آخر تحديث :الإثنين-07 أبريل 2025-12:11م
أخبار وتقارير

هل نشهد نهاية الحضور السياسي للحوثيين في اليمن؟

الأحد - 06 أبريل 2025 - 12:33 م بتوقيت عدن
هل نشهد نهاية الحضور السياسي للحوثيين في اليمن؟
((عدن الغد))خاص

تقرير خاص – القسم السياسي – صحيفة عدن الغد


تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري، خاصة فيما يتعلق بجماعة الحوثي. تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الضربات الأمريكية ضد مواقع الحوثيين، والتقارير التي تشير إلى تراجع الدعم الإيراني للجماعة. فهل نحن أمام نهاية وشيكة لدور الحوثيين في اليمن؟


تصعيد أمريكي غير مسبوق


منذ انخراط الحوثيين في استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، كثّفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضد الجماعة، مستهدفة البنى التحتية ومراكز القيادة التابعة لها.


الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرّح منتصف مارس بالقول: "لقد بدأنا للتو، والألم الحقيقي لم يأتِ بعد"، مؤكدًا أن العمليات الأمريكية ستستمر حتى يتم ردع الحوثيين عن استهداف السفن الدولية.


أما وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث فقال: "السلام من خلال القوة قد عاد، وسنواصل حملتنا حتى يتحقق الأمن في البحر الأحمر".


هذا الموقف الأمريكي الصارم ترافق مع إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تفتح الباب أمام مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على الجماعة. ووفقًا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الضربات الأخيرة شملت أكثر من 60 هدفًا حوثيًا في مختلف المناطق، بينها مخازن أسلحة ومراكز تدريب ومواقع إطلاق طائرات مسيرة.


ولعل اللافت في هذه المرحلة أن الضربات لم تعد تقتصر على الردع، بل باتت تهدف إلى تدمير البنية التحتية العسكرية للجماعة، مما يعكس تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك. وقد أشار محللون عسكريون في شبكة "فوكس نيوز" إلى أن وتيرة هذه الهجمات تنذر بحملة طويلة الأمد هدفها شل قدرات الحوثيين بالكامل.


تراجع إيراني واضح


بالتوازي مع التصعيد العسكري، كشفت تقارير غربية عن تراجع في مستوى الدعم الإيراني للحوثيين. صحيفة "ذا صن" البريطانية أكدت أن طهران قررت التخلي عن الحوثيين بعد تصاعد الضربات الأمريكية، بينما وصفت صحيفة "ذا أستراليان" هذا التحول بأنه لحظة فاصلة في العلاقة بين إيران ووكلائها في اليمن.


رغم نفي الحوثيين لهذه التقارير ووصفهم لها بـ"المضحكة"، إلا أن مصادر استخباراتية أشارت إلى أن طهران بدأت بتقليص قنوات الدعم اللوجستي والعسكري، تحسبًا لتبعات أي تصعيد مباشر مع واشنطن. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إيراني سابق قوله: "إيران لا تستطيع خوض معارك بالوكالة في كل الجبهات، وهناك مراجعة جادة للعلاقة مع الحوثيين".


وتشير تحليلات مراكز الدراسات في طهران إلى أن السياسة الجديدة تفضّل التركيز على تحسين العلاقات الإقليمية مع السعودية على حساب بعض ملفات النفوذ مثل اليمن، خصوصًا بعد توقيع اتفاق بكين بين الرياض وطهران العام الماضي.


الموقف السعودي والإماراتي


في الجانب العربي، تبدو السعودية حذرة لكنها متيقظة. فقد شدد بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية على أن أمن الملاحة في البحر الأحمر "أمر سيادي لا يُمكن التهاون فيه"، مؤكدًا دعم الرياض الكامل للجهود الدولية الرامية إلى كبح جماح الحوثيين. بينما أشار محللون سعوديون إلى أن تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر يشكل طعنًا في صميم المبادرة السعودية للسلام التي أعلنت قبل عامين.


أما الإمارات، فقد شددت في أكثر من مناسبة على ضرورة إنهاء تهديد الجماعات المسلحة للأمن الإقليمي. وقال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، إن "الوقت قد حان لاتخاذ موقف دولي حازم تجاه الحوثيين، فهم لا يمثلون مستقبل اليمن بل مشروع فوضى وتفكك".


موقف يمني حازم


في السياق ذاته، دعا نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس الزبيدي، الغرب إلى استغلال اللحظة التاريخية لتوجيه ضربات حاسمة ضد الحوثيين. وقال في تصريحات صحفية: "يجب استغلال ضعف إيران الحالي لتوجيه ضربات منسقة ضد الحوثيين بالتعاون مع الحلفاء، وضرورة تصنيفهم كمنظمة إرهابية على الصعيد الدولي".


كما نقلت وسائل إعلام دولية عن مسؤولين في الحكومة اليمنية قولهم إن هذا التحول الإقليمي والدولي يمثل فرصة نادرة لإنهاء مشروع الحوثيين العسكري والسياسي، شرط توحيد الصف الوطني واستعادة زمام المبادرة.


وقال وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك في مقابلة تلفزيونية حديثة: "الحوثيون باتوا عبئًا على اليمن وعلى الإقليم، وما يحدث اليوم يعكس فرصة تاريخية لاستعادة الدولة اليمنية من قبضة المشروع الإيراني في البلاد".


الداخل الحوثي يترنح


محليًا، بدأت تظهر بوادر تصدّع داخل معسكر الحوثيين. التذمر الشعبي في مناطق سيطرتهم يتصاعد بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، واستمرار حملات القمع والاعتقالات بحق المدنيين، بل حتى ضد من كانوا محسوبين على الجماعة.


ويقول الدكتور محمد الميسري، وهو محلل سياسي يمني: "الناس في مناطق الحوثي لم يعودوا يرون في الجماعة منقذًا، بل عبئًا. مشروع الولاية فشل، والاحتقان الداخلي يتراكم".


ويضيف: "لم يعد هناك غطاء شعبي حقيقي يحميهم، والناس يريدون دولة لا مليشيا".


كما كشفت تقارير إعلامية محلية عن خلافات داخل قيادة الجماعة بين الجناح المتشدد الذي يقوده محمد علي الحوثي، والجناح الذي يميل إلى فتح قنوات خلفية مع وسطاء دوليين تحسبًا للمرحلة القادمة. هذه الانقسامات بدأت تنعكس على خطاب الجماعة الإعلامي، الذي بات مرتبكًا ويعاني من فقدان البوصلة السياسية.


خلفية تاريخية: صعود الحوثيين إلى الواجهة


منذ اجتياحهم صنعاء في سبتمبر 2014، استطاع الحوثيون فرض سيطرتهم على مؤسسات الدولة بقوة السلاح، مستغلين هشاشة الدولة وغياب التوافق الوطني بعد مؤتمر الحوار. وتحولوا من جماعة متمردة في صعدة إلى قوة عسكرية وسياسية تهيمن على القرار في شمال اليمن، وتُحكم قبضتها على العاصمة ومؤسسات الدولة.


واعتمد الحوثيون منذ البداية على ثلاثة عناصر لبناء نفوذهم: الخطاب الديني العقائدي، السيطرة القسرية على الموارد والمؤسسات، والدعم الإيراني الذي وفّر لهم غطاء سياسيًا وتقنيًا وعسكريًا. لكن السنوات الأخيرة أظهرت أن هذه العناصر بدأت تتآكل مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والعسكرية عليهم.


الموقف الدولي والأمم المتحدة


دعت الأمم المتحدة إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد في البحر الأحمر، وأبدى مبعوثها إلى اليمن، هانس غروندبرغ، قلقه من أن التطورات الأخيرة "قد تعرقل مسار السلام الهش". كما عبّرت بعثات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن قلقها من استمرار الحوثيين في تهديد الملاحة، مؤكدة أن ذلك يقوّض جهود السلام ويضعهم في مواجهة المجتمع الدولي بأسره.


ورغم هذه الدعوات، يرى مراقبون أن المجتمع الدولي بدأ يتجه تدريجيًا نحو موقف أكثر صرامة تجاه الحوثيين، خاصة مع تصاعد المطالب بإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الكبرى.


السيناريوهات المحتملة


رغم كل هذه التطورات، لا يمكن الجزم بأن نهاية الحوثيين باتت وشيكة، إلا أن المؤشرات الحالية تكشف بوضوح أن الجماعة تمر بأضعف حالاتها منذ بداية الحرب.


الخبير نبيل البكيري يرى أن المرحلة القادمة ستحدد مصير الحوثيين: "إما أن يستفيد التحالف والحكومة من هذا الزخم ويعيدون تشكيل المشهد اليمني، أو يفقدون فرصة تاريخية ربما لا تتكرر".


ويضيف: "في حال استمرت إيران في تخليها عن الجماعة، ومع استمرار الضربات الأمريكية، فإن الحوثيين قد يجدون أنفسهم معزولين داخليًا وخارجيًا، وهو ما يُضعف موقفهم التفاوضي في أي محادثات قادمة".


في المقابل، يرى مراقبون أن هناك احتمالًا بأن تسعى أطراف دولية لإعادة دمج الحوثيين في أي تسوية سياسية قادمة، بما يضمن حفظ ماء الوجه للجماعة، خصوصًا إذا أظهرت استعدادًا لتقديم تنازلات سياسية حقيقية.


ختامًا: ما بعد الحوثي؟


إذا ما استمرت هذه المعطيات على حالها، فإن اليمن بالفعل قد يكون على أعتاب مرحلة جديدة تختلف كليًا عن السنوات الماضية. الجماعة التي فرضت وجودها بقوة السلاح قد تجد نفسها في موقف دفاعي، تبحث فيه عن مخرج سياسي يحمي بقايا نفوذها.


ويختتم التقرير برسالة سياسية هامة: القوى الوطنية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوحيد جهودها، وتقديم نموذج جاد للدولة، لأن ما بعد الحوثي، إذا حدث، سيفتح الباب أمام سؤال أكبر: من يدير اليمن؟


إن ما يحدث اليوم ليس فقط فرصة لإنهاء سيطرة جماعة مسلحة، بل لحظة فارقة لإعادة بناء الدولة اليمنية على أسس وطنية وشراكة حقيقية، بعيدًا عن منطق الغلبة والإقصاء الذي دمر البلاد لعقد من الزمن.