آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-12:30ص


عندما كنت صغيراً !!

الثلاثاء - 04 يوليه 2017 - الساعة 11:17 ص

ياسر علي
بقلم: ياسر علي
- ارشيف الكاتب


عندما كنت صغيراً، كنت اسمع صوتاً يأتي من بعيد ينادي سكان المنطقة لحضور لقاء في المساء، واسمع أهلي يهمسون فيما بينهم متبرمين من هذا الصوت؛ وفي ايام أخرى اسمع ذلك الصوت داعياً الناس للتواجد في ساحة الحافة أو الحارة لمشاهدة فلم، فكان أهلي يلبون هذا المنادي مكرهين لا طائعين، وكنت أذهب معهم لأشاهد شاشة تم نصبها في قلب الساحة يعرض فيها صوراً متحركة قديمة وفيها اشخاص يمشون بسرعة كبيرة، كنا نطلق عليهم (الدر) ونقصد بها نوع من أنواع النمل إذا احس بالخطر يمشي سريعاً ولايزال يعيش بيننا الى اليوم. وأحياناً أسمع نفس المنادي يدعو سكان المنطقة للتواجد في الصباح الباكر من يوم الجمعة للقيام بتنظيف شوارع الحي.

 

عندما كنت صغيراً، تم اختيار بعض أهلي للمشاركة في الحراسات الليلية، لم أعي حينها ما الحراسات الليلية، أو ما الجدوى منها، مع العلم أننا بقايا شعب نعيش في مدينة يتعارف أكثر سكانها. ويعرفون فيها الشرير والطيب.

 

عندما كنت صغيراً تم اكراه أهلي وكل سكان المنطقة للتصويت لاشخاص تم تحديدهم سلفاً أطلق عليها الانتخابات، ولا أعلم ما الانتخابات حينها، ولماذا ذهب أهلي رجالهم ونساؤهم للمشاركة في هذه الانتخابات، وهم مكرهين.

 

عندما كنت صغيراً مُنع أهلي من الذهاب لأداء فريضة الحج، بحجة انه لاتنطبق عليهم الشروط، ولا أعلم ما هذه الشروط.

 

عندما كنت صغيراً، كنت أقف في طوابير طويلة للحصول على كمية محدودة من الأرز أو البر أو الزيت تم تحديدها سلفاً. أو للحصول على ملابس العيد أوالمدرسة، ولاتخلو هذه الطوابير من الزحام والفوضى والازعاج وكنت أكرهها. والمحزن في الأمر أن يأتي دورك ليخبرك العامل بأن الكمية نفذت، أو مقاسك غير متوفر.

 

عندما كنت صغيراً، والتحقت بالمدرسة كنت يومياً في الطابور الصباحي أردد مع كل الطلاب شعارات أبرزها (لنناضل من أجل الدفا عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية) فلم أكن أعلم حينها ما الثورة اليمنية ولا الخطة الخمسية ولا الوحدة اليمنية.

 

عندما كنت صغيراً، واستطعت القراءة والكتابة كنت أمر في طريقي للمدرسة على شعارات تم رسمها بألوان جميلة، تحوي رسومات فيها وجوه عديدة، ومن هذه الشعارات التي أتذكرها الى اليوم(حزبك باقي يافتاح، حزب العامل والفلاح) ،(كنتم الطليعة وستظلون رمزاً لنضالات شعبنا اليمني)، (الحزب عقل وشرف وضمير الشعب)، (والكونفرس الحزبي العام). وكنت اسمع مراراً وتكراراً شعارات لفظية، مثل (أنا يمني وأسأل التاريخ عني) ،( يمن ديمقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح، سوف ندافع سوف نناضل ثورة، ثورة لا اصلاح)، (بالروح بالدم نفديك يا يمن).

 

عندما كنت صغيراً كان أهلي يهيئونني نفسياً للسفر إلى أحد دول الخليج أو شرق اسيا، بقولهم إذا كبرت ستسافر إلى الكويت أو الدوحة، أو ماليزيا أو سنقافورة أو ماليزيا، كنت أسمعها في أكثر من مناسبة.

 

عندما كنت صغيراً، كان في حافتنا مسجداً صغيراً يصلي فيه افراد قليلون لايتخطون أصابع اليد، ولانصلي فيه الجمعة أو العيد، وكان شبه مهجور، ولا يهتم به أحد.

 

وعندما كبرت، عرفت ما الصوت الذي كان يأتي من بعيد، ومن الأشخاص الذين كانوا يمشون بسرعة، ولما نقف في طوابير طويلة للحصول على بعض الطعام، أو الحصول على بعض الملابس، ولماذا أرى الخوف في أعين أهلي دائماً.

 

و عندما كبرت، أيقنت وأنا في هذا السن بأن هناك نظاماً حكمنا بالحديد والنار، ودمر ماضينا وحاضرنا، وسلخنا من هويتنا الاسلامية والعربية، وحارب الله ورسوله، وقتل فينا حرية الرأي والتعبير، وغرس فينا الانقياد بلا تفكير أو تدبر فيما نحن مقدمون عليه. ولم يوفر لنا حياة كريمة وظل يقتات على ما ورثه من عهد السلطنات وماخلفه الاستعمار البريطاني البغيض، و ولى حثالة القوم واراذل المجتمع لادارة شئون الناس.

 

وعندما كبرت، أيقنت كذلك أن ذلك النظام سبب المشاكل التي نعاني منها اليوم، فهم بالأمس ربوا جيلي والجيل الذي قبلي وبعدي على أننا يمنيون، واليوم يأتي بعض ممن بقي من ذلك النظام ليخبرونا بأننا الجنوب العربي، ولم نكن يوما بمنيون مع أنهم لم يبينوا لنا ما الجنوب العربي وما حدود هذه الدولة أو هويتها أو من ابرز قادتها أو ما طبيعة الحكم فيها، مستدلين على أن هذا الاسم مطبوعاً على العملة. وهذا مايثير لدي،ولدى عامة الناس اكثر من سؤال فنحن لا نعرف الجنوب العربي ولم يخبرونا عنه لا في المدارس ولا خارجها فجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي الدولة التي تربينا في كنفها. وهي الدولة التي وفرت لنا المأكل والمشرب والملبس باسعار في متناول الجميع.

 

لابد أن نقف مع أنفسنا، وفيما بيننا كشعب، لنراجع التجارب السابقة ما بعد 30نوفمبر1967م وإلى اليوم، لنحقق للأجيال القادمة مستقبلاً مشرقاً بعيداً عن التعصب أو الكراهية أو فرض الرأي الواحد على البقية، ونختار ما يصلح لنا بعيداً عن الهوى، والعاطفة، ونفكر بعقولنا عند مناقشة أمورنا المصيرية وليس بقلوبنا. ونبتعد عن نظرية (من ليس في صفي، فهو عدوي).