آخر تحديث :الثلاثاء-25 مارس 2025-09:20م
أدب وثقافة

هاميس هَدِيَّةُ الإِلَهِ حَابِي

الإثنين - 24 مارس 2025 - 02:43 ص بتوقيت عدن
هاميس هَدِيَّةُ الإِلَهِ حَابِي
((عدن الغد))خاص

كتب/محمد نجيب الظراسي


لِلنَّصِّ الشِّعْرِيِّ دَورَةُ حَيَاةٍ كَامِلَة، قَدْ لَا يَعرِفُهَا الكَثِيرُونَ مِنَّا، نَعَم، لَهُ دَورَةُ حَيَاةٍ كَامِلَة.

إِنَّهُ يَتَخَصَّبُ، ثُمَّ يُصبِحُ نُطفَةً حَتَّى يَخرُجَ مَولُودًا كَامِلَ النُّموِّ وَالهَيئَةِ.

النَّصُّ الشِّعْرِيُّ يَأتِي بِلَا مِيعَادٍ، لَيسَ لَهُ تَوقِيتٌ زَمَنِيٌّ مُحَدَّد، إِنَّهُ هَاجِسٌ غَرِيبٌ جِدًّا، مَجنُونٌ وَمُضطَرِبٌ فِي غَالِبِ الأَحيَانِ، وَيَختَلِفُ مِن شَخصٍ إِلَى آخَر، وَرُبَّمَا يَكُونُ أَكثَرَ اِضطِرَابًا فِي المُجمَلِ بِالنِّسبَةِ لِي.

وَتَكُونُ جَمَالِيَّتُهُ المُطلَقَةُ عِندِي فِي كَونِهِ مُبهَمًا، يَأتِي بِلَا مِيعَادٍ، وَلَيسَ لَهُ مَوعِدٌ مُحَدَّدٌ مُسبَقًا، وَلَا أَدرِجُهُ مُطلَقًا تَحتَ بَندِ زَائِرٍ ثَقِيلِ الظِّلِّ غَيرِ المَرجُوِّ. هُوَ لَا يَخضَعُ عِندِي مُطلَقًا لِجَاذِبِيَّةِ القَمَرِ أَو لِجَزرِ البَحرِ وَمَدِّهِ، إِنَّهُ مُستَهتِرٌ أَحيَانًا مِثلِي أَنَا، وَلَا يُعشِقُ مُطلَقًا اِنضِبَاطَ المَوَاعِيدِ الإِنجِلِيزِيَّةِ الزَّائِفَةِ، وَذَاكَ الشَّايُ الَّذِي لَا يَحتَوِي عَبِيرَ الشَّرقِ وَسِحرَهُ.

أَحيَانًا، حِينَ أَسِيرُ وَحِيدًا، أُحَدِّثُ نَفسِي، نَعَم، أُحَدِّثُهَا وَأَبتَسِمُ لَهَا كَثِيرًا، حِينَ أَتَلَمَّسُ تَبَاشِيرَ تِلكَ الوِلَادَةِ المُفَاجِئَةِ لِلقَصِيدَةِ، وَقَد أَوشَكَت أَن تَبزُغَ مِن بَعِيدٍ لِزُرقَةِ الأَفكَارِ وَشِدَّةِ اِنتِفَاخِهَا، وَأَشعُرُ أَنِّي أَتَلَمَّسُهَا مِن أَطرَافِ ذَاكَ الخَيَالِ الَّذِي يَسكُنُ رَأسِي المُشتَعِلِ، وَالَّذِي أُعشِقُ رَائِحَةَ اِحتِرَاقِهِ كَثِيرًا، تِلكَ الرَّائِحَةُ الَّتِي لَا تَزكُمُ الأَنفَاسَ، بَل أَتَذَوَّقُهَا كَعَبِيرِ أُقحُوَانَةٍ فَاحَت بِكُلِّ تَلَذُّذٍ.

قَد لَا تَعكِسُ تِلكَ التَّصَرُّفَاتُ الجُنُونِيَّةُ أَبدًا مَلَامِحِي الهَادِئَةَ جِدًّا.

يُرهِقُنِي الخَيَالُ كَثِيرًا، وَلَكِنِّي أُعشِقُهُ، نَعَم، أَنَا مُغرَمٌ بِهِ، وَكَأَنَّهُ مَولُودِي، أَو مَشرُوعُ تَخرُّجِي النِّهَائِي، أَو يُمكِنُنِي أَن أَذهَبَ أَبعَدَ مِن ذَلِكَ بِكَثِيرٍ لِأَقُولَ إِنَّهُ عَرُوسَتِي الجَمِيلَةُ الحَسنَاءُ هَامِيس، الَّتِي لَا تَستَحِقُّ مُطلَقًا أَن أُلقِيَهَا هَدِيَّةً وَتَضَرُّعًا لِلإِلَهِ حَابِي، حَتَّى يَعُمَّ الخَيرُ وَالرَّخَاءُ أَرضَ مَوطِنِي طِيبَة، لِتَرتَوِي تُربَتُهَا مِن سَخَاءِ ذَلِكَ النِّيلِ العَظِيمِ.

لِمَاذَا يَتَحَصَّلُ ذَلِكَ الإِلَهُ الغَبِيُّ حَابِي عَلَى شَيءٍ تَعِبتُ فِيهِ جِدًّا، أَنَا، هَكَذَا، وَبِمُنتَهَى السُّهُولَةِ؟!

إِنَّهَا لَيسَت مُشكِلَتِي، وَيُمكِنُ أَن تَلعَبَ هَذَا الدَّورَ أَيُّ حَسنَاءَ جَمِيلَةٍ أُخرَى، بِاستِثنَاءِ نَصِّي هَذَا، مِثلَهَا مِثلُ بَاقِي تِلكَ الضَّحَايَا مِن جَمِيلَاتِ مِصرَ القَدِيمَةِ، أَبَّانَ الحُقبَةِ السَّحِيقَةِ مِن ذَاكَ الزَّمَنِ الفِرعَونِيِّ القَدِيمِ.

بَل أَنَا عَلَى استِعدَادٍ تَامٍّ لِأَعِيشَ عُمُرِي وَمَا تَبَقَّى مِنهُ وَحِيدًا، نَعَم، أَستَطِيعُ أَن أَعِيشَ وَحِيدًا، دُونَ أَحَدٍ، لَكِنِّي لَا أَقبَلُ أَن أَعِيشَ بِدُونِ خَيَالِي.

خَيَالِي هُوَ مَا يُبقِينِي عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ، هُوَ مَن يَفتَحُ لِي قِلَاعَ تِلكَ المُدُنِ، وَالكَثِيرَ مِن الأَسوَارِ الَّتِي أَتَجَاوَزُهَا بِرَمشَةِ عَينٍ وَاحِدَةٍ، حِينَ أُرِيدُ أَن أَفعَلَ ذَلِكَ.

أَنَا كَاتِبٌ وَشَاعِرٌ، وَبِالنِّسبَةِ لِي، هُنَاكَ الكَثِيرُ مِن الأَشيَاءِ فِي الكَونِ يُمكِنُ تَعويضُهَا، بِاستِثنَاءِ النَّصِّ. نَعَم، النَّصُّ لَا يُعَوَّضُ مُطلَقًا، لِذَا يَبقَى هُوَ عِندِي أَغلى مَا يَكُونُ، وَيَستَمِرُّ رَكَضِي المُستَمِرُّ وَالدُّؤُوبُ خَلفَ ذَلِكَ النَّصِّ، وَكَأَنَّهَا حَالَةٌ مِن الهِستِيرِيَّةِ الأَبَدِيَّةِ وَالمُستَمِرَّةِ، اُبتُلِيتُ بِهَا، وَلَا يَهدَأُ رَوعُ جُنُونِهَا الأَفيُونِيِّ عِندِي، سِوَى بِحُفنَةٍ مِن تِلكَ الحُرُوفِ المُبتَلَّةِ، لِأَشُمَّ رَحِيقَ عِطرِهَا وَأَستَكِينَ.