آخر تحديث :الجمعة-20 سبتمبر 2024-12:20ص
أدب وثقافة

قصة قصيرة.. الوزير الفاشل (الجزء الثالث)

الخميس - 19 سبتمبر 2024 - 07:50 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة.. الوزير الفاشل (الجزء الثالث)

كتب/ احمد السيد عيدروس:

كان دخان السجائر التي أشعلتها دون شعور يملأ مكتبي ويشكل غيمة كئيبة تنذر بعاصفة ستحل قريباً فلأول مرة منذ بداية كتابة هذه القصة أشعر بغضب و أفكر بجدية كيف أتخلص من شخصية في روايتي فقد كانت شخصية الوزير الفاشل بائس القمري تعكر حياتي فعلاً ، أخذت قلمي وناديت على بائس القمري من العدم و قلت له أدخل واغلق الباب خلفك و أجلس هناك في الزاوية ، وبعد أن جلس في تلك الزاوية المظلمة التي اخترتها له بعناية والتي تجعلني لا أراه فقط اسمع صوته ، قلت له تحدث عن وصولك للعاصمة وعن عملك مع عاموس اليهودي و سكنك في منزله.
انتظرت أن يجيب لكنه تأخر لقد كان يخاف من الظلام فالظلام الذي لاحقه في طفولته يملأ مخيلته ، كنت اسمعه يرتجف في تلك الزاوية المظلمة لكني لم أشفق عليه فقد كان شيطاناً في جسد إنسان فما صنعه لا يغتفر فلا تزال الجثث تتكدس حتى اليوم من مرض الجذام الذي انتشر بسبب عطره المستورد والذي لم يكن عطر مستورد بل خلطة صنعها هو بيده وكان يعلم أنها خلطة قاتلة ومع هذا استخدمها لينتقم بها من سكان العاصمة.
وبعد أن أدرك بائس القمري اني لا اريد أن أرى وجهه وهو يتحدث ، أخذ نفس عميق فنهض الشيطان الذي في داخله وبدأ يتكلم بعد أن زال عنه رهاب الخوف من الأماكن المظلمة ، أخذ يتحدث وقال وصلنا العاصمة عند الفجر وكان ذالك أواخر الربيع من العام 1888 وكانت العاصمة شيء من الخيال لم أرى في حياتي مدينة بهذا الشكل كانت هناك حدائق من الزهور المعلقة على جدران المنازل فالناس في العاصمة يعشقون الزهور و روائحها العطرة ولهذا كانت تجارة العطور في العاصمة مربحة.
أكمل بائس القمري حديثه وقال أخذنا نسير في طرق العاصمة وازقتها حتى وصلنا الى بيت من الطين وكان بيت العم عاموس اليهودي ، فتحت لنا الباب شمس ابنت العم عاموس وكانت تبلغ من العمر عشر سنوات لكنها تتوقد ذكاء وتنظر إليَّ بتوجس وكأنها تريد أخباري بشيء لم اكترث لها فقد كنت مرهق من السفر فذهبت لإنام في إحدى زوايا البيت وكان الظلام يعم أرجاء البيت فالبيت لا توجد فيه أي نوافذ وكأنه زنزانة لا ترى أي منفذ لضواء الفجر أو أشعة الشمس.
بعدها اطفئ العم عاموس الانوار ، فذهبت في نوم عميق على سجادة من عسف النخل وماهي الا ساعة حتى ايقضني العم عاموس وقال لقد أشرقت الشمس و سنذهب للسوق لتتعلم بيع العطور التي تأتي من الهند قلت ولكنك قلت لي انك ستأخذني إلى قصر الملك كي اعمل في إشعال مصابيح الطرق ، التفت إليَّ وقال ليس اليوم ثم اقترب مني وقال يجب أن تكمل عملك و تعود للبيت قبل غروب الشمس ولا تتحرك من زاويتك هذه إلا بأذن مني ،
واستمر الحال على هذا المنوال فترة من الزمن ولاحظت أن في البيت شخص آخر يسكن غير العم عاموس وشمس ابنته وكنت أرى ظلاله تتحرك في المنزل وكنت اجد قطرات من الدم في المنزل وكأن شخص ينزف باستمرار مع أن العم عاموس وشمس ليس بهم شيء من الجروح ،
وساد عندي اعتقاد أن بيت العم عاموس مسكون بروح شريرة تمتص دماء البشر وتترك خلفها قطرات من الدم لتعرف طريق العودة ،
وفي ليلة من الليالي سمعت شمس تهمس في اذني وتقول أنقذ أختي سِفيف ، فقمت مذعورا فأنا لا اعلم بشأن هذه الأخت ولماذا أخفى علي العم عاموس هذا الأمر وفجأة أسمع أنين من خلف باب القبو هذا القبو لم يكن أحد يدخله إلا العم عاموس كان الأنين ليس لإنسان بل لشيطان مسخ فأنا أعلم كيف تتألم الشياطين كنت اعلم أن العم عاموس سيغضب أن أطلقت هذا الشيطان ولكن شمس كانت تترجاني وتقول أنقذ أختي سِفيف فهي ليست شيطان أنها أختي التي أكل الجذام لحمها ولم يبقى سوى العظام وقليل من العصب قالت شمس يا بائس ارجوك اريد أن أراها فهي لم تخرج من القبو منذ ماتت أمي قبل عامين عندما سمح أبي لأختي أن تخرج من القبو لتلقي النظرة الأخيرة على امي ، ولكني حتى حينها لم أراها فقد أقفل علي أبي باب المخزن و حبسني فيه حتى عادت سِفيف إلى القبو.
قبضت شمس على يديَّ ونظرت في وجهي وقالت أتوسل اليك اريد أن أرى أختي سِفيف قبل أن تموت و تتحلل جثتها في بركة القبو فقد سمعت أبي يخبر امي بهذا قبل أن تموت ، ثم إنهمرت الدموع من عيني شمس فأشفقت عليها ، وقلت حسناً لكن سانزل أولاً وحين اناديك ستنزلين ثم حذرتها إياك أن تنزلي للقبو قبل أن انادي عليك ، قالت أعدك.
كان العم عاموس ينام في الطبقة العلوية فقلت في نفسي سالقي نظرة على القبو ولن يشعر العم عاموس بشيء ، فقلت لشمس احضري مصباح قالت لا فالضوء يحرق أختي سِفيف قلت حسناً ومشيت نحو القبو وفتحت الباب ونزلت عدد من السلالم لا اتذكر كم عددها ولكنني كنت أشعر اني انزل الى بئر وحين وصلت رأيت ظل سِفيف ويالتيني لم أراه فقد كان ظل لمسخ لا شيء فيه يدل على أنه انسان ، كانت سِفيف مادة خام لأسوأ مرض سيصيب البشرية.
قربت مني سِفيف وهمست في أذني أنقذني يا بائس وأشارت إلى بركة كبيرة تفوح منها رائحة الموت كانت مكدسة بالجثث فأدركت أني لم أكن أول من نزل إلى هذا القبو فقد نزل الكثير لكن لم يخرج منهم أحد....

يتبع في الجزء الرابع الوزير الفاشل بائس القمري يضع خطة لينقذ سِفيف ،
وكيف انتشر الجذام بين سكان العاصمة فأصبحت خاوية على عروشها