آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-01:52ص


الواقع اليمني والنظرية الخلدونية

الأحد - 15 سبتمبر 2024 - الساعة 09:28 م

د. عبدالله عوبل
بقلم: د. عبدالله عوبل
- ارشيف الكاتب




في "العبر" لإبن خلدون، واستخلاصاته في المقدمة، يظهر العلامة إبن خلدون إن القبائل دائما تتربص بالمدينة، في كل مرة تهجم القبائل على المدن وتنهبها، ويطلق القبليون على سكان المدن وهم عادة من التجار والحرفيين والمهنيين، وهم يميلون إلى الدعة حسب ابن خلدون. أي إلى الاستقرار والتمدن. ويطلقون عليهم وصف "المستضعفين"، ويذكر العلاقة بين القبيلة ذو العصبية الكبرى ومظاهريها أي حلفائها من القبائل الأخرى وبين السلطان علاقة ولاء بقدر ما يستطيع السلطان ان يشتري ولاء القبائل تكون قدرته على الحكم أكبر واذا لم يؤمن المال اللازم للقبائل المظاهرة تنقلب عليه.
كان لدينا مشروع أنا والفقيد العزيز محفوظ هادي الله يرحمه في بداية التسعينات إن نشتغل على إبن خلدون ، لكي نبين إن نظرية الدولة العربية الإسلامية وحكم العصبيات تنطبق على الواقع اليمني، الذي جزء كبير منه لم يقترب منه الاستعمار. بما في ذلك المحميات الشرقية التي لم تشهد نظام التعليم الحديث إلا في خمسينيات القرن العشرين وبعضها مع بداية السبعينيات.
ما جعلني أتذكر هذا الأمر إن الممارسات السياسية في المدينة عدن الآن ومن خلال ما يجري يوميا من غرائب السلوك الهمجي الذي لا يعرفه ابناء المدينة يدل على اننا لم ندرس النظرية الخلدونية كما يحب ، إن كل ما يخص العصبية واستضعاف سكان المدينة اليوم. وآخرها منع الفرق الرياضية بالسلاح والسطو الشرس على الأراضي والمتنفسات والآثار وكل ماله علاقة بتاريخ المدينة العتيقة، هو تطبيق لما لا حظه ابن خلدون قبل
ثمانمأئة عام وأكثر .
يتذكر اليوم العدنيون وهم يرون ما يجري ليس فقط لمدينتهم فحسب بل وإقصاءهم بالكامل من الوظيفة العامة والمناصب العليا وعدم توظيف ابناءهم. وتولي غير المتعلمين للشؤون الإدارية والمالية التي لابناء عدن فيها خبرات لا تخطاها عين. إن تسييد أشباه المتعلمين على المؤسسات الإيرادية وتجريفها هو هذا السلوك الذي حدده ابن خلدون. في باب " الجاه مولد المال" بمعنى المنصب هو الذي يحقق الثراء وليس العمل المنتج . إن قرى بكاملها زحفت على الوظيفة العامة ، حيث ضرب بالقانون عرض الحائط وصار الولاء وابن القبيلة هو الأحق بالوظيفة العامة. ما يجري من الصعب معالجته بالمواعظ والخطب، فهذا السلوك هو من طبيعة العصبية القبلية، ومادام قد اندثرت كل مظاهر القانون والنظام وحلت محله العصبية فمن الصعب ازاحة هذا الوضع
الأمر فيه خطر على المستقبل، فهذه العصبيات تضعف تدريجيا مع الثراء وتميل للدعة ، في الوقت الوقت الذي تستعد فيه عصبيات أخرى للإنقضاض على العصبية الحاكمة. وهذا يعني لا تداول سلس للسلطة بين العصبيات ،، بل دم وقتال وأحقاد وانتقام.
وهكذا لن تتوقف العصبيات عن الطموح للمال عبر الجاه حتى ندخل عصر الصناعة البعيد عنا بالف سنة ضوئية.
لا حظ ان العصبيات قد اعادت التعليم إلى الوراء ، وتفاقمت حالة الفقر ، والابتعاد تماما عن ما انجز من تاريخ العليم والصحة والخدمات ، والسفر بعيدا عن العصر ألى عصور التخلف والظلام والجهل والمرض .