آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-10:35ص

موجة غلاء مدمرة، ورواتب متعثرة

السبت - 27 نوفمبر 2021 - الساعة 02:29 م

عبدالله ناصر العولقي
بقلم: عبدالله ناصر العولقي
- ارشيف الكاتب


أخبرني صديق لديه أسرة عددها كبير نوعا ما، بأنه قبل يومين من استلامه راتب الشهر الحالي، وأثناء قيامه بترتيب بعض الأوراق القديمة في خزينته بالمنزل، عثر على ورقة تضم قائمة بالحاجيات الشهرية لأسرته من المواد الغذائية وبعض مواد التنظيف، والتي اعتاد أن يجلبها حينما يقبض راتبه الشهري وذلك قبل سنوات الحرب، وفي يوم استلامه للراتب قرر أن يتناسى الاجتياح السافر لغلاء الأسعار والذي عبث بصفاء الحياة، فذهب بهذه القائمة للبقالة القريبة من منزله، وحين سلمها للبائع، ألقى الرجل نظرةً عليها، ولم يقم في الحال بتحضير المطلوب كعادته، بل أنشغل بخوض عملية حسابية مع تلك القائمة، وعند انتهائه، اطلعه على حصيلة ما يجب دفعه، فقال لي صديقي، عندما شاهدت إجمالي المبلغ، شعرت بهزة كهربائية يسري تيارها في جسدي، ووجدت نفسي أحدق بنظري في واجهة البقالة كي اتيقن من وجودي في البقالة، ولم أكن قد طرقت معرضا للذهب والمجوهرات، فمثل هذا المبلغ، قبل الحرب لم يطلب مني في أي بقالة أو سوبر ماركت إلا حين قصدت محل ذهب ومجوهرات لشراء عقد ذهب لابنتي!، ثم أردف صديقي قائلا ، وقد تركت القائمة في البقالة وخرجت وأنا أتحسس جيبي وأحدث نفسي، بصوت مسموع وأقول إن حقيقة ما أحمله في جيبي هو قزم هزيل لراتب ولا يُحسب براتب !.

لست ادري هل حكاية صديقي واقعية، أم أنها من تأليفه، وحتى إذا لم تكن حقيقية، فقد هدف من خلالها، طرح قضية الغلاء الفاحش، لذا لا يهمني التحري من صدقها، بقدر ما يعنيني أنه كان صدوقا بعكسه صورة واقعية لشدة اضطرام نار الغلاء في وقتنا الراهن، وكذلك وصفه الدقيق لمدى هشاشة راتب الموظف أمام غلاء الاسعار اليوم، ذلك الراتب الذي لم يتغير شكلا، ولكنه تغير جوهراً.

لا شك أن الحالة المعيشية صعبة جدا وتنفطر القلوب حزنا على ما بلغته في المحافظات والمناطق المحررة، فتهاوي العملة، أدى إلى رفع منسوب مرارة كأس الغلاء حتى وصل إلى مستوى يستحيل استساغته.

ومع ذلك، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة، تجرأت الحكومة وامتنعت عن صرف رواتب ما يقارب من ثمانية أشهر خلال هذا العام، عن منتسبي القوات المسلحة والأمن، فأي ضمير عند هذه الحكومة التي تمتنع عن أداء واجبها الوطني والأخلاقي، وتقطع الراتب الذي يصنف اليوم بالقزم الهزيل، عن فئة العسكريين معظم شهور العام!!؟.

ليس جديدا تخاذل الحكومة وعجزها عن صد المحن المعيشية التي تحيق بشعبها، أو على الأقل تخفيف مرارة الغلاء، ولو بصورة تدريجية، وصرف الرواتب المتعثرة بصورة تدريجية أيضا.

رغم أن الانهيار الخطير العملة يعتبر كارثة بكل المقاييس، ومع ذلك، آثرت الحكومة الصمت، أو أقرت بانهزامها، فلم تتصدى للكارثة، فالعملة مستمرة في التدحرج إلى الأسفل، وهذا الخطير يستدعي لوقفة شجاعة من رئيس الدولة والحكومة، وسعيهم بطلب مساندة الأشقاء بدول الخليج العربي وتقديم الدعم المالي، وعليها بالتوازي مع ذلك، اتخاذ إجراءات صارمة وقوية لاجتثاث منابع الفساد، ووضع معالجات دقيقة لشتى العوامل والمسببات المسؤولة

عن انهيار العملة، فالوضع اليوم أكثر قتامة، وتكاد تنفذ ذخيرة الشعب من الاحتمال، فلن يستمر وجوم الناس طويلا، فإذا لم تنفتح سبل لانفراجة قريبة، فلا مفر من أن يسلك الشعب سبل أخرى لحماية نفسه من أهوال الجوع وقساوة متاعب الحياة، وقد بدأت تلوح في الأفق بوادر لانفجار شعبي، لذا على السلطة والحكومة، سرعة السعي لتدارك الموقف.