آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:24ص

حكومة التغيير والبناء : استنساخ التجربة الإيرانية وتداعياتها على مستقبل اليمن

السبت - 17 أغسطس 2024 - الساعة 06:59 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


تعتبر حكومة التغيير والبناء التي أقامتها مليشيا الحوثي في اليمن نموذجاً مثيراً للجدل في السياق السياسي اليمني والعربي عموماً. منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وسعيهم لفرض سيطرتهم على مختلف أنحاء البلاد، اتهمت مليشيا الحوثي بمحاولة استنساخ التجربة الإيرانية في اليمن، مما أثار تساؤلات حول طبيعة هذه الحكومة وتداعياتها على مستقبل البلاد. في عام 2016، أعلن الحوثيون عن تشكيل "حكومة الإنقاذ الوطني"، والتي كان من المفترض أن تكون حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة البلاد في ظل الانقسام السياسي والصراع العسكري المستمر. جاءت هذه الخطوة ضمن جهود الحوثيين لإضفاء شرعية على سيطرتهم، ومحاولة تقديم أنفسهم كقوة سياسية قادرة على قيادة البلاد نحو "التغيير والبناء". كانت حكومة الإنقاذ الوطني، التي تزعمها الحوثيون، تحمل شعارات إصلاحية مثل محاربة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أن هذه الشعارات سرعان ما تبددت في ظل سياسات القمع وتقييد الحريات التي انتهجتها الجماعة. يعتقد الكثيرون أن هذه الحكومة كانت مجرد غطاء لإضفاء الشرعية على سلطة الحوثيين، وتثبيت سيطرتهم على مؤسسات الدولة. وبعد الفشل الذريع لحكومة بن حبتور وبعد دعوة عبدالملك الحوثي إلى إجراء تغيرات وإصلاحات جذرية في الحكومة، نفذ مجلس الدفاع الوطني في حكومة الانقاذ الوطني لهذه الدعوة وقام بإقالة حكومة بن حبتور وكلفها بتصريف الشؤون العامة ماعدا العزل والتعيين. وبعدها كلفت مليشيا الحوثي أحمد الرهوي بتشكيل حكومة التغيير والبناء، وأدى رئيس وأعضاء الحكومة قسم اليمين أمام القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، وهو أعلى هيئة تتولى إدارة مؤسسات الدولة والحكومة في صنعاء. كان التأثير الخارجي الإيراني على مليشيا الحوثي واضحاً بشكل ملفت على رئيس وأعضاء الحكومة حيث أصبحوا نسخة مكررة من الحكومة الخمينية وذلك في عدم إرتداء ربطة العنق كما هو الحال في إيران، حيث يحظر رجال الدين الإيرانيون ربطة العنق التي كانت في نظرهم ترمز إلى الخضوع للثقافة الغربية، وفي صنعاء إلتزمت مليشيا الحوثي بتوجيهات الخميني، من خلال اظهار تبعيتهم المطلقة لايران والهوية الايرانية بدلاً من الهوية اليمنية. وجاء إعلان التشكيلة الحكومية للحوثيين، غير المعترف بها دوليا، بعد يومين من تكليف الرهوي رئيساً لها. وكان مهدي المشاط أصدر قراراً جمهورياً وفقا لدستور الجمهورية اليمنية، بتشكيل ما أسماها "حكومة التغيير والبناء"، وتسمية 22 وزيرا بينهم رئيس الحكومة الجديد أحمد الرهوي، كما تم دمج العديد من الوزارات السابقة بموجب القرار. منذ البداية، ارتبطت مليشيا الحوثي بإيران من خلال الدعم المالي والعسكري والسياسي، وأصبحت ذراع إيران لتنفيذ أجندتها في المنطقة. ولم تكن هذه العلاقة مجرد تحالف عابر، بل يبدو أنها تتجاوز ذلك إلى محاولة لإعادة إنتاج نموذج "ولاية الفقيه" الإيراني في اليمن. يتجلى ذلك في عدة مظاهر؛ منها النظام الديني والسياسي، حيث تعتمد مليشيا الحوثي في رؤيتها السياسية على مزيج من الفكر الديني الشيعي الإثني عشري والسياسة الثورية، وهو نهج مشابه للنظام الإيراني. قام الحوثيون بتعزيز نفوذ المرجعيات الدينية الزيدية في اليمن، على غرار نموذج ولاية الفقيه في إيران، حيث تُمنح السلطة العليا للمرجع الديني. حيث أن الحوثيين يرون في عبد الملك الحوثي "قائداً ثورياً" على غرار المرشد الأعلى في إيران، مما يضفي عليه صفة دينية وسياسية لا تقبل النقاش. بالإضافة الى التعبئة الأيديولوجية، حيث يعمل الحوثيون على نشر ثقافة المقاومة والعداء للغرب وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، وهو خطاب مستنسخ تقريباً من الشعارات الإيرانية. يتم استخدام الإعلام والتعليم كأدوات لتكريس هذه الأيديولوجيا بين الأجيال الجديدة في المناطق التي يسيطرون عليها. بإلإضافة الى الهيمنة العسكرية، كما فعل الحرس الثوري في إيران، يعتمد الحوثيون على قوة عسكرية منظمة خارج إطار الدولة التقليدي. "اللجان الشعبية" أو "المجاهدين" يشبهون إلى حد كبير قوات "الباسيج" و"الحرس الثوري" الإيراني، ويشكلون القوة الضاربة للحوثيين. هذه القوة أصبحت أداة رئيسية في قمع المعارضين والسيطرة على المناطق التي تقع تحت نفوذهم. أيضاً بإلإضافة الى تصدير الثورة، حيث يسعى الحوثيون إلى توسيع نفوذهم الإقليمي عبر تحالفات مع جماعات شيعية في المنطقة، على غرار ما تقوم به إيران. ويُعتقد أن الحوثيين يسعون إلى خلق محور مقاومة في دول الخليج العربي يمتد ليشمل العراق، ولبنان، وسوريا، وفلسطين وغيرها من المناطق التي تتواجد فيها حركات متحالفة مع إيران. إن استنساخ التجربة الإيرانية في اليمن له تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد، حيث ان محاولة الحوثيين فرض نموذج ديني سياسي معين يعزز الانقسامات الطائفية والمذهبية في اليمن، مما يزيد من حدة الصراع الداخلي ويعمق الجراح المجتمعية. كما ان السياسة الحوثية المستنسخة من إيران تساهم في إطالة أمد الحرب، حيث يعتمدون على دعم إيراني مستمر للحفاظ على سيطرتهم. وهذا يؤدي إلى استمرار العنف والتدهور الاقتصادي والإنساني. وأيضاً تعزز سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن وانتهاجهم سياسات إقصائية مخاطر تقسيم البلاد، حيث إن المحافظات الجنوبية والشرقية بدأت تعبر عن تطلعاتها للاستقلال أو الحكم الذاتي، مما يهدد وحدة اليمن كدولة. بالإضافة الى استنساخ الحوثيين للتجربة الإيرانية يزيد من خطورة التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، ويحول البلاد إلى ساحة صراع إقليمي بين إيران من جهة ودول الخليج من جهة أخرى، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويقلل من فرص الحل السياسي.
ختاماً ورغم الإهانات والنظرة الدونية في تصريحات قيادي في الحرس الثوي الإيراني سعيد قاسمي، قال فيها إن الحوثيين "أقزام وشيعة شوارع". لازال الحوثيين يعلنون الولاء والطاعة والتبعية العمياء لإيران في إدارة شؤون اليمن ويثبتون للعالم إنهم مجرد دمى ومرتزقة لإيران لتنفيذ أجندتها الارهابية في المنطقة ويتضح ذلك جلياً من خلال استنساخ تجربة إيران الخمينية في اليمن من خلال تشكيل حكومة تدعي "التغيير والبناء"، ولكنها في الواقع تمارس سياسات قمعية تهدف إلى تعزيز سلطتها. وفي حين أن بعض العناصر من التجربة الإيرانية قد تم تطبيقها، إلا أن الاختلافات العميقة في التركيبة الاجتماعية والدينية لليمن تشكل عائقًا أمام نجاح هذه المحاولات. تطرح حكومة التغيير والبناء الحوثية تحديات جسيمة لمستقبل اليمن. ففي ظل استنساخ التجربة الإيرانية، يبدو أن مليشيا الحوثي تسعى إلى فرض واقع سياسي وديني جديد يتعارض مع تاريخ اليمن التعددي والمتنوع. يبقى مستقبل اليمن غامضًا في ظل استمرار الصراع، والرهان على فشل هذه التجربة المستنسخة قد يعتمد على قدرة اليمنيين أنفسهم في إعادة بناء وطنهم بعيدًا عن التدخلات الخارجية.