آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-02:05ص

وَجْهِـيْ يـَسْتـدقُ وَيـَسْتـطيـلُ : أحْمدُ محفوظ ِعمرَ

الأربعاء - 31 يناير 2024 - الساعة 12:24 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


وَجْهِـيْ يـَسْتـدقُ وَيـَسْتـطيـلُ : أحْمدُ محفوظ ِعمرَ

مجيب الرحمن الوصابي

" - وَجْهِـيْ يـَسْتـدقُ وَيـَسْتـطيـلُ

- لا أفهـمُ الرمـوزَ ... اشـرحْ مـرَضك بـِلغةٍ مـفهـومةٍ"١ .


بهـذا الحـوارِ مـن " الوجه المـتحـرك " يـبـدأُ أحـمد محـفوظ عـمر بتـسجـيـل حـركة القـصة القـصيـرة الجـديـدة في الـيـمـن، والتي كانـت كالـمـرض الـذي تحـسـسه، لكـنه سـرعان ما انـتـشـر بعـد ذلك عـنـده وعـنـد بقـية الكـتاب. وقـصة " الوجه المتحـرك " هـي بـداية لمـنعـطف جـديـد في القـصة القصيـرة نسج عـلى مـنواله كثـيـر مـن القـصاص اليـمـنيـيـن ولا سـيما الشباب مـن جـيـل السـبعـينيات، فإذا كانت البداية في حسية اكتـشاف الواقع والتعامـل مع الأشـياء الظاهـرية أو الـرمـوز الظاهـرية للواقع بـوصفـها معالجة تـقـليـدية في الكتابة القـصصية، وما أنتج من أدب واقعي موضوعي ملتـزم، نجد أنفسنا الآن أمام إعادة اكتشاف الواقع وفـلسفـته بحـساسية جـديـدة ، الـواقع الـذي لا يـفرض عـلى الكاتب تصويـر الحياة التي يـعـيشها في وسـط مجـتـمعـه في ظل العـلاقات التاريخـية الطبيـعـية تصويـرًا آلـيًا ، ولكـنه واقع يـبـدأ ويـنـتهـي بالـذات ، واقع لا يـؤمـن بالآلـية ولكـن بالنـسـبية .

ونحـن الآن بصدد موقـف أسلوبي فكري جـديـد قـد "لا يـفهـم "، فهـو مـرض ــ عـلى حـد تعـبيـر القاص ــ لغـته غـيـر مفهـومة ؛ لأن فـيـها خـروج عـن التـقاليـد المألوفة المقـنـنة المحكومة بالمـنطق والعـقـل ، فالإغـراب في الوصف لـذلك الوجه المتحـرك ، الذي يخدش المعـيارية في القـصة بواقعـيتها – عـلى الرغـم مـن اتـكائه عـليـها – يـبـدو أسـلـوبًا جـديـدًا ولا يـتحـرج القاص في وصفه أنه قـد لا يـفهـم ، إذ إنه مكتـوب بلغة أخـرى لغة الـرمـز ذات الدلالة الإيحائية النفـسية العـميـقة ، التي تـتـمـثـل في لغز الإنـسان الأبـدي الذي صار لا يـعـرف نفسه فكيـف به وهـو يحاول أن يكـشـف لنا حـقائـق الآخـريـن ، هـنا نـبـدأ بمقارعة الواقع مـن خـلال الغـوص في أعـماقه ؛ كي تخـتـفي السطحـية والمـباشرة الوصفـية العادية للوقائع المعـتادة ، ومـن ثم يـبـدأ في اكتـشاف العالم مـن خـلال الذات نفـسـها "... وهـو غارق في لجـج ٍ عـميـقة مـن التأملات المتحـركة "2.


الحق يقال: لًوْ كان ثـمّة كاتبٌ يمـنيّ اجتمـعـتْ في تجاربٍهِ القـصصيّةِ المُتـنوعةِ المتجـددةِ، ما يَصْلُح مِـثالاً لتاريخـيّة القـصةِ في اليـمـنِ بـمـراحـلِها المخـتـلفة لكان "أحـمدُ محـفـوظ عـمر"، فالحـديـثُ عـن تـاريخِهِ القـصصي الخاصِ هـو حديـثٌ عـنْ تاريخِ القـصّة في اليـمـن؛ ولا ريـب في أنَّ مجـمـوعاته القـصصيّة المُتعاقـبة تـشكلُ ظاهـرةً؛ هـي عـلى وجه الـدقة مـرآة لواقع القـصة اليـمـنية حـتى نـهاية السـبـعـيـنيات، وهي في اعـتـقادنا جـديـرةٌ بأن تـُدْرَس وتـُدَرَّس، وتـُفـرد لها الأطـروحات والـدراسات.


وِلِهـذا قـلـنا: إنّ أحـمـدَ محـفـوظ عـمـر يـشـكّـلُ ظاهـرة تـسـتحـقُ الـدراسة، فهـو مـبـتـدئٌ حالمٌ، وهـو مـقـلـدٌ مـتـقـنٌ، ثـمَّ صار مـبـدعـًا مـجـدِّدًا... فحـيـن نـراه يـقـف ويكـون عـلـمًا مـن أعلام التـقـليـديـة الواقعـية في القـصة اليـمـنـية مع محـمَّـد عـبـد الولي وغـيـره، نـراه يـبـدأ بالنـزوع والانـفـكاك مـن التـقـليـدية، وهـذا هـو الفـرق بيـنه وبيـن أفـراد جـيـله.


مُحـمَّـد عـبد الولي على مكانتِه التاريخيّة في السرد اليمني وعـبـر رحـلـتهِ السرديّة وتجاربه الإبداعيّة يـُقـدّم لـنا رؤية سردية واحـدة مـنـذُ مـجـمـوعـته الـقـصصية الأولى، ولا يـضيـفُ شـيـئـًا إلى رؤيته الاجـتـماعـية – الفـلـسـفـية القـصصية بعـد ظهـوره الأوّل، وكلّ ما يـفعـله فـيـما بعـد هـو تـسـلـيط إضاءة عـلى بعض جـوانب هـذا العالم القـصصي المضاء أصلاً ككل، فالموضوعات المطروحة عـنـده تكاد تكون مكـررة في أبعادها الـدلالية الـرمـزية التي تـكاد تـتـمحـور في أبـعاد محـددة : الغـربة ، الأرض ، المـرأة اليـمـنية ، الحـياة الاجـتـماعـية المـتـأزمة.

والأمـرُ يخـتـلف عـنـد أحـمـد محـفـوظ عـمـر الذي ظهـرت لـه ثـلاث مجاميـع قـصصية، تـمـثـل كل مجـموعة مـنها مـرحـلة مـستـقـلة بأبعادها الفـنية و الـدلالـية ، فـ" الإنـذار المـمـزق "، المجـموعة الاولى، صدرت في أواسط الستـيـنيات وتـمـثـل مـن حـيـث الشكل والمضمون الاتجاه التـقـليـدي، والمجـموعة الثانـية "الأجـراس الصامـتة " ظهـرت في أوائـل (1974م) السبعـيـنـيات تمثـل المرحـلة الواقعـية، أما المجـموعة الأخـيـرة " يا أهـل هـذا الجـبل " وقـد ظهـرت عام 1978م وتـمثـل الاتجاه الرمـزي في القـصة اليـمـنية أصدق تـمـثـيـل ، وهـذا الاتجاه الذي يـقـوم عـلى العـناية بالأسـلـوب والمبالغة في تضخـيم الشخـصيات أو تحـقـيـرها مـن خـلال التحـول مـن الخارج إلى الداخـل ، وتحـول مـن الحـدث إلى اللاحدث وإلى اللغة الإيحائـية غـيـر المباشرة حـيـث الأبعاد الـدلالية الـرمـزية المقـروءة في الشكل والمضمون


ولعـله يصبح الآن مفـسـرًا اهـتـمامـنا بـ أحـمـد محـفـوظ عـمـر مـن خـلال مجـموعـته القـصصية " يا أهـل هـذا الجـبـل " التي مـن خـلال تـحـلـيـلـنا واسـتعـراضنا لبعـض قـصصها نأمـل أن نتـمـكن ربـما بشكـل أوسع مـن التعـرف عـلى أبعاد هـذا الاتجاه ، ومـن الإلمام بمكـوناته وطرائـقه الخاصة في عـرض أدواته الفـنية كـنقـطة جـلـية في تاريخ تطور القـصة القـصيـرة في اليـمـن .

فـفي هـذه المجـموعة نجـد فضاء التجـريـب يتسع ليـثبت ريادة في الابتداع يجاوز ما تم التواضع عـليـه مـن فـنيات وتـقـنيات تـتـسم بالجـمود، ونجـد أحـمد محـفوظ عـمر يـسعى لاخـتراع مسارب جـديـدة في تـقـنيات الكتابة القـصصية بعـد ذلك الاحـتـقان والجـمـود، فهـو يـرى أنه بـدأ يـتحـرك في مـسار جـديـد بـوجه جـديـد متحـرك ...



رحمة الله تغشاه


مجيب الرحمن الوصابي