آخر تحديث :الإثنين-09 سبتمبر 2024-09:55ص

أدب وثقافة


فراق ( أقصوصة)

الجمعة - 02 أغسطس 2024 - 02:23 م بتوقيت عدن

فراق ( أقصوصة)

بقلم / عصام مريسي


جمع كل أغراضه وحشرها في حقيبته الصغيرة التي لم تتسع لكل أغراضه مع قلتها وبساطتها فكلما حاول اغلاق الحقيبة برز غرض من أغراضه المحشوة بداخل الحقيبة الصغيرة لكن قرار الأفراج عنه قد صدر فعليه جمع أغراضه ومفارقة عنبر السجن الذي قضى طيلة السنوات العشرين جل شبابه برفقة نزلاء العنبر الذي أصبحوا جزء من ذاكرته وهم أسرته التي يشعر بالإنتماء لهم .
قضى ليلته يتجول في العنبر ورفاقه نزلاء العنبر الذي ارتبط به ارتباط وثيق منذ سنوات فاصبح كبيته يغطون في نوم عميق بعد يوم مجهد في الأعمال والتدريبات التي يقومون بها أثناء قضاء مدة العقوبة في الزنزانة فيسمع شخير بعضهم فتنتابه الرغبة في اطلاق ضحكات هستيرية صاخبة لكنه سرعان ما يتراجع ويكتم أنفاسه حتى لا يستفيق نزلاء الزنزانة من سباتهم بعد شقاء يومهم في الأعمال الشاقة.
من طرف الزنزانة وعلى السرير القريب من البوابة الكبير للعنبر كان أحد رفاقه النزلاء مستيقظ يتتبع حركاته ويرصد أعماله وهو مشفق عليه كيف سيواجه الحياة في خارج العنبر بعد كل تلك المدة الطويلة .
ينهض من على سريره يقترب من المكان الذي يقف عليه وهو يقلب أغراضه ويلقي نظرات على أسرة رفاق العنبر كأنه يخشى توديعهم عند استيقاظهم من نومهم يضع كفه عل كتفيه:
القلق باد عليك أخي
يلتفت نحوه وهو مرتبك وعينيه تتجهان يمنة ويسرة بعيدا عن ملاقاة عيني رفيقه حتى لايرى الدمعات التي تعلقت حول حدقتي عينيه ويقول:
نعم منذ عشرين سنة سأفارق هذه الجدران وأفارق رفقة العنبر
يقترب منه يعانقه ويحاول تطمينه:
ستخرج للعالم وستلقى أقربائك وسوف تبدأ حياة جديدة
مازالت عينيه تتجولان في انحاء الزنزانة وهو يحاول كتم انفاسه حتى لا يصدر أنين بكائه :
لا أدري هل والدي ما زالا على قيد الحياة أو
يحاول بكلمات مفعمة بالأمل أن يواسيه ويبعده عن اليأس :
قد تجد والديك بخير وستبدأ معهم رحلة حياة جديدة وستكون عون لهم وتحظى بحنانهم
يكاد شعاع الفجر أن يبزغ ويسمع من الأحياء القريبة من السجن أذان الفجر ينهض بعض النزلاء يشغل مفتاح الإنارة في عنبر السجن ويستيقظ الجميع يهرعون نحو زميلهم الذي سيفارق الزنزانة ويطلقون نحوه عبارات التهنئة:
مبارك قرار الأفراج
وأخر يردد:
سترى النور وتجتمع بمن تحب
لحظات يفتح باب عنبر الزنزانه تصدر أزيز يوقظ من بقي نائما من النزلاء وهو يعلن جدول العمل ليومه ويطلب من النزيل المفرج عنه جمع أغراضه ومفارقة المكان
يحمل النزيل المفرج عنه حقيبته القديمة التي تحوي متعلقاته ويجر قدميه نحو البوابة وعينيه توزع نظرات الوداع لرفاق العنبر يقف على عتبة البوابة الحديدية يلقي نظرة الوداع الأخيرة مغادرا العنبر باتجاه البوابة الخارجية للسجن يغلق السجان البوابة لكن شريط الذكريات لم ينغلق في مخيلة النزيل المفرج عنه فلحظات العمل والكد المشترك والوقوف في طابور الصباح وطابور الطعام ولحظات المزاح والفرح التي جمعته مع نزلاء الزنزانة وحكايات وذكريات ماضيهم .
يضع قبعته على رأسه والحقيبة القديمة على كتفه حتى تصبح بوابة السجن خلفه ويسترسل السير بخطى مترددة لا يدري إلى أين يتجه لكنه بدأ خطواته نحو طريق جديد وحياة جديدة تنتظره.
عصام مريسي