آخر تحديث :الأربعاء-16 أكتوبر 2024-11:54ص

هدى علوي.. المرأة التي حفرت أسمها في ذاكرة المدينة

الأربعاء - 11 أكتوبر 2023 - الساعة 08:12 م
د. قاسم المحبشي

بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


 

لا ادري ما الذي جعلني احتفظ بتلك الذكريات ، منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما؟ هل أسمها الجميل أم نصها الاجمل؟ أو ربما كاريزما خاصة بها؟ عرفتها عبر الأثير ، برنامج صباح الخير يا وطن، اذاعة عدن التي ادمنت على سماعها منذ الصغر. ربما كان ذلك في منتصف العقدالسابع من القرن الماضي. كنت فتىً مراهقا في سلطان العمر ، لحظة تفتق الذات وتدفق الاحلام الكبرى وفي أوج الطاقة والحيوية والفرح والأمل. في تلك الأيام كانت عدن الساحلية، عاصمة دولة عربية مستقلة اسمها ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) دولة ملى السمع والبصر نالت حريتها لتوها من الاستعمار البريطاني الذي مكث فيها أكثر من قرن من الزمن. خلالها تمكنت بريطانيا من إعادة تشكيل مدينة عدن على صورتها الحداثية الحديثة بما جعلها أشبه بجزيرة الأحلام المعزولة عن محيطها في جنوب الجزيرة العربية شديد التخلف على كل المستويات الحضارية والثقافية والمدنية. إذا كانت المدينة اشبه بوردة يانعة في صحراء قاحلة. شهد ميناءها ازدهارًا ملاحيا وتجاريا بحيث غدا ثاني ميناء في العالم وفي سياقه ازهرت مظاهر الحياة المدنية الحديثة على مختلف الأصعدة ففيها تأسست أول وكالات التجارة فضلا عن خدمات البنية التحية الكهرباء والماء والمدارس والمستشفيات والمطارات والتخطيط العمراني الحديث والموصلات والاتصالات والبريد والبرق والهاتف والإذاعة والتلفزيون والصحافة وغير ذلك وهذا ما جعلها سيدة الأحلام عند أناس ذلك الزمان:
عدن عدن يا ليت عدن مسير يوم 
شاسير به ليلة مشرقد النوم.
ربما كانت حداثة ومدنية عدن العاصمة وبالا عليها إذ لم يشهد التاريخ حالة مماثلة لمدينة دفعت ثمن مدنيتها وتقدمها وازدهارها من دمها ولحمها.وحينما رحل الاستعمار البريطاني منها في 30 نوفمبر 1967م تسلم أمرها ثوار الجبهة القومية وجبهة التحرير بهدف تحرير السيادة الوطنية وبناء دولة المواطنين الأحرار فكان الواقع التاريخ أصعب بكثير مما توقعه الثوار وهذا من طبيعة الثورات التي استلهمت نموذج الثورة الفرنسية العنيفة. وصف زعيم الثورة الفرنسية روسبير :«هذا التيار المهيب للحمم البركانية التي تقذفها الثورة، والذي لا يوفر شيئاً، وما من أحد يمكنه إيقافه» وهكذا حملت الثورة بوصفها أحداثا نادرة الوقوع - نسبياً، ولكنها هامة من الناحية التاريخية، يتم خلالها قلب النظام السياسي والاجتماعي كلية. وذلك باستخدام وسائل عنيفة عادة، ثم يتم إعادة بناءه على أسس جديدة بقيادة جديدة - حملت ثقافتها الايديولوجية العابرة للتاريخ ومن ذلك الطبقات والصراع الطبقي والعنف الثوري المنظم و «الحتمية التاريخية ومزبلة التاريخ وغير ذلك من ثمار شجرة الارمول بلا جذور! التي جرى استنباتها في اراضي لم يتم تمهيدها للزرع والثمر . كان الحماس الثوري بما يشيعه من سحر رومانسي هو الغالب في لحظة التي كان يجب أن يختفي؛ لحظة تحويل الثورة إلى مؤسسة  سياسية جامعة للكيان الوطني؛ مؤسسة المؤسسات الحامية والضامنة للناس والسيادة التي تتعين وظيفتها الحيوية التي تشبه وظيفة الأم البيولوجية بوصفها الأرض والوطن والأمن والأمان والغذاء والاشباح والحماية والحب والحنان والرعاية والاهتمام بكل مواطنيها بدون تمييز والفرق بين الأم والدولة يكمن في كون الأولى مفطورة على الأمومة ولها قلب وعيون والثاني مؤسسة مدنية جامعة بحكم الدستور والقانون الذي ليس له قلب أو عيون وهذا ما يؤمن المساواة والعدالة بين مواطنيها. فأنا تكون مواطنا في دولة حقيقية فهذا يعني حصولك على جميع الحقوق الآدمية مقابل القيام بواجباتك الوطنية منذ أن تولد حتى تموت؛ حضانة وتربية وتغذية وصحة وتعليم ورياضة وعمل وسكن ومعيشة كريمة وحماية قانونية ومعاش تقاعدي وأشياء كثيرة أخرى لا يعلمها الا الذين خبروا العيش في دول مدنية سليمة ومتعافية. أما نحن فقدر مرت حياتنا ولم نراها أو نعيشها فما أقسى العيش بدون دولة في عالمنا المعاصر إذ ليس هناك ما هو أفدح من كارثة يمكنها أن تصيب الأفراد والجماعات والشعوب  بافدح من خراب دولتهم وضياع سيادتهم وعجزهم عن بناء بيتهم السياسي المشترك.  ومن الاخطاء القاتلة التي وقعت فيها النخب السياسية اليمنية اليسارية واليمينية هو الخلط الغبي بين الثورة والدولة. ثمة فرق كبير بين الثورة والسياسة ,اذ ان حضور الأولى يعني غياب الثانية؛ الثورة حلم جماعي وفعل اجتماعي جماهيري عفوي أو هادف  ضد وضع سياسي لا يطاق بينما السياسة وممارستها , على العكس تماما من الثورة وقيمها , انها فن الممكن , السياسة نشاط نخبوي عقلاني تحكمه قواعد لعبة مختلفة عن قواعد لعبة الثورة. الفعل السياسي يعني العيش المشترك للناس في كيان مدني منظم سياسيا بالدستور والقانون سيد الجميع وفق مبدأ قوة الحق لا حق القوة وهذا هو ما تخفيه الثورة والسياسة دائما بحسب روجيس دوبريه في كتاب نقد العقل السياسي. تلك الاختلافات بين المجالين لا تعني غياب أي علاقة ترابطية بين الثورة والسياسة، بل لابد من الاشارة الى ان  العلاقة بين السياسة والثورة هي من طبيعة جدلية، بمعنى وحدة وصراع الاضداد، الذي يعني هنا  ان الثورة تشترط  وجود السياسة بوصفها دافعا وغاية ، اذ ان الثورة لا تقوم إلا ضد وضع سياسي وبتحفيز منه وهي ثانيا سعي دائم من أجل اعادة بناء أو تأسيس المجال السياسي، والثورات ليست من الضرورات الحتمية، بل حالة اضطرارية ، فاذا استطاعت السياسة ضبط الشأن العام بما يؤمن الحياة الكريمة للإنسان ؛ العدالة والحرية وتكافؤ الفرص والعيش الكريم والأمن والأمان والتنمية والسعادة ، فمن المحتمل أن يكف الناس عن الثورات والخروج والعصيان ، ويحل بدلا عنها اتساع الامال والبحث عن الدعة والنماء والأعمار، ولا تدوم الدول الا بعدل صحيح وأمن راسخ وأمل فسيح . كما كتب ابو الحسن.
والخلاصة أن الثورات ليست غاية بحد ذاتها بل هي وسيلة الضرورة القصوى لإعادة السياسية إلى بيتها وتأسيس الدولة في مجالها المستقل. فحينما تعجز السياسة عن القيام بوظائفها الأساسية تحدث أزمة فاذا عجزت النخب السياسية عن ادارة الأزمة وحلها وتجاوزها بطرق سلمية فعالة تندلع الثورة وحينما تعجز الثورة عن تأسيس السياسية في مجالها المستقل إي الدولة المدنية العادلة تنشب الحرب وتضيع الثورة والدولة والسياسية والوطن والسيادة.
وهذا هو الحال والمآل الذي وصلنا اليه الآن بعد أن عصفت بنا سلسلة متناسلة من الأزمات والحروب الأهلية في عدن وصنعاء فأصبحنا وأصبح الملك لله والسماء للطيور! وهنا نحن نطل اليوم على الذكرى الستين لذكرى ميلادها الميمون أقصد الثورة وليست زميلتنا الرائعة هدى. وحتى لا نظلمها أقصد ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة ١٩٦٣م  فمن الحق الاعتراف بأنها غيرت المجتمع تغييرا إجتماعيا وثقافيا جذريا لاسيما في الأرياف التي كانت تعيش في كيانات سياسية تقليدية منعزلة. مع الثورة وبعدها تغير كل شيء في الجنوب بعكس ما جرى في الشمال التي احتفظت بمؤسساتها التقليدية ولم تتحول إلى دولة نظام وقانون للمواطنين بوصفهم جمهورا أو شعبا. وربما كان الانجليزي بول دريش في دراسته (اليمن: الإئمة والقبائل.. كتابة وتمثيل التاريخ في اليمن الأعلى) قد استطاع القبض على جذر مشكلة السلطة وعصبيتها التقليدية في اليمن الشمالية إذ كتب قائلاً: " أن منطق التطور التاريخي والعلم الاجتماعي أثبتا بأن القبيلة هي حلقة أدنى في سلم التطور الاجتماعي وهذا لا ينطبق على اليمن (الشمالي).. فإذا كانت القبائل تنتهي بطريقة ما إلى دولة، فإن الدولة غالباً ما تتحول هنا إلى قبائل وقد تتعايشان معاً على مدى مراحل طويلة إن الأفراد الذين يتكون منهم الشعب يشكلون بطريقة ما جمهوراً لم يكن ولن يكون بمقدور القبائل تشكيله" ومن المؤسف أن القوى التقليدية اليمنية والحديثة تشاركت في تدمير مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة الوحيدة في جنوب الجزيرة العربية في عدن بوعي أو بدونه ولكنها بذلك مهدت السبيل لعودة المؤسسة التقليدية الطائفية في اليمن بعد أن عجزت النخب السياسة التي تسلمت الأمر بعد رحيل بريطانيا العظمى في حفظ المدينة والمينا وتطويرها.

كانت هدى الحريري في ربيع عمرها حينما سمعت أ سمها ذي الرنة الموسيقية الساحرة؛ سمعته في برنامج أذاعي صباحي (صباح الخير يا وطني)  بصورت المذيع الشاب محسن محمد. كان ذلك في صبيحة أحد أيام شتاء ١٩٧٨م وكان البرنامج معني بقراءة أجمل النصوص الشبابية الإبداعية التي نشرت لتوها في صحف ومجلات محلية . كانت هدى تنشر نصوصها المتنوعة في القصة القصيرة والسياسة والثقافة والأخلاق والقانون وقضايا المرأة والتربية والتعليم وغيرها تنشرها  في عدد من الصحف والمجلات الصادرة في مدينة عدن العاصمة ومنها مجلة فنون الصادرة عن وزارة الثقافة  إن لم تخني الذاكرة. كانت تلك اللحظة بالنسبة لجيلنا الذي ولد مع الثورة هي لحظة ثورية بامتياز وكنا نستلهم الإبداعات الثورية الأتية من كل مكان ومنها : كيف سقينا الفولاذ وفارس الرمال  والحلم القادم والأم وعبدالناصر  وجيفار وبابلو نيرودا وجيفارا وغير ذلك من الرموز الحالم. مازلت اتذكر تلك الكلمات المجنحة التي جعلتني اتسمر وأنا استمع اليها من اذاعة عدن الحبيبة برنامج صباح الخير، كلمات مفحمة بالحلم والأمل والثقة بالذات وبالمستقبل . جاء فيها: 
على هذه الأرض التي تضم رفاة أسلافنا... على هذه الأرض التي رويت بدماء شهدائنا .. وفي هذه الأرض التي سقيت بعرق جباه آباءنا ..  مات الذي عاش دون أن يشك بان الفجر صالح لكل الأعمار، وأن الشمس تشرق كل يوم من جديد وأن الحرية تنتزع بارادة الأحرار ولا تمنح للعبيد. حينما مات فكر بالولادة وكتب تلك العبارة: هنا غرست شجرة الحياة التي سوف تنمو وتزهر وتثمر بالألف الرجال والنساء الأحرار؛ أطباء ومهندسين وتجار  وفلاسفة وعلماء ومعلمين ورجال دين وكتاب وصحفيين وسياسين ومثقفين وشعراء وفنانين  وصيادلة وعمال وفلاحين وعسكريين ومن كل الاختصاصين والأجيال هم وهن من تزهر بهم شجرة الحياة؛ حياة الأوطان ويزهرون على أغصانها بألف وجه ووجه من الجمال الفتان. وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة. استمعت اليها وأنا اطّير من الفرح بما حملتها من شحنة ايجابية صباحية جمعت بين الأحلام الثورية والمشاعر الرمانسية التي كانت تمدنا بالزاد الروحي في واقع شديد البؤس والتخلف حين ذاك .  قرأ المذيع ذلك النص الفخم ونطق في أخره أسم كاتبته ( هدى علي علوي الحريري) من سماعي لكلماتها الكبيرة تخيلتها سيدة مثقفة في منتصف العمر ولم أكن اعلم بأنها موهبة شابة صاعدة واعدة من جيلي الذي شاء له القدر أن يولد في زمن الحرب العالمية الباردة واحتدام الصراع بين اتجاهين أيديولوجيين كبيرين وقوتيين عالميتين هما؛ الرأسمالية  تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية والاشتراكية يمثلها الاتحاد السوفيتي الروسي الاشتراكي. كنا نقع ضمن نطاق المعسكر الاشتراكية وبهذا كان يتم تشكيلنا أيديولوجيا وسياسيا وثقافيا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان التعليم هو أهم المجالات التي يراهن عليها في إعادة التشكيل إذيعد التعليم أهم المؤسسات الحيوية المخولة بإعادة إنتاج المجتمعات وتمكينها وتطويرها بما تقوم به من وظيفة تكوّن الأجيال الجديدة بتربية وتنمية العقول ونقل الخبرة وحفظ المعرفة وتداولها، وذلك بحسب رؤية فلسفية مدركة أو مضمرة عن النخبة المعنية بأمر تسويس المجتمع وتدبيره. والمؤسسة التربوية التعليمة هي تكوينية بالأساس، إذ تنهض بمهمة تصميم وتشكيل وتمكين النمط الثقافي المرغوب في مجتمعٍ من المجتمعات. على كل حال كان لذلك النص الفخيم والأسم الجميل (هدى الحريري) أثرا في نفسي ظل عالقا في القلب والذاكرة حتى جمعتنا الزمالة في الجامعة بصاحبته. منذ ذلك الصباح الحميم وأنا احرص على متابعة برنامج صباح الخير يا وطني الذي كان يقدم صباح كل خميس إذا لم تخني الذاكرة! وقد تكرر سماعي لاسمها وكنت أتمنى أن التقي بها وجها لوجه في مدينة عدن التي أحببتها واحببت أهلها وقيمهم المدنية الراقية . التقينا عام ١٩٨٥في فناء كلية الحقوق ، قصر السلطان فضل العبدلي في كريتر عدن وهو من القصور التي أممتها الثورة!  هدى جاءت من مدينة عدن الصغرى البريقا التي ولدت بها في كنف عائلتها ،والبريقة هي  خلاصة مدنية عدن وثمرة حداثتها الأنضج وأنا قادم من خورمكسر حيث أدرس وأسكن في كلية التربية العليا بجامعة عدن حي السعادة. كنت في سنة ثانية في قسم الفلسفة وعلم الاجتماع بينما هدى كانت في سنة أولى كلية الحقوق، قسم القانون الجنائي. هناك في الرزميت ( الخليج الأمامي عدن) التقينا لأول مرة. إذ ذهبت بدعوة من صديق  وأخ عزيز كان أصغرنا سنا ولكنها ذكي جدا إذ جاء الأولى على دفعته في كلية الحقوق. صديقي الذي احتفظ باسمه هو من استقبلني في بوابة قصر السلطان المؤمم  فاحالته الثورة إلى كلية حقوق وتلك مفارقة منطقية لم ينتبه اليها أحد😳 على كل حال أخذني صديقي الذكي في جولة سريعة بردهات القصر الكلية وحينما وصلنا إلى قاعة محاضراتهم الواسعة قال لي: أعرفك عن الزميلة هدى الحريري التي طالما وحدثتك عنها. مددت يدي مصافحا وقلت له: هدى التي كنا نستمع إلى كلماتها في برنامج صباح الخير يا وطني؟ قال: نعم، هي عينها بزينها! فتاة عشرينية مفعمة بالنشاط والحيوية رحبت بي بحفاوة راقية ودعتنا لشرب الشاي في كافتيريا الكلية ومنذ تلك اللحظة صرنا أصدقاء ومازلنا حتى اليوم منذ عام ١٩٨٥م كنا نلتقي في فعاليات المجلس المركزي للطلاب وأسابيع الطالب الجامعي وتخرجنا وتفرقت بنا السبل بسبب الحروب والأزمات السياسة العامة ولكنني كنت اجدها بعد كل عاصفة ثابتة الجاشة كما عهدتها في بداية أمرها.
أنا وكثيرون من الزملاء والزميلات اثرت في الاحداث والانكسارات العامة المؤسفة واصابتنا بالإحباط والقلق والاكتئاب بينما ظلت هدى الحريري بعكس ما يوحي أسمها المرهف الحس والمعنى، شديدة المرأس قوية الارادة والإصرار والتصميم ولم تفقد الأمل أبدا في جدوى مسعاه بالتنمية والتنوير وهذا هو ما تحقق لها حقا وفعلا وجعلنا نكبر في نظري كل يوم. إذ لم أراها يوما إلا وهي تشع ايجابية بابتسامتها الوقورة حتى في احلك الظروف والاحوال. اكملت الماجستير والدكتوراه في جامعة عين شمس بالقاهرة وعادت من أم الدنيا متفاءلة وتسلمت رئاسة
مركز المرأة للبحوث والتدريب منذ ٢٠١٠م في لحظة اضطراب سياسي وأمني بالغة السوء والتدهور ورغم ذلك جعلت من المركز مؤسسة أكاديمية بالغة القيمة والاهمية في تطوير برامجه ووظائفة باستمرار إذ استطاعت أن تحدث فرقا شاسعا في نشاط وعمل المركز ومخرجاته حيث تخرج على يديها عشرات الباحثات والباحثين في شؤون المرأة والتعليم والتنمية من حملة الماجستير والدكتوراه. وقد كنت شاهدا على بعض نشاطات المركز الأكاديمية وقد اصدرت مجموعة من الدراسات والبحوث المهمة منها: 
بحث في المساواة بين الجنسين وبحث في الإسلام وحقوق المرأة ودراسة دور المرأة في بناء السلام في اليمن وقراءه في الخطاب الإسلامي المعاصر حول المرأه ودراسة عن تثمين عمل النساء في اليمن أثناء النزاعات وتقديم المساعدات في يونيو 2023م. ولما كنت مهتما بالدراسات النسوية في المنطقة العربية فقد لفت انتباهي نشاط الزميلة العزيزة هدى الحريري فعملت دراسة علمية بعنوان ( فرص وتحديات برامج الدراسات الأكاديمية النسوية العربية تجربة مرأة البحوث والتدريب بجامعة عدن أنموذجا) عام ٢٠١٧م إذ كتب حينها ما يلي:
" تنطلق فرضيتنا الرئيسة من أن الدراسات النسوية العربية حققت نتائج قابلة للقياس على صعيد إدماج النوع الاجتماعي في البرامج الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي بالدول العربية وتعد تجربة مركز المرأة للبحوث والتدريب بجامعة عدن أحدى المراكز التي يعتد بها في هذا المجال. وسوف نكرس دراستنا هذه لبحث واقع البرامج الأكاديمية في مراكز دراسات النوع الاجتماعي في المجتمع العربي. من حيث عدد الساعات ونوعية المساقات وجودتها الأكاديمية ومخرجاته. فكيف هو واقع البرنامج الأكاديمية في مراكز دراسات النوع الاجتماعي في البلاد العربية ؟ وكيف يمكننا تقييمها علميا وأكاديميا؟ وماهي المعايير التي يمكن الاعتماد عليها في التقييم؟ وماهي العراقيل والمعوقات التي رافقت نموها ؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ في ضوء تجربة الدراسات النسوية بجامعة عدن؟

إذ يعد مركز المرأة للبحوث والتدريب بجامعة عدن، الثمرة الناضجة لنضالات الحركة النسوية العدنية في جنوب اليمن التي تمتد الى اكثر من سبعة عقود ذلك ان الحركة النسائية اليمنية التي انبثقت اولى ارهاصاتها في مدينة عدن في نهاية الاربعينات وتطورت لتصبح حركة نسائية منظمة بعد تأسيس جمعيتي المرأة العربية والعدنية للنساء في منتصف الخمسينات استطاعت ان ترتقي بالمرأة في هذه المدينة الحضارية وان تنشر الوعي بين صفوف النساء وان تؤكد للملا ان للمرأة حقاً مثل الرجل في التعليم بمستوياته كافة وفي كافة مناحي الحياة الاخرى منها حقها في العمل خارج البيت وفي مزاولة النشاط السياسي والحزبي والتنظيمي من خلال الاندماج والمشاركة في كل الاستحقاقات الوطنية والتنظيمية، والمذهل بان عدداً ضئيلاً من النساء قاد هذه الحركة النسائية الاولى في الجزيرة والخليج العربي فمن لا يعرف رقية محمد ناصر وسعيدة باشراحيل وماهية نجيب ونبيهة علي حسن ورضية احسان الله وفطوم سالم علي وناريمان وصافيناز خليفة وليلى الاعجم وفاطمة فكري وغيرهن من نسوة الجنوب المبرزات، علماً بان البعض من هؤلاء النساء الفاضلات فتح بيوته في بادئ الامر لممارسة مختلف الانشطة الاجتماعية ولم تكن هؤلاء الفاضلات يترددن لحظة في الانفاق على هذه النشاطات والفعاليات من مالهن الخاص، يدفعهن الى فعل ذلك حبهن لوطنهن ورغبتهن في المشاركة الفاعلة الى جانب الرجال في بناء الوطن وتطويره. بداية المرأة العدنية بالتعبير عن نفسها وإنما بأسماء مستعارة كاستخدامهن أسماء:بنت البلد – المحجبة – النملة – فتاة الجنوب – أم البنات )) بالإضافة إلى استعمالهن أسماء ذكورية حتى يتفادين الدخول في مشاكل مع رجال الدين والتيار المتشدد في عدن وأتخذت النساء في عدن من هذا الأسماء الطريقة المثلى في التعبير عن أرائهن والدفاع عن قضاياهن بأنفسهن وكتبن العديد من المقالات والقصص والأشعار وحتى شاركن في مسابقات القصص القصيرة التي كانت تطلقها إحدى الصحف . كما تولت النساء في هذا المرحلة مهمة الأشراف وإعداد صفحة المرأة في بعض الصحف . مثل: السيدة ماهية محمد جرجره ــ الشهيرة بماهية نجيب ــ التي تولت إعداد وأشراف على صفحة المرأة (ركن المرأة) في صحيفة (( اليقظة)) ــ صدره في يناير عام 1956م ــ والتي كان يملكها أخوها السيد عبد الرحمن محمد جرجره. وكانت تكتب تحت أسم مستعار هو (( بنت البلد )) حتى لا يعرفها أحد، وفي أغسطس من نفس العام تحولت إدارة الصفحة لهانم جرجرة – ابنة أخيها الأكبر محمد جرجرة- وكتبت أيضاً تحت اسم مستعار (هـ . جرجرة) وكما أدارت السيدة أم البنات صفحة المرأة في صحيفة القلم العدني. إلى أن ظهرت صحيفة نسائية تعني بشؤون المرأة والأســرة في عــدن والجزيرة العربية والمغرب العربي إلا وهي صحيفة (( فتاة شمسان . وهنا بدأت المرحلة الثالثة وظهر ت الصحافة النسائية بصورة رسمية في عدن بظهور صحيفة (( فتاة شمسان في الأول من يناير عام 1960م وكانت صاحبتها ورئيسة تحريرها السيدة ماهية نجيب متحدية بذلك جميع العراقيل والآراء المعارضة لها والعادات والتقاليد التعسفية بحق المرأة.
شهدت هذا المرحلة تأسيس اتحاد نساء اليمن عام 6 فبراير 1968م وهو لسان حال المجلس المركزي لاتحاد نساء اليمن. وأصدر الاتحاد مجلة تعنى بالمرأة والأسرة أطلق عليها اسمه (نساء اليمن) صدر العدد الأول منها في مارس عام 1975م، وكان عدداً خاصاً للمشاركة في المؤتمر العالمي الثالث (لمناهضة العنف ضد المرأة) المنعقد في المكسيك، ركز العدد على تبني الإنجازات القانونية لليمن الديمقراطية وبشكل خاص قانون الأسرة الصادر في يناير عام 1974م، والقوانين التي تضمن المساواة للمرأة في العمل والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ناقشت المجلة أيضاً العديد من القضايا التي تهم المرأة كأساليب التربية الحديثة والتعامل مع الأطفال. الخ. ورغم التراجع الذي شهدته الحركة النسوية اليمنية بسبب الوحد وما تلاها من أزمات وحروب، الا أن نخب النساء في اليمن لم يفقدن الأمل في استأنف العمل إذ سعن الى تأسس مركز المرأة للبحوث والتدريب عام 1998 م بقرار من مجلس جامعة عدن رقم( 25  ) في دورته الثالثة لعام 1998 م ونص القرار بأن يعامل المركز ككلية أكاديمية ويمثل بمجلس الجامعة ويسعى لتحقيق الاهداف التالية: 
1- إعداد البحوث والدراسات في مجال النوع الاجتماعي وتنظيم الدورات التدريبية وجمع ورصد وتصنيف البيانات والإحصائيات والمعلومات الخاصة بالمرأة والطفل والأسرة. كما يهدف إلى العمل التعاوني مع المؤسسات من خارج الجامعة.
2- تطوير مناهج كليات الجامعة من خلال إدخال مفاهيم النوع الاجتماعي في مساقات الكليات وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وفتح برنامج الماجستير المرتبط بدراسات النوع الاجتماعي والدراسات النسوية.
3- المساهمة في تطوير وتحسين وضع المرأة في المجتمع اليمني وتعزيز مشاركتها.
4- العمل على نشر ثقافة إسلامية تعزز قيم المساواة بين المرأة والرجل وتؤكد على إرساء الإسلام لمفهوم العدالة المجتمعية.
5- المساهمة في تحليل السياسات واقتراح البرامج التي من شأنها تحسين وضع المرأة من خلال إجراء الدراسات والبحوث لتطبيقية.
6-الإسهام في تطوير مناهج كليات الجامعة من خلال إدخال مفاهيم النوع الاجتماعي في مساقات كليات الجامعة.
7- تعزيز قضايا التمكين الأكاديمي للنوع الاجتماعي في الجامعة وكلياتها.
8- المساهمة في تحليل تيارات النوع الاجتماعي وتقديم الخدمات الاستشارية للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في قضايا النوع الاجتماعي.
9- البحث عن منح دراسية عليا للأكاديميات في مختلف التخصصات ذات الصلة بقضايا المرأة.
10-  تشجيع وتجميع وترجمة الأبحاث المرتبطة بقضايا المرأة في اليمن بدرجة رئيسة والوطن العربي والعالم بشكل عام لتشكل أساس لمكتبة متخصصة بشؤون المرأة.
11- التعاون مع الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة في الدراسات النسوية والنوع الاجتماعي وخلق علاقات توأمة معها.
12- تنظيم الندوات وورش العمل والمؤتمرات لمناقشة مشكلات المرأة وبحثها وتعميم نتائجها.
13- إنشاء نظام معلومات عن قضايا العائلة بشكل عام والنساء بشكل خاص على ربط هذا النظام بالشبكة المعلوماتية المماثلة في الداخل والخارج.
14- تنظيم البرامج التدريبية في مجال النوع الاجتماعي والتي تخدم المرأة والأسرة والمرتبطة بقضايا التنمية في المجتمع اليمني.
يتكون مركز المرأة من أربعة أقسام( قسم الدراسات والبحوث التطبيقية وقسم التدريب وقسم المناهج والدراسات العليا وقسم المعلومات والتوثيق) ويتكون برنامج الدراسة من الدبلوم والماجستير، إذ يمنح دبلوم الدراسات العليا في النوع الاجتماعي والدراسات النسوية. يمنح دبلوم الدراسات العليا فقط لمن يجتاز بنجاح امتحان الدبلوم أياً كان تخصصه الدراسي في المرحلة الجامعية وكذلك لمن حصل على أقل من درجة جيد. درجة الماجستير في النوع الاجتماعي والدراسات النسوية. تمنح درجة الماجستير لكل من أستوفي شروط تسجيل رسالة الماجستير المحددة في اللائحة التنظيمية للمركز وبعد مناقشة الرسالة العلمية وبنجاح أمام لجنة المناقشة والحكم. ومدة الدراسة في الماجستير عام أكاديمي من فصلين، يتم استنهاج المساقات التالية. لا يتسع المجال لإيرادات هنا. 
فكان مما لست أذكرة
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر