في آخر سنة 1972م تقريبا، إن لم تخونني الذاكرة... أنتقل لواءنا لواء عبود الى العبر. عدت الى الصحراء التي قضيت فيها (سنتين) وذكرتها في حكايتي مع فيصل رجب. عدت الى خشم العين..وقرون الذياب وشعب العفاريت، وزمخ ومانوخ ، وعفدين والعراقيب وخشم الجبل...جميلة هي الذكريات وخصوصا عندما تتذكر رجال يقضئ بها الديم كما يقال! الاستطلاع الاستراتيجي سليمان ناصر مسعود...يتيه في الصحراء عند خشم الجبل، وتنفذ عليهم ورفاقه المياه... ويضطروا لشرب ((بولهم)) ذهب الاخ سليمان وأخذ معه (20 جندي, وخرائط ومياه وبوصلة وكل مايحتاجه الاستطلاع في مثل هذه الظروف) ذهب إلى بحران وصعد هو ورفاقه في طائرة هليو كبتر.. ملاحها طيار موبي وأمره إن يتجه الئ خشم الجبل ومن خشم الجبل أتجه شمالاً الئ جوف الصحراء الموحشة وأمره بالهبوط. كان لايفصلهم عن قاعدة الشرورة الجويه غير (15 كيلو متر) الطيار كان ينخفظ في طيرانه ويكاد يلامس الكثبان الرملية خوفاً من لادار العدو تم الهبوط وطلب سرعة الخروج من الطائرة، خرجوا سريعا وصعد بالطائرة وعاد بها من حيث أتى وبسرعة شديدة. اكتشف سليمان إن أصحابه نزلوا بدون ماء ولا الاغراض الاخرى البوصلة والخارطة والمناظير ... الخ. ولا يوجد جهاز للاتصال مع الطيار الكوبي بل ((جهاز906)) يتصل فقط بنا قيادة اللواء جاءت أول برقية طوارئ وهي أقل درجة واحده من( ف ) الفوري في عرفنا اللاسلكي اتصل قائد اللواء ببحران وهو مطار في وادي حضرموت فيه مقاتلات ومروحيات بمثابة قوة اسناد للواء ووعدو أنهم سوف يرسلون نفس الطيار والطائرة لحمل المياه والغذاء والاغراض الأخرى. ذهب اليوم الثاني..ودار قريب من المكان ولم يتمكن من روؤيتهم لانهم مشوا وغيروا موقعهم..كانوا يتصلون بنا ويقولون نحن نراى الطائرة بس هو مايراهم... وكان خائف من اللادار السعودي يلتقط صورة لطائرتة...ثم عاد الى قاعدة بحران. لهيب الصحراء إرتفاع درجة الحرارة الى ((47 درجة)) والظمأ ولا وجود للظل جعل الجنود شبه مجانين حتى ان عامل اللاسلكي الذي ذهب معهم روى لي قصة مؤلمة ومضحكة في الوقت نفسه... قال: لقد تبولت في الزمزمية الذي فرق منها الماء ... بس كان بولي حار جدا ووضعتها في ظل من احدئ الكثبان...اريدها تبرد... كان يلاحظني واحد لابول لديه وأنا نايم على ظهري ومغمض عيوني.. جا وشرب بولي وزحفت علئ بطني وحاولت اشرب ولم اجد شيئا، ثم كان السب والعن ولا احد يكلمني! هذا في اليوم الثالث، كنا في العمليات ونسمع الاخ/ سليمان ناصر. عندما يطلب النجدة من القائد العظيم / مهدي باعزب، نهض ... عامل اللاسلكي [ العملاق الطويل جدا ] ـ عبدالله محمد عبادي المارمي ـ من الوضيع، وقال: أعطوني جهاز (906) وأطلعوني مع هذا (الحمار الكوبي) وانا باتواصل معهم من الجو وبا أشّر للطيار... نهضنا جميعاً، وكبّرنا، وقلنا: هذا هو الحل؛ لأن الطيار (3 أيام وهو يدور فوق المنطقة ومايراهم) وهم يصيحوا نسمعهم يسبوا ويلعنوا هذا الطيار الاعمى تحرك العامل والقائد الى بحران من أجل تنفيذ فكرة في الصباح ، وهذا العامل الله يرحمه ((قتل في احداث يناير)). في الليل أخبرنا سليمان... ولكنه أرسل برقية وداع مؤثرة جدا تقطع انياط القلوب... يطلب منا السماح ويوصينا بالصمود للدفاع عن الارض والعرض... تأثرنا حتى أننا ذرفنا الدموع!!! في الصباح الباكر طارت الطائرة نفسها والطيار نفسه الكوبي ومعه/ عبدالله عبادي المارمي، وكنا نتواصل معه ونتواصل مع ((سليمان)) الذي كان بالكاد يتكلم من شدة الظمأ بعد نصف ساعة سمعنا التواصل بين (سليمان وعبدالله) عبد الله يقول: هل ترون الايرة..؟ سليمان : نعم، نراها ! عبد الله: هي في شمالكم أويمينكم؟ سليمان: في شمالنا. عبدالله: أتجهوا يمين، كم تبعد منكم تقريبا . سليمان: حوالي( 5 كيلو ) نحن ملتفين نحن والضباط والأركان والجنود صامتين، بدأ الأمل بعد اليأس!!!! عبدالله: والآن يحاول الذي بايقدر يطلع ويؤشر من فوق التل! عبدالله: يصرخ بصوته الكبير والمميز أيوه أيوه نراهم بانهبط. تعانقنا نحن في العمليات وفرحنا حتى إن أحدنا خرج من الدفاع يرقص ويصرخ لبقية الجنود!!! سليمان : حيا سليمان حيا وأصحابه هبطت الطائرة لنقلهم أخبر قائد اللواء وهيئة الأركان في(عدن) بنجاح الجلاء وأمروا الطيار يتجه بهم إلى ـ عدن ـ ودخلوا مستشفى الجيش. وأعطوهم (15 يوم أجازه)...ثم عادوا إلينا، وكنا دائماً نمزح مع صديقي العزيز ضابط الاستطلاع وكنت اقلد صوته المبحوح العطشان وهو يتلوا برقية الوداع!!! وعادت الحياة تنتظم بايقاعاتها المالوفه في هذه الصحراء الرهيبة. تحية لك أخي/ سليمان نائب الرئيس الثاني/ لعلي سالم البيض، حينما أعلن فك الارتباط في عام 1994م ولا نداري. أين أنت؟؟؟ وتحية وإعجاب لرباطت جأشك أنت وجنودك الابطال!
