آخر تحديث :الأحد-30 يونيو 2024-06:06م

أخبار المحافظات


في الذكرى الثانية لرحيل العميد سعد عبدالله عبده مراد الصديق الذي جمع بين الطيبة والجموح..!.

الأربعاء - 05 يوليه 2023 - 08:59 م بتوقيت عدن

في الذكرى الثانية لرحيل العميد سعد عبدالله عبده مراد الصديق الذي جمع بين الطيبة والجموح..!.

((عدن الغد)) عبده محمد مرشد

في يوم الرابع والعشرين من يونيو ٢٠٢١م فوجئت البلاد بنبأ رحيل العميد/ سعد عبدالله عبده مراد العبدي رحمه الله... 
وبالمناسبةالتي ذكرني إياها منشور لأحد محبيه الآثيرين أجدني في حاجة إلى قول شيء عن هذا القايد وعن فراقه المؤسف! الذي لا نستطيع معه إلا ندعو الله له بالعفو والرحمة والمغفرة، وأن نحمد الله على قضائه وقدره وحكمته في الخلق وفي الحياة والموت وفي تعاقب الليل والنهار، فتعالى الله في ملكوته  ف((كل يوم هو في شأن))!.

  لقد قدم العميد سعد في حياته مايستطيع فقد عاش في خضم عقود متلاطمة الأمواج السياسية والإجتماعية بتحولاتها الوطنية والدولية العجيبة وشهد مع عالمه الكبير والصغير جملة من الكوارث والنكبات والأفراح والأحزان وعاش من بعيد او قريب تحولات عصره العلمية التي نعلم قليلا من اسرارها ونجهل الكثير!.
  بين عامي ٧٨و٧٩ من القرن العشرين كان العميد سعد شابا في باكورة عمر العشرين ؛عرفته إنسانا ودودا ذو خلق وأدب وطموح، كانت ثقافتنا متواضعة، لكننا كنا نحاول أن نخوض في بعض قضايا الوطن التي كانت حينها تشغل الإنسان اليمني عامة، بشكل كبير..

  كانت سبقت تلك الأيام أحداثا وطنية خطيرة، وعلى نحو درامي منذو الحادي عشر من أكتوبر ١٩٧٧م اليوم الحزين والكئيب لكل أبناء الشعب اليمني ولمشاركيهم من بني العرب والإنسان؛ إنه يوم اغتيال الرئيس ابراهيم محمد الحمدي رئيس مجلس القيادة في الجمهورية العربية اليمنية، الرئيس الثالث من رؤساء العهد الجمهوري والشاب الطموح والنشيط والخطيب المفوه الذي صعد إلى سدة الحكم يوم الثالث عشر من يونيو ١٩٧٤م، إثر حركة نفذتها القوات المسلحة ،سميت الحركة التصحيحية المباركة في شمال الوطن..

تزامنت حركة يونيو وما اعقبها مع ارتفاع أسعار النفط في الأقاليم النفطية المحيطة باليمن، ومعه شهدت تلك السنوات زيادة في حركة الهجرة اليمنية إلى تلك الأقطار الشقيقة ولاسيما المملكة العربية السعودية، التي اتجهت نحو التحديث 
مع نشاط كبير في كثافة مشاريع البنية التحتية هنالك، ومع تضخم السيولة العايدة من ريع النفط، فاضت على اليمن العملات الصعبة من ارساليات المهاجرين إلى أهليهم داخل الوطن، جنبا الى جنب مع فضل الله المنان بنزول الأمطار التي كانت قد شحت خلال السنوات السابقة للحركة 
فتحسنت حياة الناس بمختلف فئاتهم  الإجتماعية على نحو ملحوظ..

عملت حركة يونيو ٧٤م على تشجيع التعاونيات ونشطت في الخطط الخدمية والتنموية ابتداء من البرنامج الثلاثي ووصولا إلى أبواب الخطة الخمسية، ومن أيامها الأولى اصطدمت بمراكز القوى ممن شارك في الحركة وممن سعى لإحتوائها،
والإنقلاب عليها منذ الأشهر الأولى لقيامها ،وجميع هؤلاء وأولئك كانوا من قوى متخلفة ذات أطماع شخصية وولاءات خارجية مشبوهة!!. تتحالف ضد الجديد المشرق وتتصارع على النفوذ...
لكن وبعد أقل من عام على الحركة  أقدم الرئيس الشاب ابراهيم الحمدي
بتوجيه ضربة استباقية استهدفت  بعض مراكز القوى والنفوذ في الجيش ،من بعض مشايخ القبايل  المتغولين في السلطة، المتحكمين بالجيش والأمن ومن ثم بحياة المجتمع اليمني برمتها (سياسية وإدارية وأمنية واقتصادية واجتماعية )، والمرتبطين بولاءات خارجية (سعودية و عراقية).

  كانت الوثبة الأولى يوم ٢٧ابريل ١٩٧٥م، التي لاتقل أهمية عن يوم ١٣يونيو١٩٧٤م.

  بدأ الشعب يلمس بجلاء واضح  تلاشي مظاهر الفساد والانحرافات في الحياة الإجتماعية، وبدأت خطوات جادة في اتجاه تصحيح أوضاع القوات المسلحة والأمن وتوحيدها تدريبا وتأهيلا وتسليحا،  على نحو يجعل ولاءها للوطن والشعب، لا لبيوت وأشخاص يتصارعون على مغانم السلطة ويوالون الخارج ليعملوا داخل الوطن كزعماء طوائف وأمراء حروب!.

  لقد مثل مقتل الحمدي ومن معه يوم ١١ اكتوبر ٧٧م انتكاسة للمشروع الوطني، مشروع وحدة الشطرين ومشاريع التخطيط والبرمجة الوطنية الشاملة، ومن ذلك تحديث الجيش والأمن والقضاء والإدارة وتحسين الخدمات وتوسيعها لتشمل المدينة والريف، فضلا عن تحقيق القدر المعقول من العدالة والتنمية في المجتمع اليمني، الذي أحس بالسعادة وشعر بحضور الحركة، كدولة وعطاء لأول مرة في اليمن بكل أرجائه..

  قتل الحمدي وهو يعد وفد الشطر الشمالي المتجه بمعيته ليشارك في احتفال الشطر الجنوبي من الوطن بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لثورة ١٤ اكتوبر ، في الوقت الذي كان الشعب في الشمال يواصل احتفالاته بالذكرى الخامسة عشر لثورة السادس والعشرين من سبتمبر١٩٦٢م .

كان الفقيد العزيز سعد مراد واحد من الشباب الغيورين على الوطن وكان واحدا ممن كانوا يتقدون حماسا وعلى استعداد للتضحية في سبيل مواجهة قوى العمالة والفساد بصدق وبراءة الريمي المخلص الوفي المحب لوطنه الساعي من أجل تحقيق المجد والعزة والقوة والمصلحة الوطنية العليا لكل جماهير الشعب اليمني الواحد..

  كنت قد رأيته لأول مرة في الفترة المشار اليها آنفا في وادي الرضة بني العبدي، كنا في ضيافة الشهيد صالح احمد حسن النقيزي رحمة الله عليه كان قد استضاف مجموعة من بني العبدي ودعاني( لمناسبة عزيزة تخصه، )!.
  كنت قد حضرت من النوبة مبكرا وبمعيتي أحد الزملاء، كان ذلك في فصل الصيف والقات متوفرا حيث حملنا معنا ما ظنناه كافيا لعشرة موالعة! ، لكن حضور الشباب في هذه الضيافة كان قد فاق، بما لم نكن نتوقع ذلك، كنت اظن الدعوة مجرد عزومة شخصية تخصني؛ كان المضيف قد حددها اليوم الأول عند قدومه من تعز مرورا بقريتنا، وكانت مرهونة بأمر ذي شأن خاص؛ قال لي: إن تمت الأمور وقضيت الحاجة سيكون رسولي لديك في الفجر ،سأنتظرك!!

  كان الحضور يفوق الثلاثين من الشباب اغلبهم في القوات المسلحة واكثرهم في وحدة المظلات،  وكان فيهم شاب وسيم اسمر تبدو عليه  النعمة والنبل، وبعد السلام والمصافحة للقادمين جلس بجواري وفي أثناء المقيل انخرط مع مرافقي في أحاديث، كنت استمع إلى بعضها حينا، في حين كنت أتجاوز ذلك حينا آخر لأتابع في سعادة وغبطة وقائع المقيل المبارك بما فيه من جلال مهيب!  ناظرا بإعجاب وانشراح إلى وجه ذلك الإنسان الرائع صاحب المناسبة! المغمور بسعادة لا توصف وكان حفيا بها وكنت أشاركه مشاعره؛ لعلمي بأسبابها، فقد كان شخصا شهما عرفني به و عليه الأخ  الصديق العزيز العميد/ محمد محمد مراد (محمد الفقيه )أحد أعز زملائي في اللواء الثاني مجد والذي جمعتني به علاقات متينة من بداية ١٩٧٤م، وحتى الآن مترعة بذكريات عزيزة وجميلة كان هو من بادر لزرعها!.

 كان الشاب سعد مراد، بعد أن   تبادلنا التعارف بتقديم كلا اسمه للأخر ،قال: قد سمعت عنكم من محمد الفقيه، وبالتالي شرفنا باسمه: سعد عبدالله عبده مراد الجبل، قائلا: أتشرف بكم؛ أنتم أخوالي والدتي رحمها الله من النوبة من قرية الدار بنت جنيد المشرع! ،قلت :لنا الشرف!

 ففي حديثه الجانبي مع مرافقي لمست لديه اعتداد بالنفس وطموح وحب المعرفة، مع شعور وطني ملحوظ، وحينذاك لم تكن قد انتشرت الأحزاب والجماعات السياسية كانت روابط الشباب اجتماعية مشوية بأشجان لسماع المستجدات الوطنية التي كانت تتابع على نحو من الدراما الوطنية التي نجهل الكثير من تفاصيلها بيد أن التفاعل معها كان عاليا ،خروج القهالي وعبدالله عبد العالم ثم اغتيال الغشمي يوم ٢٤ يونيو ١٩٧٨م في حادث مروع أسعد حينها غالبية الشعب، اتهم الإعلام رئيس الشطر الجنوبي بتدبير الإغتيال  عبر رسول منه يحمل حقيبة مفخخة، وفورا قتل الرئيس سالم ربيع يوم ٢٦ يونيو أي بعد يومين في صراع بينه وبين رفاقه في الجبهة القومية الحاكمة في عدن وعلى صلة بحادثة مقتل الغشمي الذي قيل أنه قام به بعيدا عن قرار سلطة التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية!! واستمرت الاتهامات المتبادلة بين سلطتي عدن وصنعاء التي حظيت بالمؤازرة العربية والعالمية والإدانات المشفوعة بالعقوبات والمقاطعات لسلطة عدن باعتبار الحادث عمل إرهابي من الدرجة الأولى موجه من رئيس دولة ضد رئيس دولة آخرى ينفذه انتحاري
هو الفدائي مهدي احمد صالح ...، (تفاريش ) قريب صالح مصلح قاسم
قيل يومها أن عدن قامت بالعملية ثأرا لمقتل الشهيد ابراهيم الحمدي الذي استدعي للضيافة في منزل نائبه ليتم اغتياله بشكل ينافي القيم والأخلاق والدين والأعراف والشيم والمروءات...!! بمشاركة اقليمية ودولية..

      تلك الأحداث في مجملها هي التي ساعدت على صعود الرائد علي عبدالله صالح قايد لواء تعز إلى سدة السلطة خلفا للغشمي؛ فقد كانا أبرز المتهمين في حادثة اغتيال الرئيس ابراهيم محمد الحمدي، تحت إشراف مباشر من قبل المخابرات السعودية وبتمويل ودعم الأمير سلطان بن عبدالعزيز  وزيرالدفاع والطيران والمفتش العام،  كان أبرز حدث تلا صعود صالح السلطة في ١٧ يوليو ٧٨م يتمثل في المحاولة الإنقلابية الفاشلة ،التي أقدمت على تنفيذها الحركة الناصرية في صنعاء يوم ١٥ اكتوبر ٧٨م بقيادة مجموعة من قيادة الوحدات العسكرية، لتتصاعد الأحداث بفرار بعض الانقلابيين واستسلام البعض الذين جرت محاكمتهم واعدامهم واعدم البعض بدون محاكمة !! فقد كان تقدم صالح نحو السلطة بعزم وحزم وبحس أمني ينم عن دراية وخبرة ودعم خارجي غير محدود!

الجدير بالذكر أن الحركة الناصرية في حادثة ١٥ اكتوبر قد انتهت دون أن يقتل او يجرح خلالها أي عنصر من اي اتجاه!!. لقد علمت المخابرات بالتحرك مسبقا، فأستعدت لإفشالها ووأدها ومن ذلك خروج الهدف الأول من العاصمة إلى الحديدة ثم تعز، ليعود بطائرة عمودية إلى معسكر السواد الذي كان يقوده أخوه علي صالح، ومنه إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، كان لهذا الحدث ما بعده من مبررات للتصفية والتنظيف لمن شارك ولمن لم يشارك من الناصريين وممن لم يشارك لكنه غير موالي ولاسيما من اليسار اليمني..

كانت عملية ارسال الحملات إلى بعض مناطق شمال صنعاء وإلى محافظتي اب والبيضاء وتعز وذمار تتحرك لمواجهة المناطق المعارضة التي بدأت الجبهة تتحرك فيها وبالتالي تصاعدت الاتهامات بين عدن وصنعاء وتوترت الأجواء السياسية على طريق التحضير للحرب تحت رعاية مخابرات اقليمية وغربية اذ كانت صنعاء تتلقى الدعم المالي والعسكري والسياسي والمعلوماتي 
بشكل سخي في ظل الحرب الباردة 
ولاسيما إثر إعلان عدن قيام الحزب الطليعي ثم الإشتراكي أواخر ٧٨م اعلاميا وبداية ٧٩م، لينفجر الحرب في فبراير ٧٩م بين الشطرين، وهي ذروة الدراما اليمنية المثيرة والمزعجة، أعقبها تدخل عربي ودولي 
أدى للقاء القمة اليمنية في الكويت مارس ١٩٧٩م.. في هذه الأثناء كانت الجبهة الوطنية الديمقراطية وقوات الشعب في الشمال تتحرك وتستقطب بسهولة ويسر، فوصلت رياحها إلى أغلب مناطق اليمن ومن ذلك ريمة!.
مدعومة من عدن في مواجهة الحملات التي تدمر وتخرب وتحرق عدد من مناطق الأرياف، جنبا الى جنب مع إنتشار الحركة الوهابية وحركة الإخوان المسلمين الممولة من السعودية وأمريكا، وماهي إلا أيام حتى وجدنا انفسنا كشباب في الخضم بدون زاد من الفكر وبدون أي حصانة سياسية تقينا المزالق والأفخاخ الناجمة عن الأهواء الشخصية، وتلك التي تقف خلفها مكائد واختراق المخابرات الأمنية.

  كان الفقيد / سعد ومعه صهره الفقيد/ احمد حسن مقبل وبعضا من الشباب قد اعتادوا على زيارتنا، مع  كثرة تحركاتهم اللافتة، وكنا نتبادل الخواطر نسمر ونخزن ونتابع مجريات الأحداث ومستجداتها، المصحوبة بتساؤلات بريئة كيف وإلى أين تتجه اليمن وأين يجب أن نكون؟!

  أيام تمر ومعها مستجدات إعلامية وسياسية مع رياح الجبهة الوطنية التي كانت أخبار ها الأسطورية تدهش وتستهوي الشباب في كل مكان لاسيما في السلفية التي عاد إليها المئات من المعسكرات غير مستعدين لحرب يحركها ويشعل نارها عملاء السعودية وأمريكا قتلة الحمدي من قوى الفساد والرجعية والإرتزاق على حساب أحلام وطموحات اليمنيبن في العزة والكرامة وفي الوحدة والاستقرار والتنمية والسيادة الوطنية والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والعدالة والسلام.

  كان الفقيد والشباب في بني العبدي أكثر الناس حماسا لكن بعقلية عسكرية تواقين إلى الفعل السياسي بالعمل المسلح، كما قلنا حماس مع قلة الزاد من  الوعي السياسي الرشيد..

لذلك وبمجرد ما قيل انكم صرتم جبهة مناضلين توالت الأحداث في جبل بني العبدي أولا بشكل مؤسف ليس له أي مبرر من أي نوع!. كان، ومن باكورة ضحايا تلك الأخطاء أحد أبرز وجهاء وعقال العزلة الشيخ/ عبدالله عبده مراد والد الفقيد العميد/  سعد رحمة الله عليهم جميعا، وظلينا في حالات من التحركات لإطفاء الحرائق في بني العبدي، لنتحول من تنظيم سري إلى حركة مكشوفة عرّضت للإستهداف، دون أن نملك مقومات الدفاع عن النفس، ماجعلنا نؤسس حركة شبابية اجتماعية للمبادرة في إصلاح الخدمات والتنمية الإجتماعية في السلفية..

لم يكن لتلك الأحداث والمواجع والفواجع التي توالت خلال أشهر وجيزة أي صلة بالنضال الوطني وليس لها أي خلفية سياسية؛ فكل الناس كانوا ضد السلطة في صنعاء بسبب حبهم للحمدي وللوحدة اليمنية وأستطيع الجزم اليوم ان اغلب الناس وفي الطليعة المشائخ والشخصيات الإجتماعية كانوا يؤيدون الجبهة وحكومة الجنوب إلا القليل من المشائخ  الفاسدين، مع قدر من التحفظ والحذر مع مراقبة السلوك 
الذي سوف يطرأ على المنتمين من الشباب...!
 وبسبب من التصرفات الخاطئة والأعمال المرتجلة وقلة الانضباط حدث الفعل ورد الفعل كقانون طبيعي بين البشر!.
  ساد البلاد انقسام فوجد البعض نفسه يتجه اجباريا في تلك الأنحاء التي ماكان يبتغيها ومن أولئك سعد مراد الذي كانت سجاياه وأخلاقه واصالة معدنه قد ظلت تحكم سلوكه وتصرفاته مع الناس وتجاه الأحداث طوال فترات الصراع في المنطقة،  
فقد كان زعيما اجتماعيا شجاعا ومقداما ذا عزم وإرادة،  وفي ذات الوقت كان يتحلى بقيم الحب والتسامح والصبر والسلام ليتبوأ مكانته في المجتمع كشخصية عسكرية وكزعيم إجتماعي على مستوى ريمة، في الفترات اللاحقة..

 وعلى هذا الأساس كان فقيدنا العزيز رحمه الله  يستجيب لأي دعوة للحوار والتشاور والتعاون في إصلاح ذات البين وفي التفاهمات السياسية والإجتماعية وفي تصويب الآراء ومقاومة الجنوح إلى العداوات وإلى العنف والتعصبات التي تمزق المجتمع.!

  عمل الفقيد/ خلال خدمته الوطنية جنديا في القوات المسلحة، ومن موقعه وبسبب ضروف الأحداث التي 
أسلفنا الإشارة إليها، كان أحد الشباب المشاركين في الصراع حينها، لكنه كان أكثر زملائه ميلا إلى السلام، وكان هو والمرحوم / الشيخ عبده يحيى قايد شيخ بني العبدي أشجع من في الطرف الآخر في صراع النصف الأول من الثمانينات إستعدادا للحوار والتواصل والتجاوز لتسود البلاد حياة السكينة والإستقرار والأمن والوئام بين الناس من طرفي الصراع ومن مع كل طرف من الأنصار ! فقد لمسنا ذلك من خلال سلوكهما في التعامل مع الناس في العاصمة والمدن والطرقات؛ فقد كان هناك بعضا ممن عملوا في سلك الأمن الحربي والشرطة و الإستخبارات العسكرية من يتصرف بطيش وجهل وعجب !! على تتبع الأبرياء في الإبلاغ عنهم أنهم مخربون(جبهة....)!
وكان ذلك يلحق الأذاى بالكثير من الطلاب والشباب الذين يهاجرون لطلب الرزق عند الذهاب لإستخراج معاملاتهم في الجوازات وفي بعض المنافذ وهم قلة قليلة من الذين كانوا واقعين ضحية الجهل وضعف الوازع الوطني والأخلاقي والتربوي،  وبؤس الضمير.. ومن الشواهد على سلوك الفقيدين/الشيخ عبده يحيى قايد وسعدعبدالله عبده مراد رحمهم الله ،ما لمسناه حين كنا في مهمة الحوار في باجل عام ١٩٨٣م من الحفاوة ومايوحي بالرغبة للتصالح والحوار، ومعهم أخرين ، فهناك مواقف وتفاصيل قد لايكن المقام هنا مناسبا لسردها...!

  خدم  العزيز الراحل سعد في اكثر من مكان في ساحات الوطن وتابع التأهيل وتنمية مهاراته المهنية، عبر العديد من الدورات ، وتقدم في سلم المناصب  والترقيات في الرتب العسكرية حتى رتية العميد، ولم تكن مهاراته الإجتماعية وتطوره في الشأن السياسي و الإجتماعي وفي مضمار العلاقات العامة باقل من مهاراته العسكرية، بل لقد كانت أبعد أثرا وأبعد تأثيرا فقد صار لاعبا كغيره من الوجهاء والمشايخ والزعامات الإجتماعية..!!

  كان الفقيد/ يخجل من أي تصرفات حمقاء تصدر من أي شخص محسوب عليه فيمقتها ويدينها حتى في احلك ضروف الصراع، فقد كان في الصفين شجعان وابطال ومتهورين أيضا، خسرنا كبلاد الكثير منهم، وخسرنا بسبب جنوحهم وجموحهم الخارج عن طبائع الأشياء - التسرع نحو العنف - مواقف كثيرة، لاتزال بعضا من أثارها ماثلة نعانيها حتى الآن مع غاية الأسف!.

  كان الفقيد ومعه الشهيد علي يحيى قايد مراد من افضل وأعز من كانوا بمعية الفقيد الشيخ/ عبده يحيى قايد مراد رحمهم الله جميعا في مرحلة الصراع في ثمانينات القرن الماضي ، إنها شهادة مستحقة للتاريخ والإنصاف لحقهم كرجال من الطراز الأول...!

  فقدنا العميد الشهم/ سعد مراد في لحظات البلاد احوج ما تكون إلى أمثاله من الشخصيات العامة المبادرة 
فقد تراكمت لديه خبرات سياسية وإدارية وأمنية واجتماعية والكثير من التجارب خطأها وصوابها، حتى بلغت به تلك التجارب والخبرات مراحل النضج السياسي والإجتماعي التي يعتد بها عند أي زعيم وطني، 
ولأن المواقف والتجارب كثيرة، لايتسع المقام لسردها في هذه المناسبة، فإننا نكتفي بهذه السطور من ذكرياتنا عن هذا القائد الراحل إلى الله ،بكل مالديه من الخلال ومن السلوك والسجايا التي تركت بصماتها 
وآثارها في نفس كل من عرفه..

 ختاما ،لايسعنا هنا إلا أن نقول أن 
عزاءنا في رحيل الأحبة جميعا ما تركوه من المثل ومن قيم السماحة والشجاعة وحسن السجايا والشيم  والمروءات ،مايجعل من شباب اليوم من ابنائهم الرجال، الأكثر علما وتأهيلا ومعرفة، أكثر خصوبة في خدمة الوطن ونشر قيم الخير و المحبة والتسامح والسلام في مجتمع القرن الواحد والعشرين، وفي ذلك للناس وللبلاد خير عزاء...!.

اللواء/  عبده محمد مرشد 
شخصية اجتماعية وعضو برلماني سابق
٥ يوليو ٢٠٢٣م