آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:21ص

"استغلال المناسبات الدينية والثقافية في اليمن: أداة الحوثيين لفرض مشروعهم الطائفي العنصري"

الأحد - 15 سبتمبر 2024 - الساعة 10:20 ص
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب



✍🏻:عبدالجبار سلمان

تعد المناسبات الدينية والثقافية جزءًا أساسيًا من هوية أي مجتمع، فهي تعكس تاريخ الأمة وقيمها وتقاليدها. ولكن حين يتم استخدام هذه المناسبات كأداة للترويج لأجندات سياسية أو طائفية أو فرضها بالقوة على المجتمع، فإن هذا يؤدي إلى انقسامات وصراعات تهدد تماسك النسيج الاجتماعي. وفي السياق اليمني، تعكس سياسات الحوثيين المتعلقة بالمناسبات الدينية والثقافية مشروعًا طائفيًا عنصريًا يسعى إلى السيطرة على المجتمع ونشر أيديولوجيتهم بقوة السلاح والإكراه. تمثل المناسبات الدينية والثقافية في المجتمعات وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع، كما تساهم في تعزيز الشعور بالانتماء والهوية. في اليمن، كمجتمع متعدد الأديان والمذاهب، كانت هذه المناسبات تجسد الوحدة في التنوع. غير أن الحوثيين قاموا باستغلال هذه المناسبات الدينية والثقافية لتحقيق أهداف سياسية وطائفية. وقد أدت هذه الممارسات إلى تحوير هذه المناسبات من كونها احتفالات اجتماعية ودينية إلى أدوات للسيطرة والتحكم. منذ سيطرتهم على صنعاء في عام 2014، بدأ الحوثيون بتكثيف الترويج لأجنداتهم الطائفية من خلال المناسبات الدينية. وأحد أبرز الأمثلة هو الاحتفال بيوم الغدير، الذي يُعتبر رمزًا لتأكيد الولاء لعلي بن أبي طالب وفق الفكر الشيعي. بينما يُعتبر هذا اليوم سابقًا مناسبة دينية تخص جزءًا من المجتمع، فقد عمد الحوثيون إلى فرضه كمناسبة وطنية تحت تهديد القوة، وهو ما أثار استياء العديد من المكونات الأخرى في اليمن التي تعتبر هذا الفرض قسريًا وغير مبرر. وأيضاً من المناسبات الدينية التي تستغلها مليشيا الحوثي هي الاحتفاء بالمولد النبوي الذي يمثل ذكرى دينية عزيزة على اليمنيين مثل حال كثير من الأقطار العربية والإسلامية، ورغم اختلاف الاراء وانقسامها حول شرعية وحكم الاحتفال الا ان اليمنيين لم يصلوا الى حد الخلاف والعداء كما هو الحال اليوم مع الحوثيين الذين حولوا هذه المناسبة الدينية الى موسم جباية وجمع للاموال بشكل قسري فلم يسلم منهم لا تاجر ولا فقير، وعلى رغم اتساع رقعة الجوع والفقر وتضاعف موجات النزوح الداخلي والخارجي التي يعاني منها ملايين اليمنيين بسبب انقلابهم على الحكومة الشرعية عام 2014، فضلاً عن قطعهم رواتب الموظفين، فإن مليشيا الحوثي تواصل جمع الملايين بإسم النبي محمد ﷺ والاحتفاء بمولده الكريم والذي يتضمن دعوات وتحشيداً طائفياً يحث على تقديم مزيد من الشهداء في سبيل تمكين "أعلام الهدى" على طريق "الولاية"، باعتبار أن الاستجابة لدفع مزيد من الأموال النقدية والعينية لناصرها هي إثبات فعلي لحب النبي وأتباعه، في حين أن رافض دفع المال مؤشر إلى عدم اتباع النبي وأوليائه وبغضهم. من أخطر الممارسات التي انتهجها الحوثيون في هذا السياق هو إجبار المجتمع على المشاركة في هذه المناسبات الدينية. يتم ذلك من خلال وسائل متعددة، بدءًا من الدعاية الإعلامية وصولاً إلى الضغط المباشر على العائلات والمدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة والتجار ورجال الأعمال. يُفرض على المواطنين إظهار الولاء من خلال المشاركة في الفعاليات والمناسبات التي تنظمها المليشيا، ويواجه من يرفض ذلك العقوبات أو التنكيل. بل يتم في بعض الأحيان استخدام المدارس لتلقين الأطفال الشعارات والأفكار الطائفية التي تروج لأيديولوجية الحوثيين. يكشف الترويج المكثف لهذه المناسبات عن مشروع طائفي عنصري يسعى الحوثيون إلى تحقيقه في اليمن. يسعون إلى تحويل اليمن من مجتمع متنوع إلى مجتمع أحادي الطائفة، من خلال فرض ثقافة معينة وطمس الثقافات والمذاهب الأخرى. هذه السياسات لا تؤدي فقط إلى إثارة التوترات بين الطوائف والمكونات المختلفة، بل تساهم أيضًا في تعزيز الانقسامات الداخلية. المشروع الطائفي للحوثيين ليس مقتصرًا على الجوانب الدينية فقط، بل يمتد إلى فرض سيطرة عسكرية وسياسية على المناطق التي لا تتبع طائفتهم أو توجهاتهم الفكرية. يستخدمون القوة المسلحة لقمع أي مقاومة أو اعتراض على سياساتهم، مما يزيد من حدة الصراع الأهلي ويعمق الكراهية بين فئات المجتمع. نتيجة لهذه السياسات، يواجه اليمنيون اليوم خطر تمزيق نسيجهم الاجتماعي. الترويج المكثف لأجندة طائفية عنصرية يؤدي إلى خلق حالة من الاستقطاب والتنافر بين مكونات المجتمع. كما أن إجبار المواطنين على تبني أفكار معينة أو المشاركة في مناسبات دينية تروج للطائفية يؤدي إلى تعزيز الشعور بالقهر والاضطهاد، خاصة بين الفئات التي لا تتفق مع هذه الأفكار. علاوة على ذلك، فإن استخدام المناسبات الدينية والثقافية كأداة سياسية يهدد بطمس الهوية اليمنية المتعددة، ويمهد الطريق لتأجيج النزاعات الطائفية التي قد تستمر لسنوات طويلة حتى بعد انتهاء الصراع الحالي. في الختام، يمكن القول إن استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية والثقافية لفرض أجنداتهم الطائفية والعنصرية يشكل خطرًا كبيرًا على تماسك المجتمع اليمني. إن مثل هذه الممارسات تسهم في تفاقم الصراعات الداخلية وتعمق الانقسامات الطائفية، ما قد يؤدي إلى تدهور أكبر في الأوضاع السياسية والاجتماعية في اليمن. مواجهة هذا المشروع الطائفي تتطلب جهودًا شاملة للحفاظ على التنوع الثقافي والديني الذي كان دائمًا مصدر قوة للشعب اليمني.