ينص دستور الجمهورية اليمنية ، و القوانين ذات الصلة على استقلال السلطة القضائية المطلق ، كما نصت على حظر الإنتماء السياسي للقاضي ، فالأصل ان القضاة لا سلطان عليهم إلا سلطان القانون ، ولا انتماء لديهم إلا الإنتماء للحق والعدل ، وهذا لن يتأتى إلا بوجود قضاة أكفاء لا يتبعون طائفة و لا حزب ولا جماعة ولا مليشيا ، ولا تنظيم سياسي ، ولا يعملون تحت ( مظلة ) أي طرف سياسي .
واقع الحال أثبت أن كل هذا الكلام الجميل في كثير من الأحوال مجرد حبر على ورق ، كلام للاستهلاك الإعلامي، يتشدق به ممثلي السلطة التنفيذية لتلميع أنفسهم، وللتغطية على الخروقات الفجة التي يتم من خلالها انتهاك الإستقلال القضائي ، و هذا في ظل صمت مخزي ، بل ومباركة من القيادات القضائية التي لا هم لها إلا المحافظة على الكرسي وزيادة أرصدتهم البنكية ، ومنح أقاربهم والمقربين منهم مناصب ، وامتيازات ، ودرجات قضائية . الأمر الذي أدى إلى السقوط المدوي لركن من أركان الدولة وتعطيل أعماله ، وحرمان المواطن من حق بسيط جداً وهو اللجوء للعدالة .
الآن .. وبعد تشكيل المجلس الرئاسي انتظرنا بداية الغيث ، وكان التعيين لمنصب النائب العام من نصيب القاضي قاهر مصطفى رئيس نيابة عدن (سابقا) ، وعضو مجلس القضاء الأعلى، ومستشار النادي الجنوبي ، النادي الذي أعلنها صراااحة أنه يعمل تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي بحسب تصريحاتهم .
لا خلاف حول نزاهة المعين في منصب النائب العام ولكنه مجير سياسياً، ففي ذات الوقت وبعنجهية سياسية مفرطة _ و ما آراها إلا غباء سياسي _ يبارك المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان ناطقه الرسمي تعيين النائب العام .
وطالما وأن المجلس الانتقالي حصل على نصيبه ، فسيكون الحق لبقية المكونات السياسية من إصلاح ، اشتراكي ، ناصري ، ...الخ المطالبة بنصيبهم
من الكعكة ، لاسيما وأن من هذه المكونات من شارك الانتقالي في ذرف دموع التماسيح على تعيين النائب العام السابق المخالف للقانون ، والذي بلا شك هو تعيين مخالف للقانون ، ولكنهم تناسوا و غضوا الطرف عن كل القرارات والتعيينات السابقة المخالفة للقانون والتي ضربت مبدأ الإستقلال القضائي في مقتل ، و قصدوا ذرف دموعهم ، و إصدار بياناتهم المنددة عقب إتفاق الرياض حتى تدخل السلطة القضائية ضمن المحاصصة السياسية .
من الذي أعطى الحق لأي مكون سياسي أن يرضى أو يسخط على التعيين في منصب قضائي ؟ !
من الذي منح الحق لأي مكون سياسي أن يطالب بنصيبه من السلطة القضائية؟ !
من الذي منح الحق لأي مكون سياسي أن يتدخل في أعمال السلطة القضائية ويغلق مقراتها بواسطة القوة المسلحة ؟ !
ألا تخجلوا ..
ما يمارس بحق السلطة القضائية، ويمس استقلالها صلف عجيب و الاعجب أن التلويح والتلميع للمجيرين سياسياً قائم بمزيد من المناصب و التعيينات !
أعلم أن المنتفعين ، وطبالين الزفة سيشنوا هجومهم المعهود ، وسيلحقوا بي كل إتهاماتهم السياسية السخيفة ، فأقول لهم مقدماً قولوا ما شئتم فلا يهم ، الأهم هو مصلحه العدالة ومصلحة الوطن الغائبة عنكم منذُ عام 2015 م .
اعلموا .. أن القضاء المجير قضاء تابع ، قضاء يخدم سيده ولا يخدم الحقوق ، ولا يحافظ على الحريات ، ولا يحقق عدالة ولا يعمر وطن .و سيكون ما يحدث جنوباً هو ذات الشيء الذي يحدث شمالاً من تعيينات بحسب الإنتماء و الأصل .
وليعلم المجلس الرئاسي أن رضوخهم هو استمرارية إنهيار وطن ، ودليل واضح انهم لم يأتوا للإصلاح والبناء ، وستتحطم كل آمال وأحلام المواطن بقضاء مستقل على صخرة الواقع الذي فرضه المجلس الرئاسي .
وليعلم المجلس الرئاسي أيضاً أنهم سيسنوا سنة ما سبقهم بها من أحد ، وهي ضرورة وجود حامل سياسي لكل قاضي كفء و مستقل ليكون له الحق في التعيين في مجلس القضاء الأعلى .
وأخيراً .. فليعلم المجلس الرئاسي أننا ما نريد منهم إلا صلاح حال هذه السلطة عبر تعيينات بعيدة كل البعد عن المحاصصة السياسية ، وإلا فليتركوا المجلس كما هو عليه فهي مخروبة مخروبة فلا فرق .. و حسبنا الله ونعم الوكيل .
القاضي .د/ رواء عبدالله مجاهد