آخر تحديث :الأربعاء-26 مارس 2025-05:30ص

استكشاف العلاقات التجارية بين اليمن و الأردن

السبت - 01 مارس 2025 - الساعة 04:14 م
د. باسل باوزير

بقلم: د. باسل باوزير
- ارشيف الكاتب


.

د. باسل باوزير


يمكن تتبع بداية العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين إلى عام (1989)، عندما تم التوقيع على اتفاقية إنشاء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين. تتولى بموجبه هذه اللجنة التشاور والتنسيق والتعاون في مختلف المجالات وبصفة خاصة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومنذ ذلك التاريخ، وقع البلدان العديد من الاتفاقيات التجارية. التي تنص على توسيع التعاون التجاري والاقتصادي، ووضع ترتيبات مفيدة للطرفين، وتبادل الوفود التجارية.

ومن الممكن أن تكون اليمن و الأردن شريكين تجاريين طبيعيين في الحقبة المقبلة، بسبب القرب الجغرافي النسبي والروابط الثقافية، فهناك درجة معينة يمكن أن يُبنى عليه التكامل التجاري بين البلدين. ومع ذلك، فإن واردات اليمن من الأردن أعلى كثيراً من واردات الأردن من اليمن. ومن الواضح أن هذا يرجع إلى أن اليمن لديها قاعدة موارد وصناعات أصغر كثيراً مقارنة بالأردن. ومع ذلك، فإن أنواعاً معينة من السلع من اليمن تجد سوقاً جاهزة على نحو متزايد في الأردن. والآن وبعد الهدنة في اليمن منذ عام (2022)، والهدوء النسبي، وفتح العديد من المواني والمطارات اليمنية، بدأت ترتفع صادرات الأردن إلى اليمن بسرعة أكبر كثيراً من تلك السنوات التي كان فيها النزاع مكثفاً في اليمن. حيث بلغت قيمة صادرات الأردن إلى اليمن (92.5) مليون دولار في عام 2022 و (112.5) مليون دولار في عام 2023.

خلال نفس المدّة، لم تتجاوز الواردات من اليمن إلى الأردن حاجز (200) ألف دولار سنوياً، بل ولم تتجاوز (50) ألف دولار في 2021. وهذا يدل بوضوح على أن الميزان التجاري يميل لمصلحة الأردن لأسباب تتعلق بالاضطرابات السياسية في اليمن، وطول مدّة النزاع وتضرر البُنى التحتية الداعمة للتصدير.

ولم يكن النزاع في اليمن هو السبب الوحيد لاختلال الميزان التجاري بين البلدين. ففي المدّة ما بين عامي 1995 و 2010، وبينما كانت التجارة بين البلدين تنمو، كان معدل نمو صادرات الأردن إلى اليمن أعلى كثيراً. فقد كانت صادرات الأردن إلى اليمن تنمو بمعدل (9.4%) سنوياً، وهو معدل الضعف تقريباً من متوسط ​​معدل نمو الصادرات الأردنية من السلع (5%). ومع ذلك، نمت واردات الأردن من اليمن خلال نفس المدّة بمعدل متوسط ​​بلغ (2%) سنوياً فقط. ولقد اتسعت الفجوة التجارية بين اليمن والأردن، بمعدل سنوي بلغ (9.5%) في المتوسط ​​منذ عام 1996/1995. وفي حين ارتفعت حصة الأردن في واردات اليمن من (3.6%) في عام 1990 إلى (4%) في عام 2010، ظلت واردات الأردن من اليمن طيلة المدّة من 1995 إلى 2024 لا تقاس بالأعشار في معدلات أرقام الواردات الأردنية من اليمن.

بدأت الأردن في تصدير المنتجات الزراعية والصناعية الأساسية إلى اليمن، بما في ذلك البذور والأسمدة والمواد الأولية المتعلقة بمزارع الدواجن، وكذلك الورق الصحي والمواد الكيميائية في تسعينات القرن العشرين. ثم توسعت القائمة تدريجيًا، وأصبحت الأردن اليوم تصدر الأدوية والمنسوجات والدهانات والأسلاك الكهربائية والأدوات المنزلية والمنتجات الغذائية. وقد وجدت هذه المنتجات سوقًا متنامية في اليمن. على سبيل المثال، في عام 2023، كان أكثر من (52%) من الصادرات الأردنية لليمن تتكون من منتجات غذائية وأدوات منزلية. وتستورد الأردن من اليمن البُن والعسل والأسماك وبعض المنتجات الزراعية الموسمية.

إن احتمالات ارتفاع التجارة الثنائية تكون أعظم عندما تتمتع دولة ما بميزة نسبية واضحة في المنتجات التي تحتل مكانة بارزة في هيكل الواردات في دولة أخرى. وكما ذكرنا، تتمتع الأردن بميزة نسبية واضحة في العديد من السلع، وهذا هو السبب وراء نمو الصادرات الأردنية إلى اليمن على مر السنين. من ناحية أخرى، تتمتع اليمن بمجال محدود نسبيًا لتعزيز صادراتها للأردن لأنها تفتقر إلى ميزة نسبية واضحة ومماثلة. لذلك، فمن غير المرجح أن تنمو الصادرات اليمنية إلى الأردن بشكل كبير في المدى المنظور بسبب عدم كفاية القدرة على التصدير (بسبب ظروف الحرب) لدى المصدرين اليمنيين، واستمرار حالة عدم اليقين في احتمالات التوصل لحل سياسي قريب في البلد الذي تعصف به الاضطرابات والنزاعات المسلحة منذ عشرة أعوام.

وسوف يعتمد تعزيز التجارة بين البلدين بعد إعفاءهما من الرسوم الجمركية على عوامل مختلفة، بما في ذلك تحسين مرافق النقل وغير ذلك من التدابير الإضافية لتيسير التجارة. كما يعتمد الكثير أيضاً على ما إذا كانت صادرات اليمن تتمتع بميزة نسبية حقيقية وما إذا كان هناك تكامل تجاري بين البلدين. ثم أن توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين البلدين (موجودة على جدول الأعمال بين البلدين منذ عام 2002!) كرديف مساند لاتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى، من شأنها أن تحقق العديد من المزايا الاقتصادية للبلدين، فهذه الاتفاقية ستعني إزالة كافة القيود، وستفتح الطريق نحو آفاق مستقبلية إيجابية.

ويمكن أن يساهم القطاع الخاص بين البلدين بدور في هذا الجانب أيضاً، فقد وقع القطاع الخاص في عام 2002 اتفاقية لإنشاء مجلس أعمال مشترك ما بين القطاع الخاص في الأردن وما بين القطاع الخاص في اليمن من أجل زيادة التعاون بين القطاع الخاص الأردني واليمني. والمأمول أن يُعاد تفعيل انعقاد هذا المجلس بانتظام في البلدين، لاستكشاف الفرص الاقتصادية وتعزيزها بشكل يتناسب مع مستوى التبادل التجاري المتنامي بين البلدين.