آخر تحديث :الأربعاء-16 أكتوبر 2024-11:42ص

برحيل فريد صحبي آفل آخر قناديل المدينة

الأحد - 17 مارس 2024 - الساعة 11:44 م
د. قاسم المحبشي

بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


الإعلامي المخضرم، فريد صحبي من ابناء مدينة عدن ابا عن جد تناقلت الأنباء وفاته يوم أمس بعد أن طلع من المستشفى الألماني لعدم قدرة عائلته سداد تكاليف التمديد والعلاج. الف رحمة ونور تغشاه ولا حول ولا قوة الإ بالله. عرفته قبل عشرين عام تقريبا في منزله. تلك كانت المرة الوحيدة التي التقيته؛ اعتقد كان ذلك بعد سقوط عدن تحت جحافل جيوش النهب وقبائل التدمير القادمة من الشمال في حرب صيف 1994م الغاشمة. كان وضعنا خانقا جدا في عدن تلك الأيام؛ احساس ساحق بالهزيمة والقهر والضيق والندم والعجز ولم نكن تعرف ماذا نفعل؟ كنا نجتمع لتناول أوراق القات بلا طعم ولا فرح بينما كان (الوحدويون) المسلحون القادمون من صنعاء ينهبون كل شيء تقريبا؛ المصانع والمؤسسات العامة والأراضي وكل ما تراه أعينهم أو تقع أيديهم عليه في البر والبحر والجبل، كانوا يجوبون الشوارع مدججون بالسلاح الثقيل والخفيف من الدبابات والمدفعية والأطقم والآليات والكلاشينكوفات والقناصات والخناجر الكبيرة ( الجنابي) والعسيب والسكاكين الصغيرة والمسلات الصغيرة والمخايط والملاعق والزنن واشياء أخر لا نعرفها في عدن الساحلية المدنية. كانوا في المساء يذهبون للبرع في شواطيء عدن العليلة؛ شاهدتهم في ساحل إبين في دوائر برع قبلي من حاشد وبكيل وصعده ؛ وعمران وذمار ؛ دوائر لا تعد ولا تحصى على مد الساحل بعد اجتياح عدن بعام واحد فقط ربما كان ذلك في عيد الأضحى المبارك عام 1998م . وحدنا نحن أهل المدينة الذين كنا نشعر بحالة ساحقة من الاغتراب المركب( اغتراب مدني ، ووطني، وسياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي وروحي ) احساس لا يفهمه الا من عاش تلك الأيام السوداء ك. كنا نحن الذين درسنا الفلسفة والعلوم الانسانية والاجتماعية وقرأنا كتاب الأمير لمكيافيلي وقرأنا زوربا ورويات أخرى نتنقل من مدينة إلى أخر ؛ ليلة نخزن في خورمكسر وليلة في المنصورة وليلة في العملاء وليلة في كريتر وليلة في الشيخ عثمان .الخ نحاول الهروب من انفسنا ونقعد في حيرة من أمرنا نضربها أخماسها في اسداسها ولا نعرف ماذا يجب علينا فعله .كنا نحن جيل الاستقلال الوطني قليلين الخبرة بمثل هكذا جوائح ومواقف قاسية فكان علينا البحث عن الذين يكبرونا في العمر والتجربة لاسيما الذين عاشوا في عدن أيام الاستعمار البريطاني ومنهم : المناضل الكبير صالح باقيس والأستاذ الصحفي المثقف فريد صحبي. قام أحد الزملاء الاعزاء بالتنسيق معه وحدد لنا موعدا فذهبنا اليه بحسب الموعد في منزله المتواضع في كريتر عدن إذ لم تخني الذاكرة. رجل ستين تبدو على ملامحه الحكمة والخبرة الواسعة. قابلنا بابتسامة الخبير الحليم في منزله المتواضعة وعلى مدى ثلاثة ساعات من تبادل الهموم والأحزان خرجنا من عنده بطاقة إيجابية على عكس ما دخلنا. قال لنا ما معناه: إن هذا الوضع الذي تعيشه عدن وضعا عابرا ولن يدوم وإن التاريخ لن يتوقف عند هذا الاجتياح الهمجي للمدينة وحدثنا عن تاريخ المقاومة الفدائية للاستعمار الإنجليزي في عدن
وكيف إنهم استطاعوا هزيمة الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس بريطانيا العظمى في بضعة سنوات. حدثنا عن أيام الكفاح المسلح ولكنه المح إلى اختلاف الوضع والسياق والاحوال ونبهنا من التهور بالمقاومة المسلحة بل اتذكر إنه نصحنا بالمقاومة المدنية وقال عليكم بالكتابة فالقلم هو سلاح ابناء المدن. اكتبوا فالكتابة مقاومة ورسالة وأثرها امضى من الرصاص.
كان ذلك اللقاء بالعزيز فريد صبحي هو الوحيد بالنسبة لي ولكنه كان مفيدا جدا وبالغ الأثر إذ اتذكر الآن أنني منذ ذلك الحين شعرت باهمية وقيمة الكتابة. حيث كتبت مقابلات في مختلف الصحف اليمنية .
على كل حال يعد المرحوم فريد صحبي من المناضلين الأوائل أيام الكفاح المسلح والمقاومة الفدائية ضد الاحتلال البريطاني في عدن وتم اعتقاله مع المناضل الفدائي المرحوم ابوبكر شفيق أول محافظ لمحافظة عدن بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م والمناضل المرحوم المحافظ طه احمد غانم. وربما كان الراحل فريد صبحي قناديل عدن الإعلامية المدينة المستنيرة إذ أسس صحيفة الزمان في عهد الاستعمار وتم إغلاقها بعد خروج الإنجليز كما تسنم نائب مدير مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والنشر والإعلام إما بعد اجتياح عدن في 1994م فقد تم تهميشه وإخفاءه عن الأنظار وبذلك يعد أول موت معنوي يتعرض له الراحل فريد صبحي رحمة الله عليه. لقد عاش عزيز النفس لم يفقد الثقة بالقيم والمبادىء الإنسانية المدنية التي كان يؤمن بها ولكنه ربما فقد الثقة بالبشر بعد إن شاهد بأم عينيه قدرتهم على التكيف والامتثال والمسايرة مع كل النظم والأوضاع حتى وان كانت ضد قيمهم ومبادئهم. يعد فريد صبحي من الفدائيين القليلين جدا ربما ثالث ثالثة أحدهم والأستاذ المناضل الوزير انيس حسن يحيى أطال الله في عمره والثاني المناضل الاستاذ محمد سالم باسندوه رئيس مجلس الوزراء سابقا أطال الله في عمره. نسأله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وآنا لله وإنا إليه راجعون. لك الله يا ابن المدينة التي تتناهشها الذئاب من كل حدب وصوب. رحّل الفدائي والصحافي الذي أحب وطنه دون إن يجد تكاليف العلاج في المستشفى. بينما هناك من هم في سن احفاده يعبثون بملايين الريالات ولديهم عمارات وعقارات في مدينة عدن حصلوا عليها ليس بعرق جباههم ولا من شقاء آباءهم وميراث أجدادهم بل استولوا عليها باسم النضال والهرجلة والثورة والوطنية والقروية والمناطقية والشللية والمحسوبية والنهب والفساد.
المرحوم فريد صحبي مات مرتين : موت معنوي بتهميشه وإهماله وعدم وضعه في المكان الذي يستحقه!إذ تعاملت معه السلطات المتعاقبة في عدن وكأنه لم يكن! فمعظم الإعلاميين الطارئين اليوم على الصحافة والإعلام في عدن لا يعرفون صاحب صحيفة الزمان فريد صبحي؛ وموت مادي بسبب الفقر والمرض. اي وطن هذا الذي يموت فيه اخلص أبناءه وكآنهم غرباء؟

ملاحظة لمن يهمهم الأمر؛ بحثت عن سيرة ذاتية للمرحوم فريد صبحي ولم اجد اي معلومات عن تاريخ ميلاده وحياته المهنية. لمن لديه سيرته الذاتية ينشرها أو يبعثها لي مع خالص شكري وتقديري.

قاسم المحبشي