آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-02:57ص

مساجد مسروقة .. أما لهذا العبث من آخر ؟!

الأحد - 08 مارس 2015 - الساعة 10:45 ص

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


يستشعر المتأمل في واقعنا اليوم أن بعض القلوب قد أوغلت في الظلم والطغيان، وصارت لا تخشى الله سبحانه وتعالى ولا تعرف له قدراً، كأنها قد أمنت مكره وعذابه ، بل إننا نجد عند التصفح في أسفار الأولين أن محارم الله كانت مصونة حتى عند الجاهليين ممن لا يؤمنون بالله، وهم مع ما كانوا فيه من شرك وضلالة يوقرون المحارم ولا ينتهكونها، وإن فعلوا ادعوا تأخير الأشهر الحرم لشهر آخر حتى يجعلوا لأنفسهم العذر للقتل أو الاعتداء على الآخرين، وقد جاء ذكر ذلك في كتاب الله عز وجل إذ يقول: " إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" [ سورة التوبة: أية رقم 37 ] .

بكل حسرة وألم تلقينا في الأيام القريبة الفائتة أخباراً متتالية عن سرقات متعمدة ومتعددة لبيوت الله عز وجل في مناطق شتى في مديرية غيل باوزير، مسجد التوفيق بحارة الخشعة بمدينة الغيل، وقبله مسجد النور بمسجد الصداع، وما بعدهما سرقة مسجد جامع النقعة بمنطقة النقعة، إذ قدرت مجموع ما تمت سرقته من تلك المساجد الثلاثة وفي فترة وجيزة من مبالغ مالية بمئات الآلاف من الريالات، رصدت معظمها لمشاريع خيرية تخص المساجد وتبرعات لصالح محتاجين. مع العلم أن سرقات كثيرة قد حصلت من قبل لكن لم يتوقع أحد أن تعاود الظهور مرة أخرى بشكل موغل، يصاحبها نوع من السعار المتسارع على السرقات في فترات زمنية وجيزة.

بحسب ما أفادني أحد الإخوة القائمين على رعاية أحد تلك المساجد فإن عمليات الاقتحام والسطو على المبالغ قد تمت بطريقة احترافية ومهارة تنم عن أن السرّاق قد استعدوا لمثل هذه الجرائم بأدوات وآلات تمكنهم من فتح الصناديق والدواليب التي يُحتفظ فيها بالمبالغ المالية بطريقة سهلة لا تؤدي إلى كسر الزجاج أو الألمنيوم أو إحداث أية فوضى أو جلبة أو أصوات مرتفعة تمكن المحيطين بالمسجد من سماعها، مما جعل البعض لا يستدل على تلك السرقات مباشرة بعد حدوثها، بل كانت كل الأشياء طبيعية بما فيها الدواليب والأقفال الخاصة بها.

إنه لمن المهم أن نتذكر أن الناس كانوا ولا يزالون في شكوى دائمة من سرقات الأحذية بالمساجد وهي بلوى عمّت وطمّت في كل مكان، حتى كادت أن تقترب من كونها ظاهرة ، إذ كان لصوص الأحذية في المساجد بالمرصاد لكل زوج جديد أو غالٍ من الأحذية، إلا أننا نرى أن تلكم الأحداث رغم فداحتها واستمراريتها كانت تتم بطريقة فردية وربما ساذجة في بعض الأحيان على العكس من هذه الجرائم التي نحن بصددها فهي قد صارت ترتكب بشكل منظم ويدل على أن الضالعين فيها مجموعات وليس أفراد، ويختلف الهدف بينهما في أن الأخرى تستهدف مبالغ نقدية بشكل مركز دون المساس بأي أشياء أخرى كالأجهزة الإليكترونية أو المعدات الصوتية على سبيل المثال.

الذي ينبغي التنبه له في الوقت الحاضر أن المساجد بالرغم من قدسيتها ومكانتها لم تعد آمنة لحفظ المبالغ المالية بأي حالٍ من الأحوال، فالمكتبة والدواليب وصناديق التبرع يجب أن تصفّى أولاً بأول لجمع ما فيها من مبالغ مالية ويتم نقلها وحفظها في مكان آخر كالحساب البنكي أو لدى أمين المسجد في بيته، أو أية طريقة مناسبة لإبعاد شبح الخوف والتوجس من معاودة الاقتحام مرة أخرى، إذ لو حدثت مجدداً لما وجد المجرمون بغيتهم، ولساعدنا في التقليل منها قدر الإمكان. إذ أن عملية التكرار التي قد تتسبب في تململ البعض في تمويل أو تقديم الصدقات للمساجد، هنا يساهم المجرمون في تخريب بيوت الله وتقليل الأمن فيها " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".

وها نحن نجلي شيئاً مهماً وهو: أن علينا جميعاً أن نتكاتف لحماية بيوت الله تعالى من هؤلاء المجرمين المنحرفين سلوكياً ونفسياً وألا نقف مكتوفي الأيدي إزاء ما يحصل، وأن نضطلع بدور فعال ومؤثر في مقاومة ما يحدث دون سلبية أو تباعد، وأن نكون بأفعالنا عماراً لبيوت الله الذين قال الله فيهم: " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ".

كما أن على جهات الاختصاص وأولها الأمن مباشرة التحقيق الجدّي في تلك الجرائم لضبط المتورطين فيها ، والعمل على حماية المساجد  من العابثين بحرمتها وهيبتها وقدسيتها وتوفير كافة سبل الأمن لها، وهنا يحق لي أن أتساءل لماذا لم نرَ أية تحقيقات أو استقصاءات أو تحريات فيما حدث، ولِمَ لمْ نلمس أية جهود حثيثة لكشف ملابسات تلكم الوقائع المتكررة، فكأن الأمور على ما يرام، وكأن رجال الأمن لا يعنيهم ما يحدث !!

وفي الختام يظل السؤال الجدير بالاعتبار والطرح : هل ستتوقف المهازل الحاصلة لبيوت الله تعالى؟!، وهل لهذا العبث من نهاية ؟؟.