آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-10:35ص

معضلة تاريخية

السبت - 12 يونيو 2021 - الساعة 02:52 م

ناصر الوليدي
بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب


من أكبر المعضلات التي واجهت الأمم خلال تاريخها الطويل ، معضلة (الصراع على السلطة) وهذا الصراع هو نتاج طبيعي للصيغة السياسية التي كانت سائدة في معظم الدول القديمة والحديثة .فالعالم كان في الجملة خاضع لنظرية (الملك) التي يسميها عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق رضي اللهعنهما (سنة كسرى وقيصر) فالحاكم يورث الحكم إلى أبنائه وذويه ، في نظام خاضع لحكم العائلة .

منذ قبل الإسلام والنظرية السياسية العالمية السائدة هي (الملكية) فالفرس تحكمهم العائلة الكسروية .والروم تحكمهم العائلة القيصرية .وكذلك غيرهم من دول العالم، واستمر هذا الحال في أوربا آلاف السنين إلى ماقبل ثلاثمائة سنة تقريبا.

أما العالم الإسلامي فقد عاش فترة استثنائية لم تدم طويلا{ ٣٠ سنة} وهي فترة الخلفاء الراشدين والتي انتهت بمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم تخلت الدولة الإسلامية عن مبدأ (الشورى) والتحقت بدول العالم حولها وخضعت لصيغته السياسية (الملكية). وهي أول هزيمة حضارية للأمة الإسلامية أمام الحضارات البشرية المعاصرة لها .

 والنتيجة الطبيعية للنظام الملكي هي (الصراع )وتحول مسار واتجاه الأمة والدولة . وقد لخصها القران الكريم في كلمات بليغة وجيزة : 

{ إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة . وكذلك يفعلون }.

فالتاريخ الداخلي لكل دول العالم هو تاريخ مثخن بالصراع والاحتراب الداخلي على كرسي الحكم،واستخدم في ذلك الصراع كل إمكانات ومقومات الأمة، من الدين إلى الثقافة إلى المال والسلاح والعصبيات والمناطقيات، وخسرت الأمم خسرانا مبينا . خسرت من مقدراتها وأبنائها ومكوناتها وتاريخها، وخسرت مشاريعها الحضارية وأحلامها البريئة . 

هنا طور الإنسان (الغربي) من خلال ثقافته وتجاربه وأفكار فلاسفته وعقلائه ومفكرية فكرة (الديمقراطية) ليتحول الصراع من صناديق الرصاص إلى صناديق الاقتراع . وتتحول المعارك التي كانت تتزاحف فيها الجيوش فلا تبقي ولا تذر ،إلى مظاهرات سلمية واعتصامات مدنية واحتجاجات غنائية ،فترك الفرقاء البنادق وحملوا اللافتات، وتخلوا عن العنصريات والمناطقيات لصالح أحزاب سياسية تمثل مشاريع وطنية. 

 الأنظمة المستبدة في عالمنا الإسلامي اليوم ترفض مبدأ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتكافؤ الفرص في السلطة والثروة والوظائف العامة....  

رغم أن العالم الغربي تخلى عن سنة (كسرى وقيصر) إلا أن قومنا لايزالون مصرين على اعتناق هذه السنة وبكل قوة،ومصرين على شرعنتها وفرضها مستخدمين في ذلك الدين ورجاله ومؤسساته، والمال والإعلام، بل ومستخدمين القوى والمؤسسات المدنية،في تناقض غريب مريب مضحك .