آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-09:34ص

المشاكل القانونية المصاحبة لزواج الصغيرات

الخميس - 04 نوفمبر 2021 - الساعة 11:16 ص

عبدالرحمن علي علي الزبيب
بقلم: عبدالرحمن علي علي الزبيب
- ارشيف الكاتب


الزواج مرحلة هامة في حياة الإنسان يتم بموجبه بناء أسرة من زوج وزوجة، وما ينتج من ذلك من أطفال، والمرأة تعتبر ركن وطرف هام في الأسرة، باعتبارها المعنية برعاية الأطفال وتربيتهم وأيضا القيام بأعباء والتزامات عقد الزواج وأيضا التزامات منزل الزوجية..

لذلك يستلزم ان يكون طرفي عقد الزواج (الزوج والزوجة) عاقلين بالغين وقد تجاوز عمرهم الخمسة عشر عام، ليتحملوا مسؤولية الزواج وأعبائه.

معظم المشاكل الزوجية أساسها زواج غير صحيح تم دون إرادة حقيقية وواضحة ومستنيرة من طرفي عقد الزواج، وزواج الصغيرات يعتبر سبب في مشاكل بين طرفي عقد الزواج لأنه مبني على إكراه ودون إرادة واضحة..

القانون اليمني حدد عمر خمسة عشر عام لأهلية أي شخص لإبرام العقود وتحمل الالتزامات وعقد الزواج يعتبر عقد ايضاً..

زواج صغيرات السن وفقاً للقانون اليمني غير قانوني لأنه يخالف قاعدة قانونية عامة، حيث نصت المادة (49) من القانون المدني رقم (14) لسنة 2002م، على الاهلية نوعان:

1-  أهلية وجوب للحقوق الشرعية للشخص وعليه تثبت له منذ ولادته.

2- أهلية أداء بمقتضاها يباشر الإنسان حقوقه المدنية، وتكون له طبقاً للأحكام المبينة في المواد التالية: وأوضحت ذلك تفصيلاً المــادة (50) والتي نصت على: (سن الرشد خمس عشر سنة كاملة، إذا بلغها الشخص متمتعاً بقواه العقلية رشيداً في تصرفاته يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية والتصرف فيها. ويجوز أن تشترط القوانين الخاصة سناً أعلى يحق للشخص بموجبها ممارسة أية حقوق أخرى أو التمتع بها.).

وبعد هذه المقدمة نوضح موضوع دراستنا في ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الآثار القانونية المدنية لزواج الصغيرات (زواج الأطفال).

القسم الثاني: الآثار القانونية الجنائية لزوج الصغيرات (زواج الأطفال).

القسم الثالث: التوصيات.

القسم الأول
الآثار القانونية المدنية لزواج الصغيرات (زواج الأطفال)

لزواج الصغيرات (زواج الأطفال) آثار قانونية مدنية متعددة نوجز أهمها:

1- بطلان عقد زواج الصغيرات لعدم الأهلية.

وفقا للنصوص القانونية المذكورة أعلاه، يتضح لنا أن زواج الصغيرات أقل من عمر خمسة عشر عام، يعتبر زواج باطل وغير صحيح لعدم أهلية أحد أطراف عقد الزواج، وهي الزوجة باعتبار عقد الزواج عقد التزام وأداء على طرفيه لما يتحمله طرفي العقد (الزوج والزوجة) من التزامات وحقوق متبادلة بين طرفي العقد..

كما ان نص المادة (50) من القانون المدني اشترط لصحة العقود بشكل عام شروط أخرى، بالإضافة الى عمر خمسة عشر عام، وهو التمتع بالقوة العقلية والرشد لطرفي العقد والرشد والقوة العقلية تكون بعد عمر ثمانية عشر عام..

وبذلك يكون اهم آثار زواج الصغيرات هو البطلان لمخالفته لقاعدة قانونية عامة وهو عدم أهلية الصغير في إبرام عقد الزواج باعتباره عقد أداء..

ونلاحظ ان قانون الأحوال الشخصية وفقا لأخر تعديلات له بالقانون رقم (24) لسنة 1999م، قد خالف القاعدة العامة فيما يخص أهليه الأداء، ونص على صحة عقد الزواج وأوقف نفاذة إلى أن تكون صالحة للوطيء، حيث نصت المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية على: (عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطيء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة.).

بمطالعة النص القانوني المذكور نلاحظ أن النص جعل الولي طرف في عقد الزواج، وهذا غير صحيح فطرفي عقد الزواج هم الزوج والزوجة، والولي ليس إلا وكيل عن الزوجة وليس طرف أصيل كون الولي لا يتحمل التزامات عقد الزواج الذي نص عليها قانون الأحوال الشخصية في المادة (40) والذي أوضحت التزامات الزوجة والتي نصت على: (للزوج على الزوجة حق الطاعة فيما يحقق مصلحة الاسرة على الاخص فيما يلي:

1- الانتقال معه الى منزل الزوجية مالم تكن قد اشترطت عليه في العقد البقاء في منزلها ومنزل اسرتها فيكون عليها تمكينه من السكن معها والدخول عليها.

2-  تمكينه منها صالحة للوطيء المشروع في غير حضور أحد.

3-  امتثال امره والقيام بعملها في بيت الزوجية مثل غيرها.

4-  عدم الخروج من منزل الزوجية ألا بأذنه وليس للزوج منع زوجته من الخروج لعذر شرعي أو ما جرى به العرف بمثله مما ليس فيه الإخلال بالشرف ولا بواجباتها نحوه وعلى الأخص الخروج في إصلاح مالها او أداء وظيفتها ويعتبر عذراً شرعياً للمرأة خدمة والديها العاجزين وليس لهما من يقوم بخدمتهما أو أحدهما غيرها.).

الزوجة هي الملتزمة بالإيفاء بالتزامات عقد الزواج وهي من تتحمل آثار الزواج وواجباته وليس وليها.. الولي فقط يكون حاضر أثناء عقد الزواج كوكيل عن الزوجة وبعد أبرام عقد الزواج يعود الولي الى منزله وتذهب الزوجة الى بيت الزوجية لتنفيذ واجباتها والتزاماتها القانونية المترتبة على عقد الزواج.

2-  بطلان عقد زواج الصغيرات للإكراه.

يكون عقد زواج الصغيرات مبني على إكراه مباشر بالإجبار بشكل مباشر عن طريق الضغط والتهديد على الطفلة الصغيرة للموافقة دون إرادتها الحرة على الموافقة على أبرام عقد الزواج او إكراه بالحلية عن طريق التغرير على الطفلة بأن الزواج احتفال وفرح ومأكولات وحلويات ورقص وغناء وليس هناك التزامات وواجبات زوجية أخرى لا تستطيع الطفلة بجسدها الضعيف الهش وبعقلها البسيط – عقل طفلة - استيعاب تلك المسؤوليات الزوجية..

وقد عرف القانون المدني الإكراه في المــادة (175) والتي نصت على: (الإكراه هو حمل القادر غيره على ما لا يرضاه قولاً او فعلاً بحيث لو خلي ونفسه لما باشره ويكون بالتهديد بإتلاف نفس أو عضو أو بعض عضو أو بإيذاء جسيم أو بالتهديد بما يمس العرض أو الشرف أو بإتلاف المال.).

كما أوضحت المــادة (176) من القانون المدني ظروف الإكراه والتي نصت على: (لا يعتبر الإكراه إلا إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعي الإكراه أن الخطر الجسيم الذي يهدده محدقاً به أو بغيره ممن يهمه أمرهم كالزوجة وأصله وفرعه حال قيامه بما أكره عليه، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه، وقد يقع الإكراه من المتعاقد معه أو من غيره.).

وفي قانون الأحوال الشخصية تم أيضاً التوضيح بأن الإكراه في الزواج يعتبر العقد لا اعتبار له حيث نص قانون الأحوال الشخصية في المادة (10) على: (كل عقد بني على إكراه الزوج او الزوجة لا اعتبار له.).

وهنا زواج الصغيرات باطل لبنائه على الإكراه لأن الطفلة يتم أبرام عقد الزواج من قبل وليها دون أرادتها الصحيحة، كونها مازالت طفلة حتى لو رفضت عقد الزواج فهي طفلة صغيرة لا تستطيع إيقاف عقد الزواج ويتم إجبارها من قبل وليها على الموافقة دون رضائها.

وهناك أمثلة واقعية لكثير من زواج الأطفال الذي تمت بناء على إكراه ولي البنت وكانت قضايا رأي عام، ومنها تزويج شخص سجين لأبنته الطفلة التي لا يتجاوز عمرها عشر سنوات من سجين آخر، والتي كانت البنت رافضة لعقد الزواج، وذهبت للمحكمة للمطالبة بإبطال عقد الزواج ودخل أطراف القضية والقاضي المنظورة القضية لديه دخل الجميع في اشكال قانوني هل عقد الزواج صحيح أم باطل واستقر راي القاضي، على أن عقد الزواج صحيح بالاستناد الى نص المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية وفقاً لأخر تعديل والذي نصت على: (عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطيء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة.)، وتم التوافق على أن يقوم الزوج بطلاق زوجته طفلة كمعالجة للقضية.

رغم أن المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية هي كانت الأولى بالتطبيق، واعتبار عقد الزواج لا اعتبار له حسب نص المادة (10) التي نصت على: (كل عقد بني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له.).

القسم الثاني

الاثار الجنائية لزواج الصغيرات (زواج الأطفال)

يعتبر زواج الصغيرات جريمة اختطاف وفقا للقانون رقم (12) لسنة 1992م، بشــأن الجرائم والعقوبات، كونها جريمة اختطاف بالحيلة والاستدراج صاحبه اغتصاب، وهنا تكون العقوبة الإعدام وفقا لنص المــادة (249) من القانون والتي نصت على: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من خطف شخصاً، فإذا وقع الخطف على انثى أو على حدث أو على مجنون أو معتوه أو كان الخطف بالقوة أو التهديد أو الحيلة كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات، وإذا صاحب الخطف أو تلاه إيذاء أو اعتداء أو تعذيب، كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات، وذلك كله دون اخلال بالقصاص أو الدية أو الارش على حسب الأحوال إذا ترتب على الإيذاء ما يقتضي ذلك، وإذا صاحب الخطف أو تلاه قتل أو زنا أو لواط كانت العقوبة الاعدام.).

وعند تكييف واقعة زواج الصغيرات نجد أنها جريمة اختطاف صغيرة تلاها زنا، باعتبار عقد الزواج غير صحيح لعدم أهلية أحد أطرافها وهي الطفلة الصغيرة.

وينطبق على زواج الصغيرات نص المادة العقابية المذكورة سالفاً، حيث يتم التحايل على الطفلة وإكراهها بشكل مباشر أو غير مباشر على الزواج، وبذلك يكون العقد باطل ولا اعتبار له وفقاً لما نص على ذلك القانون، وعندما يتم نقل الطفلة من بيت والدها أو أقاربها إلى بيت زوجها دون أرادتها الصحيحة والمستنيرة تكون قد تحققت جريمة الاختطاف بنقلها من مكان الى آخر دون أرادتها الصحيحة والمستنيرة، ثم المعاشرة الجنسية بعد ذلك يعتبر زنا كون العقد غير صحيح فيتحقق الظرف المشدد الموجب لعقوبة الإعدام..

وهنا يستلزم توضيح نصوص القانون العقابية ونشر الوعي المجتمعي بها لتحقيق ردع عام للمجتمع وردع خاص على مرتكبي جريمة زواج الصغيرات، باعتبارها وفقا لقانون الجرائم والعقوبات جريمة اختطاف تلاها زنا وعقوبتها الإعدام، نشر الوعي القانوني سيحمي المجتمع من هذه الجرائم ويحد بشكل كبير من استمرارها..

القسم الثالث
التـوصيـات

في نهاية هذه الدراسة القانونية عن الآثار القانونية لزوج الصغيرات (زواج الأطفال) وتعزيزاً لروح ومبادئ النقد البناء الذي يقوم على تشخيص المشاكل واقتراح الحلول لها نوجز أهم التوصيات في النقاط التالية:

1- تعديل المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية وفقا لأخر تعديل والذي أجاز عقود الزواج للصغيرات حتى المولودة في يومها الأول، وهذا يتناقض مع المنطق والعقل ويتعارض مع القواعد القانونية العامة، كون الطفلة الصغيرة ليس لها أهليه أداء والتزام عند أبرام العقد، وأن يتم إعادة النص القانوني السابق بتحديد عمر خمسة عشر عام كمعالجة معقولة توقف الاستناد الخاطئ لنص هذه المادة لإجازة عقود زواج الأطفال رغم تعارضها مع روح القانون وقواعده الأساسية.

2- إدراج موضوع تعديل المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية ضمن مشروع التعديلات الذي تنفذه وزارة حقوق الانسان لرفعه لمجلس الوزراء تمهيداً لعرضه على مجلس النواب لإقراره.

3- نشر الوعي القانوني في المجتمع بمخاطر زواج الصغيرات وآثارها القانونية باعتباره جريمة ومخالفة لقواعد القانون وفقاً لما اوضحناه بشكل موجز في دراستنا بتوضيح الإكراه.

4- عقد دورات تدريب لضباط الشرطة وأعضاء النيابة العامة والقضاة الجنائيين لتكييف زواج الصغيرات كجريمة اختطاف تلاها زنا واغتصاب، وإحالة تلك القضايا إلى النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة وبما يحقق الردع العام والخاص.

5- المطالبة بإصدار تعميم من مجلس القضاء الأعلى بإيقاف نظر قضايا زواج الصغيرات لدى القضاء الشخصي وإحالتها إلى القضاء الجنائي باعتبارها جريمة وفقا للقانون.

6- المطالبة بإلزام أبرام عقود الزواج عبر أمناء شرعيين معتمدين ووجوبية إرفاق صورة البطاقة الشخصية ضمن وثائق عقد الزواج ومطابقة صورة البطاقة الشخصية مع أصلها ومنع الاعتماد على أي وثيقة لإثبات الشخصية، وبما يحد ذلك من زواج الصغيرات بإجراءات إدارية وقانونية.

7- وجوبية إحالة عقود الزواج ومرفقاتها إلى مصلحة الأحوال الشخصية، للتأكد من صحتها وإحالة جميع المتورطين في أي تزوير في عمر الزوجة أو وثيقة إثبات الشخصية (البطاقة الشخصية) إلى النيابة العامة باعتبارها جريمة.

8- إعداد فلاشات إعلامية وبثها في وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمكتوبة يوضح فيها النصوص القانونية المجرمة لزواج الصغيرات ومخاطرها.

9- تخصيص خطوط ساخنه لاستقبال البلاغات والشكاوى لوقائع زواج الصغيرات وإحالتها للجهات المختصة.

*دراسة حقوقية تم استعراضها ونقاشها في ورشة عمل حول : مناقشة زواج الصغيرات نفسيا وصحيا واجتماعيا – اليمن نوفمبر 2021م