آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-07:50م


الحرب إذا طالت..

السبت - 10 سبتمبر 2022 - الساعة 07:49 م

علي المحثوثي
بقلم: علي المحثوثي
- ارشيف الكاتب


أخطر مافي الحرب إذا طالت تطبيعُ أوضاعها وآثارها، حتى يألفها الناس، وتكون ظاهرة طبيعية معتادة، فيألف الناس مشاهد القتل وأشخاص الفساد، ومظاهر التخلف، وضعف التعليم أو غيابه، وتنصيب غير المؤهل، والإغتيالات، والبسط والتعدي على حقوق الناس، والتحريض الديني، والتحريش السياسي، والعبث الخارجي، وتموت حينئذ غيرة الضمير العامة عند الناس مع تكرر الأحداث دون أن يحركوا ساكنا، أو يسكّنوا متحركا ممايستحق الوقوف في وجهه من ظواهر الحرب المدمرة وآثارها العميقة، فالمجتمع الحي لايألف الباطل، ولايطبّع آثاره.
كما أن أخطر مافي الحرب إذا طالت أنه بطول فترتها تتوسع رقعة آثارها، لتصل إلى كل شيء في جغرافيتها، وهنا يدب التغير في المجتمع، في العادات والقيم والأخلاق والنفسيات والمظاهر، وحال يتمكن التغير من هذا العمق المجتمعي، فإن الناس حينئذ يدخلون على زمن آخر، زمن مابعد الحرب، وتكون الحرب أشبه بالفترة الإنتقالية، والمخاض العسر الذي ينقل الناس من وضع إلى وضع، وهنا تبدأ حرارة الذكريات للزمن الماضي، وإن كان قريبا، فإذا فاحت رائحة الذكريات، فالناس حينئذ دخلوا على مرحلة جديدة، ولعل هذه المرحلة هي التي قصدها العرب بقولهم: يتغير الزمانُ بتغيّر السلطان، وهي أيضا بعض ماعناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لايأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه.

.وأخطر مافي الحرب إذا طالت أيضا أن تخرب مصالح الناس وسبل عيشهم وأسفارهم، مما يجر على الناس خراب نفسياتهم ودمار أمزجتهم، وهنا تكثر حالة التأفف والتوجع والتأوه وضرب الأكف ببعضها، وانتشار ظاهرة تحديث الناس لأنفسهم، وعدم إطاقة بعضهم بعضا، وتنطلق الكلمات أحيانا شبيهة بالرصاص، ويصاب كثير منهم بحالة من الشتات النفسي وفقدان البوصلة، واضطراب المواقف، وهنا يحتاج الناس لأجل التوازن النفسي:
. اعتزال أخبار الحرب نسبيا، وإشغال النفس بأي عمل نافع، وكثرة ذكر الله والدعاء حتى يطمئن القلب وتتوازن النفس وينضبط التفكير {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

ومن مصائب الحرب إذا طالت: انتشار الفقر، وتعطل دوائر الدولة الحيوية الاقتصادية، ورحيل رأس المال بحثا عن الأمان، وظهور رأس مال جديد، يتضخم بسرعة فائقة، وتنطلق أرباحه في سرعة الضوء ربما، يصاحب ذلك بروز طبقة متخمة كانت عادية قبل الحرب، وليس إلا أنهم الطبقة المستفيدة من الحرب، وهم أحد أقطابها، سواء ظهروا كمشاركين فيها أم لم يظهروا علانية، وهم صورة من قول المتنبي: مصائبُ قومٍ عند قوم فوائد.. 
وإذا صارت مصالح الناس بيد هذه الطبقات الجديدة، أساؤا المعاملة، وأضروا بالناس، وأخلوا بالأمن الإقتصادي، والإجتماعي أيضا، وذلك بسبب النقلة السريعة من الفقر أو الحالة العادية إلى الغنى المفرط، وهذا يدعو إلى الطغيان {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}، وهذه الظاهرة تبرز عند كل أطراف الحرب، لاعند طرف واحد فقط.

ومن مصائب #الحرب إذا طالت: أن موازين القيم والثقافة والفكر تختل في المجتمع المتحارب، وتضطرب قوانينها، فتظهر حالة من التفاهة والفوضى وبروز من لاقيمة له قبل ذلك، تسبب في ذلك غياب سلطة الدولة والعقل الاجتماعي، والحكمة الدينية، وتغييب صوت الوعي والفكر والكلمة الحرة، وبحث الناس عن حالة من تغيير النفسية وتلطيفها ولو بالتفاهات، بخلاف المجتمع المتماسك اجتماعيا المحافظ على قوانينه وعاداته، والذي إن ظهرت حالة من الفوضى والتفاهة حاربها ونابذها حتى يمحيها أو يضعفها.
وحالة التفاهة الناتئة في مجتمع الحرب لاتقتصر على زاوية معينة، بل تنتثر في ميادين الثقافة والشعر والعسكرة والسياسة، فترى التافهين شعراء ورجال دين وفكر وساسة وربما قادة، ورجال إعلام ومتصدري مجالس.