آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-11:20ص

عن أي انتصار يتحدثون؟ في مسيرة الخراب!

الخميس - 25 يوليه 2024 - الساعة 12:00 ص
سعيد الجعفري

بقلم: سعيد الجعفري
- ارشيف الكاتب



سعيد الجعفري

يتحدث الحوثيين عن نصر مزعوم، مسكون بوهم امتلاك القوة، وحيث لا دليل يلمسه المواطنين، عن واقع الانتصار الذي تحتفي به الميليشيات، ولا أساس منطقي او عقلي يقول أن كل ذالك الهراء يمكن احتسابه نصر أو قوة، في بلد يئن تحت وطأة المعاناة.

وفي لحظة غفلة من التاريخ استولت مليشيات مسلحة على مؤسسات الدولة وكل مقدرات البلد ، عقب انقلاب دموي مسلح، على النظام لتحول حياة الناس الى جحيم، وتملأ المدن دمارا ووحشية.

وبدا انها لم تكن لديها اي تصورات واضحة تجاه المستقبل، عن اليوم التالي من الانقلاب، سوى بما حملته معها من أوهام، وخرافات الولاية، والتمكين الالهي، والنصر الممنوح من الله،

وعلى أرض الواقع استمرت تعمل بنفس عقلية العصابات والمافيا والميليشيات المسلحة.

ومنذ تلك اللحظة للانقلاب يمر البلد في أسوأ حال، وكارثة انسانية،
بعد أن كان يزخر بالديمقراطية الناشئة، واستحقاقات انتخابية مكفولة في دستور البلد. ويصطف أبناءه أمام صناديق الاقتراع، للادلاء باصواتهم في انتخاب رئيس الجمهورية، ومحافظ المحافظة، وممثلي السلطة المحلية، ويقترع الشعب اليمني في عموم الدوائر الانتخابية في اختيار اعضاء مجلس النواب ايضا وفقا لمواعيد زمنية.

نعم ربما لم تكن التجربة الديمقراطية رائدة بما يكفي، لكنها قابلة للتطور أفضل، بعد أن حسم الشعب أمره باعتباره المصدر الوحيد للتداول السلمي للسلطة.

لكن مالذي حدث بعد الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014 م،

يمكن القول بانها الكارثة الحقيقة التي وقعت باليمن، واللعنة التي حلت باليمنيين .

أخذت معها البلد تتدحرج بسرعة نحو الهاوية، الى القاع، والعودة الى الوراء عشرات السنين، والخراب والدمار ينتشر في البلد، بسرعة الريح، ومساحة الدم تلون خارطة الجمهورية اليمنية، مع القادمين الجدد الميليشيات المُدججة بسلاح الدولة المنهوب من المعسكرات، وأموال الشعب المسروقة من خزانة البنك المركزي، وكل مؤسسات الدولة.

ولا شيء يبعث على التفاؤل، وأخبار القتل والدمار والدموع تتصدر نشرات الأخبار، وغاب معها الحديث عن الديمقراطية، ونظام الحكم الجمهوري، والمواطنة المتساوية، والحقوق والحريات، وصارت جميعها بسرعة شيء من الماضي القريب الذي يحن له الكثيرون الآن. ويتذكرونه بحسرة.

ولم تعد الصحف المحلية، تتصدر الأكشاك، واختفى الحبر المسال في كتابة الأخبار والرؤى، والمواقف المتعددة، بتعدد الأحزاب وتباين المواقف، وفي لمحة بصر كل ذالك صار ماضي، في عهد ما تسمى سلطة الأمر الواقع. التي استهدفت كل شيء، وفي المقدمة حرية الصحافة والتعبير، وأغلقت الصحف والمواقع الاخبارية ولاحقت الصحفيين وزجت بهم السجون. واعتقلت المعارضين، وخطت مرحلة جديدة من القمع، لتكريس لون واحد بالقوة على الجميع. ودشنت بداية عهد بائد متخلف، يعيد سنوات الجهل والظلام والجوع . رجعت معها اليمن عشرات السنوات الى الخلف،
حيث لا انتخابات ديمقراطية تتنافس فيها الأحزاب، ولا صحافة أو حرية التعبير، ولا تأثير لأحزاب او نخب، او حتى منظمات مدنية مستقلة، ولا صوت يعلو فوق صوت السيد وأزيز الرصاص.

في مرحلة اختفت منها جميع الألوان، وكتبت بلون الدم. في مدن أختفى منها الشهود، من توثيق الجرائم، التي ترتكبها الميليشيات كل يوم. بعد أن وضعت النظام والقوانين في ثلاجة الموتى، واعلنت بشكل رسمي تجميد العمل بالدستور النافذ للجمهورية اليمنية، الدستور الذي ظل يكفل كل الحريات، ويحافظ على جميع الحقوق، ويضمن المساواة والعدالة، ويعطي المرأة الكثير من الحقوق العصرية. ويكفل ايضا حق التعليم والصحة المجاني للجميع دون استثناء.

وغدت مناطق اليمن التي سقطت تباعا في قبضة الميليشيات، على موعد من التخلي عن وسائل التعايش، والتعدد السياسي، والاجتماعي، والثقافي، والديني، بمختلف المذاهب.
وهذا هو النصر الذي تتحدث عنه الميليشيات وضد من ؟ ضد شعب سلبت منه كل الحقوق .

اما عن البديل فهو جوهر المشكلة العميقة.

فقد كانت الخرافة التي جاءت بها، هي البديل عن كل شيء، ومشروعها الولاية المزعومة، وتقديمها بانها اختيار السماء، البديل عن اختيارات الناس، وبموجبها تعطي الحق فقط في الحكم لزعيم الميليشيات ابن النبي!؟، وامتداد الوحي! ووريث النبوة! .

في انقلاب واضح على الحقائق، ومفاهيم العصر، وايذانًا في الاحتكام للفوضى، القائمة على القهر، واعطاء السلطة المطلقة دون حسيب او رقيب لزعيم الميليشيات، وابرز مخرجاتها اعتبار المواطنين عبيدًا لسيد واحد . بدلا من كونهم مصدر السلطة الحقيقي في اختيار من يمثلهم عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع،

في وضع مريب يواصل الحوثي، فيه الحديث عن انتصارات، لا يرى منها الشعب سوى المزيد من الجوع، والذل والقهر، وتتدحرج الأوضاع أكثر نحو الهاوية وتستمر رغم كل ذالك الميليشيات في الاحتفالات، وسط شعب مسحوق فقد كل مقومات الحياة.
بينما تستمر مسيرة الدم نشر الخراب والدمار والقضاء على حاضر ومستقبل اليمن.