"إذا كنت تريد ان تفهم الحرب فلا تنظر إلى القادة الابطال العظام على قمم القلاع او في سجلات الخالدين، بدلا عن ذلك انظر مباشرة الى عيون الجنود العاديين والناس البسطاء، وأن مآسي الحرب وتجاربها البشعة جسدتها الروايات اليمنية المعاصرة"
بتلك العبارات قدم الباحث مجيب الرحمن الوصابي أستاذ النقد والحضارة في جامعة عدن والجامعة اللبنانية الدولية مداخلته في جامعة قرطاج في الندوة التي نظمها فريق " الخطاب وأنماط مقارباته" في المعهد العالي للغات بتونس وحمل عنوان (الخطاب والحرب) يوم الأربعاء 24 ابريل 2024 باستعراض تاريخي لسرديات الحرب اليمنية راصدا التحولات في السرديات والأنماط محللا سيميائية رقصتي البرع من شمال اليمن والعِدة من جنوبه في بداية المداخلة والتي هي رقصات (حربية) بامتياز كما يقول، وهي رواسب ثقافية تراثية ذات دلالات رمزية قتالية صارخة، مستعرضا سرديات النقوش اليمنية المسندية التي تمثل خطابا حربيا إيكولوجيا ويشكل ما نسبته (70) في المئة من مجمل النقوش المكتشفة محللا بعض الألفاظ التي مازالت تستخدم الى يومنا في اللهجة الدارجة اليمنية والتي تزكيها سرديات ( التيجان وملوك حمير ) وسيرتهم في الغزوات والبطولات وغزوات التبابعة للعالم وخصوصا الملك عبد شمس بن يشجب بن يعرب الملقب بسبأ والذي تزعم السرديات الشفهية أنه أول من سبأ النساء، ليستنتج ان تلك السرديات كانت توثق للحكام والملوك ويقول " سرديات الحرب في اليمن عتيقة ممجدة للبطولات والقادة والتضحيات، حروب مقدسة خاضها السبئيون والحميريون، ويظهر القادة الملهمين المباركين من السماء والكهنة في النقوش المسندية ...
واليمن تاريخها ممتلئ بالحروب والاثنيات وقطع الرؤوس والصلب والنهب، تاريخ مشتعل بالدم منذ الملوك التبابعة الى سيف بن ذي يزن وعلي بن الفضل القرمطي وتاريخ الحروب الدويلات الوسطى، وقال الوصابي
حتى تلك المآسي في القرون السابقة حاول الروائيون اليمنيون المعاصرون تجسديها مثل رواية ( هجرة الشمس وقش ) للمرحوم وليد دماج ، التي اجتهد الروائي في تمثل الاحداث برواية من المستحيل ان تتطابق مع الواقع والاحداث فالمسافة زمنية قد تعيق التمثيل للواقع لكنها تنمي التخيلات ، مختتما مداخلته بالإشادة بالرواية اليمنية المعاصرة للحرب والتي أخذت على عاتقها تجسيد الالآم والمعاناة والقهر والجوع وكل نتائج الحرب المقروءة "مقروءةٌ في خرائبِ الأرواح قبل المدن، مشاهدة في ألعاب الأطفال، والليلة الأولى لأمّ ثكلى، بيتٍ شرّد أهلهُ القصفُ، باع الإنسان اليمني الأخيرُ أطفاله، أعضاء جسده، الجوع كافر! لا ضميرَ له ولا دين". وان هذا الصوت الجديد هو فعل مقاومة وحرب ضد الحرب، ويقول الوصابي مختتما " هناك ثلاثة أوضاع للتعامل مع الحرب رئيسية وهي ان تقبلها او تنكرها او أن تحاربها، ومن واجبي ان أفكك خطاب الحرب في اليمن لأجل السلام.