غزة تنزف مجددًا، ولا جديد تحت الشمس سوى أرقام الشهداء التي تتصاعد، والبيوت التي تنهار فوق رؤوس ساكنيها، وصور الأشلاء والعظام التي تخرج من السيقان و الأذرع و الصدور و الرؤوس المفلوجة التي أصبحت مشهدًا يوميًا في نشرات الأخبار. مشاهد الموت باتت اعتيادية، والدم الفلسطيني لم يعد يهزّ الضمائر كما كان يومًا، وكأننا ألفنا المذبحة حتى صارت جزءًا من روتيننا الإخباري، نمرّ عليها مرور الكرام قبل أن نعود إلى حياتنا العادية.
ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل هو إرهاب أمريكي يهودي فيه إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، ..
أمريكا التي اصمت مسامعنا لأجل شخص يقوم بتفجير نفسه نشك بأنها هي من زرعته و أنشاته حتى تلفق علينا تهمة الإرهاب و تستخدمه ذريعة للتدخل في بلداننا و نهب ثرواتنا...
هذه الدولة الإرهابية و ربيبتها الصهيونية تقصف بالصواريخ فوق رؤوس شعب بأكمله..
تقصف دون تمييز فوق رؤوس الأطفال والنساء،..
لا تخاف رادع ولا مساءلة...
تُقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ، وتُمحى العائلات من سجلات الحياة في ثوانٍ معدودة، بينما يقف العالم متفرجًا، والعرب في سبات عميق.
كل يوم، مشاهد جديدة من الدم والدمار، أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، آباء يبحثون عن بقايا أجساد أبنائهم بين الركام، وأمهات يودّعن فلذات أكبادهنّ بدموع لن تجد من يمسحها. ومع ذلك، لا يتحرك شيء، وكأن القضية الفلسطينية كُتب عليها أن تبقى جرحًا مفتوحًا بلا دواء، ولا عزاء.
أين العرب؟
في الماضي، كانت القضية الفلسطينية محور النقاشات في المحافل العربية، وكانت الشعوب تهتزّ غضبًا كلما تعرض الفلسطينيون لمجزرة جديدة. أما اليوم، فقد صمتت العواصم العربية، وانشغلت الحكومات بمصالحها السياسية وصفقاتها، حتى أصبحت بيانات الإدانة مجرد كلمات جوفاء تُلقى على استحياء، بلا تأثير ولا موقف حقيقي.
ما زالت بعض الشعوب تخرج في مظاهرات غاضبة، تهتف لفلسطين وتحرق أعلام الصهاينة...لكن صرخاتها تظلّ محبوسة في الشوارع والخوف أن تصمت حتى شعوبنا وتعتاد المناظر البشعة و نفقد رجولتنا و شرفنا وغيرتنا،
أما الأنظمة،.ليس فقط اختارت الصمت، ولكن بعضها تواطأ و يجاهر بذلك بكل إفتخار وبوضوح، فباتت بعض العواصم تستقبل الوفود الصهيونية بينما تتساقط صواريخ الاحتلال على غزة....
وبعض اخر يستغل جراح غزة و شعبها في كسب مكاسب شخصية و تنفيذ إجندات دول لها مطامع هي إيضا في ارضنا المكلومة..
غزة وحدها... لكنها تقاوم
رغم الخذلان، لم تنكسر غزة. تقف وحدها، تقاتل بما تملك من إيمان وإرادة، تواجه جيشًا مدججًا بأحدث الأسلحة، لكنها لا تستسلم. كل شهيد يسقط يخلّف وراءه ألف مقاوم جديد، وكل بيت يُهدم يولّد ألف قصة صمود. غزة، ورغم الحصار والجوع والقهر، ما زالت تقاتل باسم الأمة كلها، حتى وإن تخلّى عنها القريب قبل البعيد.
متى يستيقظ العرب؟
السؤال الأهم الآن: متى يتحرك العرب؟ هل سيبقون متفرجين حتى يختفي آخر فلسطيني؟ هل سنستمر في متابعة المجازر وكأنها مجرد أخبار عابرة؟ أم سنفيق من غفلتنا، وندرك أن ما يحدث في غزة اليوم قد يحدث غدًا في أي عاصمة عربية أخرى؟
عذرًا غزة، فقد تعوّدنا على مشاهدة أشلائكم، لكن التاريخ لن يرحمنا إن بقينا على هذا الحال.
نبيل محمد العمودي