آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-01:52ص


نحن والاستشراق الجديد

الخميس - 11 يناير 2024 - الساعة 10:05 م

أ.د. مسعود عمشوش
بقلم: أ.د. مسعود عمشوش
- ارشيف الكاتب


في مطلع سبعينيات القرن العشرين نظـّـم المستشرقونالغربيون آخر مؤتمر لهم (مؤتمر المستشرقين الدولي التاسع والعشرون - باريس 1974)،  إذ أنهم أعلنوا في ختامه فض قوام الكيانالتنظيمي الذي كان يجمعهم وينظم عملهم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.ويعود ذلك لأسباب عدة، ليس أقلها أهمية الجوانب الأمنية، التي جعلت إقامة العلماء والرحالةورجال الاستخبارات الغربيين في كثير من بلدان الشرق أمراً محفوفاً بالخطر. وقد أدىانتهاء مرحلة الاستشراق العلمي التقليدي القائم على علماء موسوعيين وأساتذةمرموقين إلى بروز (استشراق معاصر)، تديره معاهد تزعم أنها علمية وإنسانية، ومؤسساتاستخباراتية غربية توظف أكبر عدد ممكن من أبناء الشرق نفسه، وتأطيرهم ضمن المراكز البحثيةومعاهد التعليم والتدريب والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، الغربية والمحلية،وتكليف الأفضل من منتسبيها للكتابة عن بلدانهم ورفد المؤسسات الغربية، العلميةوالاستخباراتية، بشتى أنواع المعلومات، وذلك من خلال الدفع المباشر، أو تمويلالأبحاث، أو تحت مسمى دعم بعض المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية والتعليميةوالإنسانية المحلية.

وكم هي كثيرة المعاهد والمنظمات الغربية فيبلادنا. ومن اللافت أن عددا منها استطاع فعلا أن يعمل بالتعاون مع مؤسساتناالحكومية بما في ذلك الجامعات. فخلال عقد التسعينيات كان المعهد الأمريكي للدراساتاليمنية في صنعاء يطلب المشاريع البحثية بالتعاون مع نيابات الدراسات العليا والبحثالعلمي في جامعاتنا. وتتضمن معاهد اللغات الأجنبية آليات لاختيار أفضل الطلبةوالباحثين لمواصلة أنواع محددة من الدراسات (فقط) في الغرب.

وقامت المعاهد الأوروبية المختلفة بتقديم تمويلسخي لكثير من الباحثين (في الغالب هواة وبحاجة للمال) لإنجاز بحوث وأوراق بسيطة عنموضوعات لا تمت بالتنمية في بلادنا بصلة، مثل الحجاب وختان المرأة واليهود...الخ.والأدهى من ذلك كله أن بعض تلك المؤسسات قدمت تمويلا، نقديا أو في شكل جوائز ومنحبل وميداليات، لعدد من المبدعين في بلادنا لكتابة روايات وقصص قصيرة تعالج قضايااضطهاد المرأة والانحراف الجنسي والمثليين واليهود. وكم هم كثير حقا المبدعونالذين تسابقوا على كسر التابوهات والسياسية والجنسية والدينية، ومهدوا للتطبيع معاليهود. وبفضل ذلك قطفوا المال والجوائز والميداليات و....

 وفيالحقيقة، اعتماد الأجانب على المعلومات المستقاة من السكان المحليين يعدُّ ظاهرةًقديمةً نوعاً ما؛ فكثيرٌ من كبار مستشرقي القرن التاسع عشر اعتمدوا على معلوماتمقدمة من طرف ثاني في كتاباتهم عن الشرق أكثر من اعتمادهم على البحث الميداني، أوالاحتكاك الفعلي بالسكان المحليين بشكل عام. فعدد من الباحثين الأجانب يكتفون،خلال نزولهم الميداني، بالتواصل مع المخبرين والعلماء والموثقين المحليينللاستفادة مما لديهم من معلومات شبه جاهزة. وبالنسبة لحضرموت، تحديدا، هذا ما فعلهالكونت السويدي لاندبيرج، وروبرت سرجانت الذي ارتكزت معظم دراساته على كراساترحيّم، أو وليندا بوكسبرجر مع المؤرخ جعفر السقاف والمؤرخ عبد القادر الصبانوغيرهما.
ومن أبرز المستشرقين الذين كتبوا عن حضرموت اعتمادا على معلومات مستقاة من طرفثاني: المستشرق الهولندي فان دن بيرخ الذي كلفه الحاكم العام لجزر الهند الهولنديةفي باتافيا [جاكرتا حاليا]، سنة 1881، بإعداد دراسة مفصلة عن العرب المقيمين فيالأرخبيل الهندي. وفي سنة 1886، قام بيرخ بنشر نتائج دراسته في كتاب وضعه باللغةالفرنسية وأسماه (حضرموت والمستعمرات العربية في الأرخبيل الهندي). وعلى الرغم منأن فان دن بيرخ لم يزر أبدا حضرموت فقد كرس الجزء الأول من كتابه (حضرموت الموطنالأول لعرب الأرخبيل الهندي) لوصف حضرموت التي كانت حينئذ لا تزال تعد إحدىالمناطق المجهولة في شبه الجزيرة العربية بالنسبة للأوروبيين. وقد قام المؤلف بجمعمعلومات كثيرة عن حضرموت من عدد من المهاجرين الحضارم في باتافيا ومدن الأرخبيلالهندي الأخرى في نهاية القرن التاسع عشر بطريقة منهجية قام بشرحها في مقدمةكتابه، وذكر أن أبرز مخبريه كانوا: عبد الله بن حسن بابعير والسيد عثمان بن يحيى.وقد ظل ذلك الجزء من الكتاب لفترة طويلة المرجع الوحيد عن حضرموت، واعتمد معظمالرحالة الذين زاروا حضرموت . ويحتوي القسم الثاني من الكتاب على كثير منالمعلومات المتعلقة بنشأة المستوطنات والسلطنات والجاليات العربية في الأرخبيلالهندي، وحياة المهاجرين الحضارم والمولدين في إندونيسيا وسنغافورة، وطباعهم،ومصادر دخلهم، ومواقفهم وتطلعاتهم السياسية، وتأثيرهم الاقتصادي والسياسيوالاجتماعي والديني في بقية السكان، واندماجهم وسط السكان المحليين، ولغتهم، ويعداليوم أهم مرجع للقيام بأي دراسة اثنولوجية اجتماعية أو تاريخية للعرب الحضارم فياندونيسيا. وقد قمنا بنشر ترجمة كاملة له في كتابنا (حضرموت والمستوطونات العربيةفي الأرخبيل الهندي) سنة 2020.