آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:24ص

اليمن بين عهد الإمامة والجمهورية: جذور الصراع ومحاولات الحوثيين لإحياء الماضي

السبت - 05 أكتوبر 2024 - الساعة 02:26 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


اليمن تاريخيًا مر بفترتين أساسيتين: عهد الإمامة والعهد الجمهوري. في السنوات الأخيرة، برزت محاولة الحوثيين لإحياء ما يعتبره البعض شكلاً جديدًا من حكم الإمامة، مما خلق انقسامات وصراعات في البلاد. فيما يلي تفصيل للفترات الثلاث: 1. اليمن في عهد الإمامة: بدأت الإمامة الزيدية في اليمن في القرن التاسع الميلادي، حيث أسس الإمام الهادي يحيى بن الحسين الدولة الزيدية في شمال اليمن. استمرت هذه الإمامة على مدار قرون حتى أوائل القرن العشرين. حكم الأئمة الزيديون اليمن بنظام يجمع بين السلطة الدينية والسياسية. كانت الإمامة تعتمد على مبدأ الحكم الوراثي من خلال سلالة آل البيت، مما جعل الإمام ليس فقط قائدًا سياسيًا ولكن أيضًا رمزًا دينيًا للمجتمع الزيدي. شهدت فترة الإمامة العديد من الصراعات الداخلية، سواء بين الأئمة أنفسهم أو مع القبائل. كما واجهت الإمامة تحديات من القوى الخارجية، مثل الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تسعى للسيطرة على اليمن خلال فترات مختلفة. في القرن العشرين، ضعف حكم الإمامة بسبب الاضطرابات الداخلية والتأثيرات الاستعمارية. ومع تنامي حركة التحرر والرفض الشعبي لنظام الإمامة، انتهت حقبة الإمامة في عام 1962 بعد ثورة 26 سبتمبر.
2.اليمن في العهد الجمهوري: ثورة 26 سبتمبر 1962، أسقطت هذه الثورة الإمامة الزيدية وأعلنت قيام الجمهورية العربية اليمنية. كانت هذه الثورة بداية عهد جديد من الحكم الجمهوري في شمال اليمن، حيث تبنى النظام الجديد مبادئ المساواة والعدالة بعيدًا عن النظام الإمامي القائم على الطبقية والوراثة. بعد قيام الثورة، نشبت حرب أهلية بين الملكيين، الذين كانوا يسعون لاستعادة حكم الإمامة، والجمهوريين الذين دعوا إلى نظام جمهوري. دعمت مصر الجمهوريين بينما دعمت دول الخليج الملكيين. استمرت هذه الحرب حتى عام 1970، عندما تم التوصل إلى تسوية سياسية. في عام 1990، اتحد شمال اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) وجنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) لتشكيل الجمهورية اليمنية. كانت الوحدة محطة مهمة في تاريخ اليمن الحديث، على الرغم من أنها واجهت تحديات كثيرة، من بينها الحرب الأهلية في عام 1994.
3.محاولة الحوثيين لإحياء عهد الإمامة: جماعة الحوثيين، أو أنصار الله، هي حركة دينية زيدية مسلحة ظهرت في التسعينيات بقيادة حسين بدر الدين الحوثي. بدأ الحوثيون كحركة احتجاجية على تهميش شمال اليمن، وتحديدًا محافظة صعدة، والتي تعتبر معقل الزيدية. بعد وفاة حسين الحوثي في 2004، استمرت الحركة تحت قيادة عبدالملك الحوثي. شهدت الحركة توسعًا كبيرًا خلال العقد التالي، واستغلت ضعف الحكومة اليمنية واندلاع ثورات الربيع العربي في 2011. في سبتمبر 2014، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وأسقطوا الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي. هذه السيطرة أظهرت تطلع الحوثيين لإعادة سيطرة زيدية على اليمن، مما اعتبره البعض محاولة لإحياء النظام الإمامي بوجه جديد. بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، تدخلت دول الخليج بقيادة تحالف عربي لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين. تسببت الحرب في تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة الفجوة بين مختلف القوى السياسية في اليمن. ومن الآثار المترتبة على محاولات الحوثيين لإحياء الإمامة هي الانقسامات الداخلية حيث أدت محاولات الحوثيين لاستعادة النفوذ الزيدي إلى زيادة الانقسامات الداخلية، ليس فقط بين الشمال والجنوب، ولكن أيضًا بين مختلف القبائل والطوائف السياسية. كما يعتبر الصراع اليمني جزءًا من الصراع الإقليمي بين دول الخليج وإيران. بينما تدعم دول الخليج الحكومة الشرعية، تدعم إيران الحوثيين، مما جعل اليمن ساحة لحرب بالوكالة. كما يعتبر اليمن اليوم من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم بسبب الحرب المستمرة، حيث يعاني الملايين من الجوع والفقر، ويواجه الأطفال والنساء أوضاعًا إنسانية مأساوية. ختاماً إن للحوثيين إيديولوجيا خفية رغم إنهم لا يعلنون صراحة نيتهم لإعادة نظام الإمامة الزيدي القديم، إلا أن العديد من ممارساتهم وتوجهاتهم الدينية والسياسية تعزز هذا التوجه. فهم يعتمدون على الشرعية الدينية والحق الالهي بالحكم حصراً لسلالتهم الهاشمية ويستخدمون شعارات ورموزًا دينية طائفية عنصرية تدعم توجههم. إن اليمن مر بتحولات تاريخية عميقة من عهد الإمامة إلى العهد الجمهوري، مع محاولات الحوثيين لإحياء بعض جوانب الحكم الإمامي. هذه التحولات التاريخية لا تزال تؤثر على الوضع السياسي والاجتماعي في اليمن اليوم، حيث يواجه اليمنيون تحديات كبيرة في ظل استمرار الصراع والانقسامات.