آخر تحديث :الأربعاء-11 سبتمبر 2024-07:33م
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر محمد يكشف موقف الأحزاب القومية في جمهورية اليمن الديمقراطية من قضية الوحدة اليمنية

الجمعة - 16 أغسطس 2024 - 02:15 م بتوقيت عدن

الرئيس علي ناصر محمد  يكشف موقف الأحزاب القومية في جمهورية اليمن الديمقراطية من قضية الوحدة اليمنية

(عدن الغد) إعداد/ د. الخضر عبدالله



حركة القوميين



في اللقاء الماضي تحدث الرئيس علي ناصر محمد عن قضية الوحدة اليمنية وكيف كانت قضية القضايا ومطلب جماهيري للغالبية الكاسحة من اليمنيين.. وفي هذا اللقاء المتجدد قال الرئيس ناصر في حديثه:" ان في هناك أحزاب قومية كان لها موقف من قضية الوحدة اليمنية ومنها حركة القوميين العرب (فرع اليمن)

وهذه الحركة تأسست في عام 1959م في مدينة عدن، وبعد فترة قصيرة أُسِّس فرع للحركة في مدينة تعز على يد مجموعة طليعية، كان من بينها طلبة ومتخرجون جامعيون درسوا في لبنان ومصر. وقد انتهز ذلك الرعيل الأول/ المؤسس فرصة عودته إلى اليمن في الإجازات السنوية لتكوين النواة الأولى للتنظيم، بالتعاون مع عناصر الداخل. كان من أبرز أولئك العناصر المناضلين: فيصل عبد اللطيف الشعبي، قحطان محمد الشعبي، مالك الإرياني، سلطان أحمد عمر، علي أحمد السلامي، عوض الحامد، عبد الرحمن محمد سعيد، أحمد قاسم دماج، يحيى عبد الرحمن الإرياني، سيف أحمد الضالعي، طه أحمد مقبل، عبد الكريم الإرياني، شمسان مقبل الذبحاني، سالم زين محمد، وعبد الحافظ قائد. وبالنسبة إلى حركة القوميين العرب (فرع اليمن) ومعها بقية التنظيمات القومية واليسارية الأخرى مجتمعة، لم تكن قضية الوحدة اليمنية تقلّ أهمية لديها عن القضايا الوطنية الأخرى.





التنظيمات السياسية وأضاعة الفرص



واضاف الرئيس ناصر وقال:" لقد كنت، ولا أزال، أتمنى أن تتاح لي فرصة ووقت للحديث باستقلالية وتفصيل عن كل التنظيمات السياسية في اليمن، وعن دورها الوطني، وما أنجزته، وما أخفقت فيه، وما أضاعته من فرص، وما واجهته من تحديات ومؤامرات في بيئة صعبة لم تعرف العمل الحزبي ولا النشاط النقابي أو أي تجمع مدني، وسادتها ــ ولا تزال ــ الأمية الأبجدية والعصبية القبلية، ولم تتفاعل فيما بينها اقتصادياً إلا في ما ندر. وقِس على ذلك الثقافة والتواصل الاجتماعي نتيجةً للعزلة الداخلية التي كانت أقسى من العزلة عن العالم، هذا فضلاً عن تخلّف وفقر شديدين لا يزالان ضاربين بأطنابهما بقوة في التربة اليمنية حتى كتابة هذه السطور. إننا نفتقر إلى مرجع شامل عن الحركة الوطنية، وهذا واجب الوقت بالنسبة إلى كل من خاض تجربة حزبية ونضالية في عموم اليمن. وفي ما يخص حركة القوميين العرب التي شرفت بالانتماء إليها في ريعان شبابي، سأوجز القول بأنها تبنّت شعار الوحدة اليمنية في إطار الشعار القومي ــ العروبي ــ الوحدوي الكبير الذي ساد المناخ السياسي وعانق الطموح الجماهيري العربي في تلك الفترة الحيّة والذهبية من حياة الأمة العربية بقيادة مصر وزعيمها الخالد جمال عبد الناصر. دعت حركة القوميين العرب (فرع اليمن) إلى تأسيس تنظيم قومي ، أي قطري، يقود النضال ضد الإمامة في الشمال، والاستعمار البريطاني في الجنوب، وتوحيد الشطرين. ولهذا الغرض، عُقدت عدة اجتماعات في القاهرة في الفترة من شباط/ فبراير 1961 حتى آذار/ مارس 1962م حضرتها قيادات فرع الحركة في اليمن والاتحاد اليمني، وكان الاتحاد يعجّ باتجاهات مختلفة. مثلاً، كان الموقف المبدئي للنعمان وابنه محمد ضد الحزبية، رغم انتماء محمد، القصير زمنياً، إلى حزب البعث، ولم يتراجعا عنه، وقد لام النعمان الأب الزبيري عندما بدأ ينفتح في القاهرة قليلاً على حزب البعث، ويتحاور معه "بغرض الاستفادة منه"، كما قال الزبيري للنعمان، لا لإيمانه بالانفتاح على الآخر والتعاون الاستراتيجي معه، خاصة أنّ قضية التغيير في الشمال كانت تصهر مواقف الكل، ووقتها قال النعمان للزبيري: "هذا فراق بيني وبينك" .

قدّم قحطان الشعبي المسوَّدة الأولية لمشروع التنظيم اليمني، التي عبّرت عن رؤية حركة القوميين العرب تجاه القضية اليمنية.



كلمة حق لا مناص منها



ويواصل الرئيس ناصر قائلا:" كلمة حق لا مناص من تسجيلها للتاريخ: بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، مُهِّدت طريق الحركة لترجمة أحد أهدافها الوطنية بدعمها ثورة سبتمبر دعماً مطلقاً منذ اليوم الأول. ومن مظاهر ذلك الدعم، قيادتها لمظاهرات تأييد الثورة في صباح 26 سبتمبر 1962، ورفعها لافتة في الباب الكبير بتعز تقول: "حركة القوميين العرب تفدي الثورة بالدم". لقد كان رفع اللافتة من مؤشرات عِلم الحركة المسبق بموعد قيام الثورة، وكان من يقود المظاهرات سعيد الجناحي. استمرت المظاهرات من الصباح حتى المساء دون توقف ودون أن يتناول المشاركون فيها قطرة ماء أو كسرة خبز. هذا من ناحية. أما من ناحية ثانية، فقد طلب الطالبان في المدرسة الأحمدية بتعز، الشهيد إسماعيل محمد الكبسي (خولان)، (سُمِّي معسكر في الجنوب ومدرسة وغيرهما باسمه بعد استشهاده، ويقال إنّ إبراهيم الحمدي في قيادته لإحدى الحملات ضد الجبهة الوطنية هو الذي قتله)، والفقيد محمد حسين مُرغم (بني حشيش)، من سعيد الوصابي الذي كان الوحيد الذي يملك راديو، وكان يتجمع لديه بعض الطلاب لسماع ما يقوله البيضاني من إذاعة صوت العرب كل جمعة مهاجماً الإمام، طلبا من الوصابي أن يناما عنده لكي يستمعا إلى إذاعة صنعاء في الصباح. كان ردّ الوصابي أنّ الإذاعة لا تفتح إلا وقت العصر، ولكنهما أكدا له أنها في صباح الخميس ستفتح في الصباح. كان سعيد الوصابي يعاني من الشلل، ويدرّس بعض صغار التلاميذ في غرفته التي كانت مجاورة لكاوش العسكر في المدرسة الأحمدية. لقد انتمى الطالبان، الكبسي ومرغم، في تعز إلى حركة القوميين العرب في وقت مبكر، وعلمهما بموعد قيام الثورة يعني أنهما كانا محل ثقة قيادة الحركة في تعز، وربما ثقة ضباط الثورة الذين كانوا فيها. كان الكبسي ومرغم من قادة إضراب طلاب المدرسة الأحمدية بتعز في آب/ أغسطس 1962 تضامناً مع طلاب صنعاء الذين طُردوا من مدارسهم وسُجن بعضهم. كان ردّ فعل الإمام أحمد إغلاق المدرسة التي كانت تضم القسم الداخلي أيضاً، وضرب طوق حراسة عليها، وحوصِر الطلاب بالتجويع بعد أن مُنع عنهم الطعام، وقُطع عنهم الماء ومعه الكهرباء، ولكنهم صمدوا بفضل دعم مواطني تعز الذين كانوا يمدونهم بأكثر مما يحتاجون عندما يدلهمّ الظلام. هرب الكبسي ومرغم إلى عدن، ولم يعودا منها إلا قبيل الثورة، وبعدها انضما إلى الحرس الوطني للقتال دفاعاً عنها. وعندما كانا في عدن انتهزا فرصة وجودهما فيها، وذهبا إلى لحج لمقابلة الشيخ سنان أبو لحوم الذي كان في ضيافة سلطانها، باعتباره من معارضي الإمام البارزين، ولكنه صدمهما برفضه استقبالهما. هنا نعلم أنّ المواقف من القوى الجديدة تحددت قبل الثورة، ولم تكن مستجدة، وأنّ أحداث آب/ أغسطس 1968 في صنعاء كانت أحد تعبيراتها العنيفة. وفي هذا المقام نكمل بذكر موقف متناغم آخر، ولكن في منحى مختلف، وهو أنه عندما رُشِّح مُرغم ليكون وكيلاً لوزارة المالية، اعترض القاضي عبد الكريم العرشي على الترشيح، لأنه كان يرى أنّ مرغم ملكيّ لأنه هاشمي. وتواصل دعم الحركة لثورة سبتمبرفي ميادين القتال والتضحية والفداء، وفي المجالات الثقافية والفكرية حتى الانتصار على المحاصَرين لصنعاء في 8 كانون الثاني/ يناير 1968 في ما عُرف بحرب السبعين يوماً .



الجبهة القومية وقضية الوحدة



وبين الرئيس ناصر عن دور الجبهة القومية من الوحدة اليمنية وقال :" أنشأت الجبهة القومية في عام 1963م في مدينة جبلة بمحافظة إب، وأطلقت عليها اسم الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل. تكونت الجبهة من عدد من التنظيمات الجهوية الصغيرة التي كان بعضها مرتبطاً بالحركة التي كانت عمودها الفقري، وكانت في كفاحها المسلح للاحتلال البريطاني مستقلةً عن الحركة الأم في بيروت ذات الطابع السياسي في نضالها، وكانت تنظيماً وطنياً صرفاً، ولكن كان ينظر إليها على أنها الذراع العسكرية للفرع، ومن ثَمّ للحركة الأم. وكأيّ تنظيم سياسي أو عسكري، أعلن البعض رفضه لوجودها، وآخر انتقد ميثاقها. وهنا لنا وقفة مع من ينتقدون الميثاق بسطحية، لتضمّنه، في رأيهم، عباراتٍ وصيغاً معروفة سبقتها إليها حركة القوميين العرب عام 1960. هؤلاء تجاهلوا الوحدة العضوية الفكرية والتنظيمية بين الحركة الأم وفروعها العربية، وكان اليمن من بينها، وتناسوا أنّ الميثاق لم يكن برنامج عمل حكومي أو خطة تفصيلية مستقبلية لما سيكون عليه الحال بعد الاستقلال، بل برنامجاً مرحلياً يتضمن من ضمن ما يتضمنه استشرافاً للمستقبل، لأن البرنامج الحكومي يتطلب بيئة سياسية مختلفة ومستقرة، ولا وجود للاستعمار فيها، وهذه وظيفة دولة مستقلة، لا حركة تحرر وطني. ومن جهة ثانية، يغبُن هؤلاء الجبهة القومية التي كانت حقاً جريئة جداً في وضع هدف تحقيق الوحدة اليمنية في صدارة أهدافها، وفي تسميتها في بيئة محلية بعضها معادٍ للوحدة اليمنية، وبعضها الآخر كان معادياً فعلاً حتى لوحدة الجنوب اليمني المحتل، فضلاً عن الموقفين البريطاني والسعودي من الوحدة وتخوفهما منها، لربطهما بين الاستقلال الآتي والوحدة اليمنية ونفوذ مصر في اليمن، خصوصاً في المنطقة العربية، الذي كان من بين أسباب شنّ إسرائيل عدوانها على مصر في 5 حزيران/ يونيو عام 1967. ومن ناحية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، لم يقدّم هؤلاء الناقدون بديلاً لميثاق الجبهة القومية، وربما لم يكن في مقدورهم ذلك.

إنّ ما قام به فرع الحركة في اليمن كان حقاً طبيعياً، باعتباره فرعاً لحركة قومية عربية وحدوية أولاً، وثانياً ــ وهذا مهم ــ بمقارنة ميثاقها مع برامج الآخرين أو شعاراتهم، سنجد أنّ الجبهة القومية كانت متقدمة على غيرها قولاً وفعلاً، ثم ــ وهذا هو الأهم ــ في ممارساتها وما صدر عنها من أدبيات ثورية وحدوية أثناء الكفاح المسلح (1963 ــ 1967)، وفي عهد الدولة الوطنية المستقلة (1967 ــ 1990).

وكان فرع حركة القوميين العرب في اليمن هو الوحيد الذي وصل إلى السلطة عبر الثورة المسلحة، وليس عبر انقلاب عسكري، وذلك بتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني وقيام الدولة في الجنوب في 30 نوفمبر 1967، ولكن يجب أن نعترف أنّ بعض قيادات حركة القوميين العرب في بيروت قد نقلت صراعاتها وخلافاتها وتنظيراتها إلى الفروع الأخرى، وإلى التجربة في عدن. وقامت بدور خطير في تصنيف القيادة في عدن باسم اليمين الرجعي واليسار الانتهازي واليمين الانتهازي ولم تكن هذه القيادة أمينة على هذه التجربة الوحيدة للحركة في الوطن العربي، وتسببت في الانقسامات والصراعات التي شهدتها اليمن الديمقراطية، إضافة إلى الصراع من أجل الوحدة وتآمر بعض الدول الاقليمية والدولية على هذه التجربة.



(للحديث بقية)