آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:07ص

"الحوثيون : بين إعادة إحياء الإمامة والتلاعب بالتوازن الطائفي والديموغرافي"

الثلاثاء - 13 أغسطس 2024 - الساعة 06:04 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب



✍🏻: عبدالجبار سلمان 

الحوثيون، الذين يُعرفون أيضًا بأنصار الله، هم جماعة مسلحة شيعية زيدية نشأت في اليمن، وبرزت بشكل كبير منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. بدأت الحركة كحركة دينية وسياسية محلية تسعى إلى الدفاع عن الهوية الزيدية والتصدي للنفوذ الأجنبي المتزايد في اليمن. ومع مرور الوقت، تطورت أهداف الحوثيين وأخذت منحى أوسع يعكس طموحات سياسية أكبر، وصولاً إلى السيطرة على العاصمة صنعاء في عام 2014. يتهم الحوثيين بالسعي إلى إعادة إحياء الإمامة الزيدية، التي حكمت اليمن لعدة قرون قبل أن تسقط في ثورة 1962. هذا الاتهام يستند إلى التركيز الحوثي على القيادة الدينية واستعادة الرموز الزيدية القديمة. ومنذ سيطرتهم على صنعاء في 2014، ظهرت ممارسات تشير إلى محاولة الحوثيين تعزيز الطابع الديني لحكمهم، بما في ذلك إدخال مناهج دينية جديدة في المدارس وتشجيع الولاء للقيادة الدينية. يرى معارضو الحوثيين أن مشروعهم السياسي يستند إلى استعادة حكم "آل البيت" بناءً على معتقدات دينية وسياسية، تسعى إلى إحياء النظام الإمامي الزيدي. من الناحية العملية، ترتكز سياسات الحوثيين على تركيز السلطة في أيدي قيادات الحركة، وغالبًا ما يتم اختيار هؤلاء القادة من السلالة الهاشمية، التي تعتبر نفسها مرتبطة بآل البيت. وهذا يعزز من فكرة أن الحوثيين يسعون لإعادة الإمامة من خلال تمكين هذه النخب الدينية والسياسية. لعب الحوثيون دورًا كبيرًا في تغيير التوازن الطائفي في اليمن، ليس فقط من خلال السيطرة العسكرية، ولكن أيضًا من خلال التلاعب بالبنية الديموغرافية للبلاد. من خلال تهميش الطائفة السنية ومعاقبة المناطق ذات الغالبية السنية، من خلال حصارها وقصفها بشكل مستمر. في المقابل، يسعى الحوثيون لتعزيز الطائفة الزيدية ودعم مناطقها من خلال التوزيع العادل للمساعدات والموارد. تشير التقارير إلى أن الحوثيين قاموا بممارسات أدت إلى تغييرات طائفية وديموغرافية في المناطق التي يسيطرون عليها. واحدة من أبرز هذه الممارسات هي فرض الفكر الزيدي بالقوة على المناطق السنية في اليمن، حيث اتهمت الجماعة بمحاولة "تشييع" هذه المناطق عبر المناهج الدراسية، والخطاب الديني، وتغيير الهوية الثقافية والدينية لهذه المناطق. بالإضافة إلى ذلك، يتهم الحوثيون بتنفيذ سياسات تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في بعض المناطق، من خلال تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بأتباعهم من نفس الطائفة أو أولئك الذين يوالونهم سياسيًا. هذا الأمر يعزز من سيطرة الحوثيين على تلك المناطق ويضمن لهم ولاء السكان الجدد. إن سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء والمناطق المحيطة بها لم تكن مجرد استيلاء عسكري، بل كانت عملية معقدة تضمنت بناء تحالفات مع قوى محلية ودولية، بالإضافة إلى استغلال التناقضات الطائفية. كما استفادوا من التنافس بين القوى الإقليمية، لتعزيز موقفهم والحصول على دعم سياسي وعسكري. الصراع في اليمن لم يعد مسألة داخلية بحتة؛ فقد أصبح ساحة للصراع الإقليمي والدولي، حيث تدعم إيران الحوثيين في مواجهة التحالف العربي. هذا الدعم الإيراني للحوثيين، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا، يعزز من قدرتهم على الصمود في وجه التحالف العسكري القوي الذي يواجههم. إن مشروع الحوثيين لإعادة الإمامة والتغيير الطائفي والديموغرافي في اليمن يواجه تحديات كبيرة، من أبرزها الرفض الشعبي والسياسي من قبل العديد من اليمنيين الذين يرون في هذه السياسات تهديدًا لهويتهم الوطنية والدينية. كما أن التدخلات الخارجية، وخاصة من قبل التحالف العربي، تسعى إلى منع الحوثيين من تحقيق أهدافهم وإعادة التوازن في اليمن. وعلى الرغم من أن الحوثيين قد حققوا بعض المكاسب على الأرض، إلا أن مشروعهم يظل محط جدل واسع ومواجهة مستمرة، مما يجعل من الصعب عليهم تحقيق هدفهم في إعادة الإمامة أو إحداث تغييرات ديموغرافية دائمة في اليمن. أصبح الحوثيون يتحكمون في مصير البلاد من خلال استراتيجياتهم المتعددة التي تجمع بين الأبعاد الدينية والسياسية والعسكرية. ورغم الانتقادات والاتهامات التي يواجهونها، إلا أنهم استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم كجزء لا يتجزأ من المشهد اليمني. تبقى التساؤلات حول مستقبل اليمن تحت سيطرة الحوثيين، وهل يمكن أن يؤدي استمرارهم في السلطة إلى مزيد من الانقسامات الداخلية أم إلى حل سياسي شامل؟ 
ختامًا، يعد فهم دوافع واستراتيجيات الحوثيين أمرًا ضروريًا لفهم طبيعة الصراع في اليمن ومستقبله، خاصة في ظل التدخلات الإقليمية والدولية التي تزيد من تعقيد هذا المشهد المتوتر. يمثل مشروع الحوثيين تحديًا كبيرًا لمستقبل اليمن، سواء من حيث الوحدة الوطنية أو الاستقرار السياسي. ويظل الصراع الدائر في اليمن مؤشرًا على مدى تعقيد الوضع وتداخل العوامل الدينية والسياسية في تحديد مستقبل البلاد.