعثيها ، وهم - بالتأكيد - عيِّنة قليلة مثل ماهو موجود عند القبائل الأُخرى ، هذه العيِّنة يجب أن توضع الحلول المناسبة لها ؛ فمن كان دافعة الفقر وجب مساعدته ، ومن كان دافعة المرض النَّفسي وجب علاجه أو إحالته إلى المصحَّة، ومن كان واقع عليه ضيم وجب رفع الظلم عنه ، ومن كان دافعه القلاقل وإثارة الفتن فالحزم أولى به ، فلا يحق لنفرٍ من القبيلة أن يجرُّها إلى ما لا يُحمَد عقباه .

وفي الحقيقة أن التوقبع على ميثاق الشَّرف وحده لا يكفي ، إذا لم تتوحَّد الجهود وتوجَّه الطاقات من قبل كافة القيادات والمسئولين ، في متابعة الجهات ذات الاختصاص وتوجيه المنظمات الإنسانية نحو مناطق الصبيحة ، لإيجاد البُّنية التحتية والمشاريع الخدمية ، التي ربما تحسن من الظروف المعيشية القاسية الضاغطة على كاهل المواطنين هناك ، والتي تجبر بعضهم على القيام بالتصرفات الخاطئة المُخلَّة بسمعة قبائل الصبيحة ، نُؤيد ونُبارك التوقيع على ميثاق الشَّرف ، خطوات جبارة لرجالٍ جبارين في الطَّريق الصحيح ، إذا ما اقترنت الأقوال بالأفعال ، امضوا إلى ما عقدتم العزم عليه والله المُعين .