آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


لم يعُد لدينا ما نكتبه عنك !!

الأربعاء - 31 يناير 2024 - الساعة 02:17 م

حربي الصبيحي
بقلم: حربي الصبيحي
- ارشيف الكاتب



غزَّة ، لم يعُد لدينا ما نكتبه عنك فلتعذرينا ، ضاقت المساحات ، وجفِّت المحابر ، وبُحَّت الحناجر ، وتكسَّرت الأقلام بين الأنامل ، واختبأت الكلمات داخل أقفاص الصدور ، فما كُتب عنك منذ بدء الحرب الغاشمة الظالمة التي شنَّها عليك نظام الاحتلال الصهيوني المجرم ، كان كفيل بأن يوقظ ضمائر شعوب المعمورة كافة ، وأن يُحرِّك مواقف الحكام اللئام في شتئ أصقاع الأرض ، لتوقيف عبث الصهاينة بدماء وأرواح أطفالك ونسائك وشيوخك الأبرياء ، الذين تحصدهم آلة الموت الصهيونية بالمئات في كل يوم .

غزَّة ،نحن نقف في اليوم السابع عشر بعد المئة ، وأيدي الصهاينة المدعومة بالسلاح والمال والفيتو الأمريكي مستمرة وموغلة في ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة الجماعية ، وممعنة في استخدام كل أشكال الموت المختلفة بحق سكانك المدنيين الآمنين ؛ تجويعاً وحصاراً وتهجيراً ومنعاً لكل أسباب الحياة على من بقي منهم يصارع سكرات الموت من أجل البقاء ، فما من منفعة في الكتابة عنك بعد اليوم إلاّ بالسيف ، (فالسيف أصدق أنباءً من الكتب ) ،فهل تُقدم الشعوب العربية والإسلامية على تبني موقفاً قوياً رادعاً وفعلاً حازماً مانعاً يوقف الصَّلف الصهيوني عند حدَّه ؟!! ، أما مادون ذلك فكل مرادفات الشِّجب هراء وعبارات الاستنكار غير مجدية ، لأن حجم الجرائم الفضيعة المرتكبة فيك ، قد تجاوزت كل المحاذير وفاقت حدود الكارثة .

غزَّة ، ما حصل ويحصل فيك مؤلم وموجع يفوق مفردات اللغة ويتعدى كل أساليب وأبجديات الكتابة ، فمهما كانت رصانتها وقوة جزالتها تظل عديمة الجدوى فاقدة المنفعة ، حيث لا تستطيع أن تُدِر لبناً لرضيعٍ بات صراخه عالقاً في السماء من شدَّة الجوع ، ولا إشباع بطن أمٍّ فتك بها الطوى ، ولاتُدفئ عجوزاً مزَّق عظامها برد الشتاء القارس ، ولا تأوي المشردين وتحميهم من العواصف والأمطار الغزيرة التي ينام الجميع على وحلها ومستنقعاتها ، فلتستعجم الأقلام ولتجف القواميس من كل المعاني ، فالكتابة لا تدفع عنك الضُّر ولا تمنع عليك الشَّر المستطير .

غزَّة ، لم يعُد لدينا ما نكتبه عنك ، فقد سطرتي بصمودك المنقطع النَّظير في وجه جبروت الصهاينة وداعميهم أروع المواقف البطولية ، ومرَّغتي أنوف جبابرة العصر في الوحل ، من كانوا يعتقدون ويظنون أن حربهم معك ستكون خاطفة يتحقق فيها نصرهم المؤزر بين عشيَّة وضحاها ، وأثبتي لهم بالدليل القاطع أن النَّصر في المعارك لا تصنعه طائرات الميج ولا عربات الميركافا ولا كثرة العِدَّة والعتاد ، وإنَّما يأتي به الثَّبات والصَّمود والصَّبر والإيمان المُطلق بعدالة القضيَّة التي من أجلها تُسفك الدِّماء وتُزهق الأرواح ،بخٍ بخٍ غزَّة وقفتي شامخةً وحيدةً في مواجهة وجع المجازر والتدمير والتهجير ، ولقنتي طغاة العالم درساً بليغاً من دروس المقاومة عنوانه :( إمَّا الصَّبر وإمَّا القبر) .