آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:21ص

مليشيا الحوثي: حصن للمجرمين ومرتكبي الرذائل وتفكيك للنسيج الاجتماعي اليمني

الأربعاء - 16 أكتوبر 2024 - الساعة 07:56 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


مليشيا الحوثي في اليمن لم تعد مجرد حركة مسلحة تسعى لتحقيق أهداف سياسية أو دينية، بل باتت تُجسد منظومة متكاملة من الفساد والجريمة المنظمة التي تحمي مرتكبي الجرائم الكبرى، مثل الاعتداءات على الأطفال والنساء، وتغطي على هذه الجرائم بشكل ممنهج. لقد أثبتت الأحداث على مدار السنوات الماضية أن هذه الجماعة ليست مجرد قوة احتلال محلية، بل هي أيضاً جدار حماية منيع لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم والانتهاكات الفظيعة، معتمدة على نهج متعمد لتعزيز سلطة الجناة وتهميش الضحايا. منذ سيطرة مليشيا الحوثي على مناطق واسعة من اليمن، تبنت هذه الجماعة ممارسات قمعية وعنصرية ضد سكان تلك المناطق. شمل ذلك التمييز ضد الفئات المستضعفة، وتعزيز نظام طبقي يقوم على المحسوبية والمحاباة لأعضاء الجماعة والمتعاونين معها. هذا النظام يتسم بنهج عنصري يضع الحوثيين وأتباعهم فوق القانون، في حين يُجرّم أبناء الشعب البسطاء ويُحرمون من العدالة. يعتبر هذا النهج نوعًا من “العنصرية الممنهجة” التي تُميز الحوثيين، حيث يعتمدون على إرث اجتماعي وثقافي قائم على تمييز “السادة” من السلالة الحوثية، واعتبارهم فوق النقد والمحاسبة. يعزز هذا المنهج فكرة أن الجرائم التي يرتكبها أفراد الجماعة أو حلفاؤهم لا تستوجب العقاب، بل تُغطي عليها القيادة الحوثية بما تمتلك من نفوذ سياسي وأمني. أحد أكثر القضايا المروعة التي كشفت عنها السنوات الأخيرة تحت حكم الحوثيين هي الاعتداءات الجنسية المتكررة التي استهدفت الأطفال والنساء، في ظل غياب تام للمحاسبة القضائية. بدلًا من ملاحقة الجناة وتقديمهم للمحاكمة، تتخذ المليشيا مسارًا مخالفًا تمامًا، التستر على الجرائم وترويع الضحايا وأسرهم لإجبارهم على الصمت. هذه الانتهاكات ليست مجرد حالات فردية، بل هي جزء من نمط مستمر يؤكد أن مليشيا الحوثي تعمل على توفير بيئة آمنة للمجرمين. أحد الأمثلة الصارخة كان تورط عناصر من الجماعة في اغتصاب أطفال ونساء في مناطق سيطرتهم، حيث أثبتت شهادات عديدة من سكان محليين وجمعيات حقوقية أن الحوثيين لا يقومون فقط بالتغطية على هذه الجرائم، بل يقومون بترويع الضحايا وترهيبهم من الإبلاغ أو المطالبة بالعدالة. وفي بعض الحالات، جرى تسريب معلومات عن تورط قادة في الجماعة في هذه الانتهاكات، ومع ذلك لم تُتخذ أي خطوات قانونية بحقهم.

سياسة الإفلات من العقاب ليست أمرًا عشوائيًا، بل هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية الحوثيين لإبقاء قبضتهم على السلطة وترهيب السكان المحليين. من خلال تجاهل الجرائم، بل وتشجيع بعضها بشكل غير مباشر، يرسل الحوثيون رسالة واضحة مفادها أن “لا قانون فوق سلطتنا”، وأن من يجرؤ على تحدي النظام القائم أو كشف جرائمه سيواجه بالعنف والترويع. هذه السياسة توفر للحوثيين أكثر من مجرد الحماية الشخصية لعناصرهم؛ فهي تخلق حالة من الفوضى والفساد تجعل المجتمع المحلي غير قادر على تنظيم نفسه أو الوقوف في وجه هذه الانتهاكات. كلما تفشت الجرائم وغاب القانون، كلما زاد اعتماد المجتمع المحلي على المليشيا كقوة مسيطرة تفرض إرادتها بالقوة. علاوة على التستر على الجرائم، يستخدم الحوثيون أساليب قمعية لتكميم أفواه أي شخص يحاول فضح هذه الجرائم أو المطالبة بالعدالة. الصحفيون والناشطون الحقوقيون الذين يحاولون تسليط الضوء على انتهاكات الحوثيين، خاصة الجرائم الجنسية والاعتداءات على النساء والأطفال، يتعرضون للاختطاف والتعذيب أو حتى التصفية. هذه التكتيكات الإرهابية تُستخدم لتخويف كل من يفكر في التحدث علنًا عن الجرائم التي تجري في ظل حكم الحوثيين. في الوقت الذي تواصل فيه المليشيا قمع الأصوات المعارضة، تزداد الأوضاع الإنسانية سوءًا. الأطفال والنساء، الذين يُفترض أن يكونوا في مأمن من الاعتداءات والجرائم، باتوا الضحايا الأكثر تعرضًا لهذه الانتهاكات، مما يعكس حالة من الانهيار التام لمنظومة العدالة تحت حكم الحوثيين. استمرار هذه الانتهاكات دون رادع يؤثر بشكل كبير على النسيج الاجتماعي لليمن. المجتمعات المحلية التي كانت تعتمد على قيم التعاون والعدالة، تجد نفسها اليوم مفككة بسبب الجرائم التي تغض الجماعة الطرف عنها، أو تشارك في ارتكابها. الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب أو العنف الجسدي يواجهون مستقبلًا مظلمًا بسبب غياب الدعم النفسي والاجتماعي، بينما تجد النساء أنفسهن في وضع أكثر هشاشة وعرضة للاستغلال. الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الجرائم لا تقتصر فقط على الضحايا المباشرين، بل تمتد إلى المجتمع بأسره. فالخوف من الانتقام أو التورط في مشاكل مع المليشيا يدفع الكثيرين إلى الصمت والتجاهل، مما يخلق حالة من التواطؤ القسري الذي يعمق شعور الظلم وفقدان الأمل في التغيير. الخلاصة التي يمكن الوصول إليها بعد سنوات من هيمنة الحوثيين على مناطق واسعة في اليمن، هي أن هذه الجماعة وعلى رأسهم زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي ليسوا سوى درع يحمي المجرمين والمفسدين، ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب والاعتداء على أبسط حقوق الإنسان. استمرار حكم الحوثيين يعني استمرار الفساد والفوضى وغياب القانون. إن إنهاء سيطرة الحوثيين هو أمر ضروري لإعادة الأمل في بناء دولة قائمة على العدالة والمساواة. فقط من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم وإعادة سيادة القانون، يمكن لليمن أن يستعيد توازنه الاجتماعي والإنساني.