آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-12:30ص


صباحات أبي

الأربعاء - 13 ديسمبر 2023 - الساعة 09:30 م

علي الخضر العجرة
بقلم: علي الخضر العجرة
- ارشيف الكاتب


تمر السنين ، وتتعاقب الأيام  ، يأتي صباح ، من بعد صباح ، لكنها مجرد صباحات باهته ، لا  تشابه صباحات أبي ، فصباح أبي لا يضاهيه صباح .

مضى ما يقارب عقداً من الزمان ، على رحيله ولا زالت تلك التهليلات ، والتسبيحات التي يبدأ بها يومه ، عالقة في مسامعي ، فحين يعلوا بها صوته ، كنت أعلم يقيناً ان الفجر قد أقترب ، وماهي الا لحظات ، حتى  يرسل اول خيوطه ، ناسجا طيفاً من البياض ، على لوحة الليل الحالك .

 كان لذلك الهدوء حكاية عشق فريدة ، يمتزج  فيها السكون ، مع قعقعة  أعواد الحطب ، وحسيس النار الدافئة التي أعتاد أبي ان يوقدها ، وهو ينتظر  موعد الصلاة ، فيحمل دلت الوضوء ، ومن مصلاه الترابي  يجهر بما تيسر له ، كان لتلاوته حلاوة ، يكتسب منها الصباح رونقه الجميل ، وحين يتجه أبي الى مجلسه ،  تبدأ طقوسه المعتادة في تحضير المداعة ، فكانت حبات الجمر ، وموقد النار  ، واعواد التبغ ،  ودلة الشاي ، والقهوة  ، حاضرة في المكان .

 يراودني الحنين لتلك اللحظات ، التي غالباً ما يروي لنا فيها حكايات عن الأسلاف ، والأعراف ، ويستعيد فيها شئ من المواقف  والاحداث التي عاشها وعايشها ، فتبرز الحكمة تارة ،  وتحضر الكوميديا  في لحظات كثيرة ، وحينها ، يتسلل النور رويداً رويداً ،  ليميط اللثام عن تقاسيم وجهه ، فتبرز تلك البقعة الترابية التي ارتسمت في جبهته من أثر السجود ، وكأنها قبلة الأرض التي احبها واحبته .

 كان أبي في صباحاته مبتسماً رغم بساطة حياته ، متفائلاً ، قنوعا ، حسن المزاج ، وصافي الذهن ، تشعر وانت في مجلسه ، بان  للعطاء ، والسعي ، والعمل ، موعد يتيم ، لا يحضر الا في ساعات الصباح الأولى.

 غاب أبي ، وعاد الصباح ، لكنها وان تتابعت ، لم تعد الا صباحات باهتة ، لا تشابه صباحات أبي.