آخر تحديث :الأحد-15 سبتمبر 2024-01:32ص


وهم القضية الجنوبية

الإثنين - 04 فبراير 2013 - الساعة 11:30 م

محمد العمراني
بقلم: محمد العمراني
- ارشيف الكاتب


تفقد هذه القضية الشريفة كل عدالتها وتنتهك مصداقيتها في العمق حين تتحول الى حديث عن احتلال شمالي لأرض الجنوب.

 

تتحول القضية من قضية أخلاقية طافحة بعدالتها إلى قضية مصابة في الجوهر والقلب لان المظلوم هنا تحول الى ظالم وجئنا على القضية من الجذور.

 

قال الكاتب محمد المقالح في تغريدته على الفيس بوك «لا أشعر اننا دولة عظمى الا حين افتح قناة عدن لايف وهي تتحدث عن احتلال الشمال البغيض».

 

 

 

هذه ليست فقط نكتة تبعث على الضحك لكنها تقول شيئا مهما في كبد القضية، ببساطة لأن هذا التوصيف غير صحيح بالمرة ولا أعتقد ان هناك داع لتوضيح.

 

 

 

حين أزور صديقي العزاني أو الكاف أو الشعيبي لا أعتقد أنه سيقول في نفسه إن أحد الغزاة الشماليين في منزله لتناول الغداء معه ولا أنا سأكون محتزماً بدلة المستعمر الأجنبي بمسدسها الأسود وبندقية عليها قناصة محارب.

 

 

 

هذه أكذوبة كبيرة ليس على شباب الجنوب أن يخدعوا أنفسهم بها فليس ثمة إساءة لعدالة قضيتهم أبلغ من هذه الكذبة التي لا تليق.

 

 

 

بالنسبة لي لا أعتقد أن قضية ما أكثر عدالة من قضية قريتنا في العدين فنحن لم نعرف للدولة وجود على الإطلاق إلا فيما يخص تسليم زكاة الفطر التي تسلم كل عام لعدل المنطقة ليقوم بدوره بتسليمها لما يقول إنه الدولة ثم ثلاثة مدرسين من خريجي معاهد المعلمين يدرسون التربية الاسلامية والتربية الوطنية فقط للصفوف الأولى في المنطقة، وما عدا هذا فالدولة سمعنا عنها لاحقا عن طريق التلفزيون الرسمي.

 

 

 

المدرسة من تعاون أبناء المنطقة ومشروع الماء وطريق السيارة ومولدات الكهرباء وحتى الخطوط الكهربائية التي تزين سماء المنطقة دفع أبناء المنطقة ثمنها بالكامل خمسة وعشرون ألف ريال عن كل بيت وهي حتى اللحظة تتآكل يوما بعد يوم تنتظر ان يمر عبرها التيار يوما ما فتهتز وهربوا.

 

 

 

هذا فقط لأقول بوضوح لكل شباب الجنوب الذين يعتقدونني أحد الغزاة الطامعين «إن كل الثروات التي نهبت منكم بقيت أنا وكل أبناء منطقتي منها براء وإنه حين كنتم تضمدون أوجاعكم كانت على الضفة الأخرى تجتاحنا الأوجاع كما أنتم».

 

 

 

بصدق، لم أعد اهتم بالوحدة، لقد كرهت هذه الوحدة التي ستمنحني لقب مستعمر وغاز وناهب وآكل للحقوق بينما قضيت كل حياتي تحت وطأة الحرمان.

 

 

 

أنا لا أطالب بوحدة من أي نوع، لكن من حقي أن أطلب توصيفاً عادلاً لا يجعلني مظلوماً على الدوام، لأني بصدق أتحسس خاصرتي باستمرار لأتأكد إن كنت أحتزم مسدساً أسود ويليق بي لقب المستعمر الغازي.

 

 

 

يا إلهي، هل سيدرس طلابنا في الجنوب في مقررات التربية الوطنية عن الاحتلال الشمالي البغيض كما نفعل اليوم حين ندرس عن الاحتلال الانجليزي، وهل سيصدق الطلاب هذا التاريخ حقاً؟

 

 

 

لم يكن أبغض إلي من شعار كان البعض يردده باستمرار «الوحدة أو الموت»، في الحقيقة لم أكن أعلم ان الصوت البديل هو صوت «الانفصال أو الموت»، هل كنا على خطأ حين ألجمنا هذه الأصوات كي لا نجرح شعور إخواننا في جنوب الوطن؟

 

 

 

الجواب بالتأكيد «لا» لكن هذا لا يعني ان شعار الانفصال أو الموت أو الحديث عن الاحتلال الغاشم ليس خطأ كبيراً ومستفزاً أيضاً.

 

 

 

لأنه في الحقيقة يقفز على حقائق كبيرة ويتجاوزها بصورة مرعبة، حقيقة كوننا مظلومين حتى وإن كان الظلم لا يعدل، وحقيقة كوننا قمنا بثورة، وأننا جميعاً حولنا الأنين إلى صيحات وصراخ وثورة ضد مستعمر واحد -إذا ما فضلنا ان نستعمل هذا اللفظ الكاذب- وحقيقة أننا سلمنا جميعا بعدالة قضية الجنوب ونبل مطالبها حين كانت تعبر عن وجعها بصدق وشجاعة ونبل.

 

 

 

الثورة لم تغير كل الوجوه الظالمة، هذا كلام صحيح، كل الثورات في التاريخ لم تفعل ذلك من اليوم الأول، حتى أنتم في قضيتكم لم تفعلوا لو فقط التفتم بصدق لما تفعلون، ذات الوجوه وذات الأقنعة وذات الأسر والأمس أكثر حضوراً من الغد في ناديكم، هذه مسألة معقدة لها أسبابها التي يجب ان تفكروا فيها بعدالة وصدق كي تعلموا ان الثورات تمضي ولكن ليس من يومها الأول، علماء الاجتماع السياسي ودارسي تاريخ الثورات يقررون هذه الحقيقة بجلاء كبير.

 

 

 

دعوني أعترف لكم بصدق، كشمالي أهتم بقضية الوحدة من نواح متعددة، التوحد قوة ونحن بلد لو توفرت له الإدارة والإرادة سيكون فاعلاً ومؤثراً، نحن شعب بدين واحد ولغة واحدة واسم واحد وثقافة واحدة وحتى حين فرقتنا السياسة شطرين ظللنا جسداً واحداً وتحت مسمى واحد «نحن من اليمن» وكانت الشمال أو الجنوب وصنعاء أوعدن هي الإجابة على السؤال الثاني «من أي اليمن؟»، هكذا تحكي على الأقل حكايات الأجداد والآباء الذين فرقتهم السياسة واجتمعوا في الشتات متساوين وبلقب واحد، وهنا لا أعتقد أن شعباً شجاعاً مثل شعب الجنوب سيضطر لأن يغير حتى حقائق التاريخ كي يقولوا مثلا إننا لسنا يمنيين، كما فعل الشيعة حين أنكروا بنوة علي بن أبي طالب لابنته التي زوجها من عمر بن الخطاب وقالوا إنها ابنته بالتبني وليست من صلبه كي يقنعوا أنفسهم بأن عليا لم يكن يحترم عمر بن الخطاب ولم يزوجه سوى جارية.

 

 

 

بالرغم من كل هذه الفضائل للوحدة إلا إنني كشمالي أعترف بأني أنظر إلى مسألة الثروة باهتمام كبير، في الجنوب هناك حقول النفط التي يمكن أن تصنع فارقاً في الحسابات، هذه بالنهاية ليست تهمة كبيرة، هكذا هم البشر نزاعين إلى المنفعة ويحبون المال حباً جماً والإنسان «لحب الخير لشديد».

 

 

 

عليكم الآن أن تجيبوا عن سؤالي بصدق «لو لم تكن ذات الحقول هل كنتم حتى ستفكرون مجرد تفكير بالحديث عن احتلال وانفصال؟».

 

 

 

حين احتضنت العاصمة الرياض- قبل شهرين تقريبا - لقاءً لأبناء حضرموت عرضوا فيه لقضية انفصال حضرموت عن الجنوب، قال أحد أصدقائي الجنوبيين الضالعيين «ماذا يعني ان تنفصل حضرموت؟ أنا لا يمكن أن أقبل بهذه الفكرة» أطرق قليلا ثم قال: «ربما فهمت الآن شيئاً عن شعار الوحدة أو الموت وعن شعور أبناء الشمال»!

 

 

 

هو نداء المصلحة والمنفعة الذي تفعل الدول كل شيء من أجل تأمينه لمواطنيها.

 

 

نحن إذن متساوون في هذه الناحية كما نحن متساوون في الظلم كما نحن متساوون في البحث عن مصالحنا ولهذا فإننا كما ندين وبقسوة شعار الوحدة أو الموت لأنه يستفزكم كما يستفزنا، عليكم الآن ان تفعلوا ما يليق بشعارات على شاكلة الانفصال أو الموت.

 

 

 

كشمالي مستعمر ومحتل ومظلوم لن أطالب بالوحدة، كما قلت لكم شخصيا ليس لي منها شيء على الصعيد الشخصي وكذلك كل أبناء منطقتي على الأقل، ربما كنت أفكر فقط إن كان سيستفيد منها أبنائي او حتى أبناءهم، لكني الآن أعتقد أن من حقي أن أطالب أعزائي في الجنوب الحبيب باثنتين:

 

أن يعترفوا بقضيتي ومظلمتي كما أفعل في قضيتهم، ثم أن لا يحرموا أنفسهم من عدالة قضيتهم بتوصيف سيئ يجعل من القضية الجنوبية قضية وهم ليس أكثر ولا أقل، لأن حرب الانفصال الظالمة كانت في ٩٤ وهذا في ذاكرة الجيل وليس حدثا في القرن السادس الميلادي كي تختلف علينا فيه الروايات، وجميعنا يتذكر إذاعتي صنعاء وعدن وما كان التوصيف ساعتئذ.

*المصدر اونلاين