تواجه الاستثمارات والشركات والأنشطة الاقتصادية في اليمن مضايقات وممارسات ضارة ومدمرة تستهدف، بحسب خبراء اقتصاد وتجار ومستثمرين ومصرفيين، نهب القطاع الخاص ورؤوس الأموال والقطاعات الصناعية والاستثمارية والمصرفية، ودفعها إلى حافة الإفلاس، أو البحث عن بيئة أخرى خارجية للعمل والاستثمار.
ويرزح القطاع الخاص اليمني تحت مشاكل عديدة، نتيجة عدم الاستقرار السياسي، وانعدام الأمن، والتعليق الدوري للصادرات، والقيود المفروضة على الاستيراد، واتساع الاختلالات المالية والنقدية، وارتفاع مستويات الجريمة، وارتفاع مستوى عدم الرسمية، مما أجبر وفق تقارير اقتصادية نحو 20 في المائة من الشركات على نقل عملياتها إما إلى مناطق داخل اليمن أو إلى الخارج، عدا عن تحديات تتعلق بمشاكل الطاقة، ونقص الوقود، والتأخير الطويل للبضائع في منافذ وموانئ الدخول، وزيادة تكاليف التأمين على السفن القادمة إلى اليمن.
وتشير تقارير اقتصادية صادرة عن مؤسسات القطاع الخاص ومنظمات أهلية ودولية إلى أن 25 في المائة من إجمالي عدد الشركات في اليمن أغلقت بعد عام 2014، وشهدت أكثر من 80 في المائة منها انخفاضاً حاداً في المبيعات، وتهاوي قدراتها المالية والاستثمارية.
ويرجع السبب، كما يرصد "العربي الجديد"، إلى القضايا الأمنية في مناطق الصراع، والخراب الاقتصادي، والركود المالي، وتدمير أصول الشركات، في حين عانت المؤسسات الاستثمارية والشركات التي نجت من هذه الأسباب من انقطاعات في الخدمات الرئيسية، وتناقص في قواعد عملائها.
بحسب مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم الإشارة إلى هويته، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن اليمن يحتاج إلى مساعدة دولية لتأهيل وتنفيذ مشاريع تعزز من قدرات القطاع الخاص الذي تدرك الحكومة جيداً أهميته ودوره في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد والاقتصاد الوطني، إذ تعمل جهات ودوائر حكومية على بلورة برامج مشتركة تتطلب مساعدة مؤسسات دولية متخصصة، مثل مؤسسة التمويل الدولية في تمويل مشاريع تساهم في تعزيز مرونة القطاع الخاص وقدرته على الصمود، إضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ودعم الشركات اليمنية، من خلال الاستثمارات المباشرة، وتمويل الأسهم، والمساعدة الفنية، ومساعدتها على توسيع عملياتها، وتحسين القدرة التنافسية.
وتتطلع الحكومة اليمنية لهذا التعاون المشترك لإعداد خريطة طريق لجذب مزيد من رأس المال الاستثماري من المصادر الدولية، بما في ذلك المستثمرون المؤسسون، لزيادة الأموال المتاحة للاستثمار في اليمن، والتنسيق مع مؤسسات تمويل التنمية الأخرى، والمنظمات متعددة الأطراف، وأصحاب المصلحة المحليين، للاستفادة من خبراتهم ومواردهم وشبكاتهم، من أجل توسيع فرص الاستثمار في اليمن.
ووفقاً لمسؤولين في مؤسسات القطاع الخاص وتجار ومستثمرين، فإن القطاع الخاص اضطلع بدور متزايد في إدارة التحديات الأمنية والاقتصادية والديموغرافية المتداخلة في اليمن، في ظل غياب الدور الحكومي والوظائف العامة المهمة. بحسب بيانات اقتصادية، فقد ساهم القطاع الخاص في اليمن بنحو 63 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2014، وارتفعت هذه الحصة إلى حوالي 70 في المائة منذ عام 2015، مع انخفاض مساهمة القطاع العام، في ظل تراجع إنتاج النفط والغاز.
علي عيسى، عضو الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، يتحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن هناك توسعاً للممارسات التي يصفها بالقمعية لرؤوس الأموال والاستثمارات ومؤسسات القطاع الخاص بشكل عام، وخصوصاً في صنعاء، إلى جانب بقية مناطق ومدن اليمن بنسب متفاوتة، وتجاهل السلطات الدور الذي قام ويقوم به القطاع الخاص الذي ساعد في ظروف صعبة وحرجة طوال سنوات الحرب في استمرار توفير السلع والخدمات وفرص العمل، وتعزيز الأمن الغذائي، وتخفيف الأضرار التي لحقت بالأصول المادية ورأس المال البشري، الأمر الذي ساهم في تعزيز قدرة المجتمع على الصمود.
وزادت مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج الإجمالي من 64 في المائة خلال الفترة من 2014 إلى 2010، في حين تقدر بيانات ارتفاعها إلى 82 في المائة في أول ثلاث سنوات من الحرب في اليمن من عام 2015 إلى 2018. وتدرس الجهات والمؤسسات العامة المعنية عدداً من الخطط لتعزيز قدرة المؤسسات ذات الصلة في اليمن على التعامل مع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار في مشاريع تتعلق بالطاقة البديلة، وتحسين البنية التحتية الأساسية لليمن.
الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، مسؤول حكومي سابق في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، يؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السلطات الحاكمة في صنعاء وعدن عملت على تدمير ما كان قد جرى تنفيذه سابقاً من خطط وبرامج مع مؤسسات وجهات ومنظمات دولية لتأهيل بيئة الاستثمار في اليمن، وتطوير قدرات القطاع الخاص، وتشجيعه على تنفيذ مشاريع استثمارية، وفقاً لاحتياجات البلاد في مشاريع الطاقة والبنية التحتية ومختلف القطاعات الاقتصادية الواعدة بصورة مدروسة، وبشراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص.
ويتابع حديثه أن السلطات الحالية في اليمن فشلت في الاستفادة من إمكانيات وقدرات القطاع الخاص، وتوفير بيئة آمنة ومشجعة لرؤوس الأموال، بل على النقيض من ذلك ساهمت سياستها وإجراءاتها في تراجع أنشطته التجارية والصناعية والخدمية والاستثمارية، وإضعاف قدرات القطاع المصرفي بالقوانين الجائرة، كما هو حاصل في صنعاء، مع وصول الأمر إلى تفاقم أزمة واسعة في المصارف والبنوك تهدد بقاءها.
الخبير المختص في الاستثمار وإدارة الأعمال شوقي الصلاحي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن اليمن وصل إلى مرحلة صعبة تحتاج فيها البلاد لحشد الاستثمارات ورؤوس الأموال الوطنية، من خلال العمل على تهيئة بيئة استثمارية محفزة وآمنة، لا تتوقف عند حدود القوانين واللوائح المنظمة للاستثمارات الوطنية والأجنبية، بل وهو الأهم حماية حقوق المستثمر، ووضع حد للتعسفات التي تتعرض لها الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية وفرض واقع جديد طارد لرؤوس الأموال، بهدف إحلال جهات ومؤسسات واستثمارات ورؤوس أموال طارئة، ساهمت الحرب والصراع والسوق السوداء في تشكلها، في توجه بعيد كل البعد عن التنافسية التي تكفلها القوانين والتشريعات المنظمة للعمل الاستثماري في اليمن.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي اليمني للإحصاء، فإن 97 في المائة من القطاع الخاص يتكون من مشاريع متناهية الصغر، وصغيرة، ومتوسطة الحجم، توظف مجتمعة حوالي 73 في المائة من القوى العاملة اليمنية، كما كان القطاع الخاص في اليمن يقدم أكثر من 60 في المائة من خدمات الرعاية الصحية، ومسؤولاً عن 100 في المائة من الإنتاج الزراعي الذي يوفر حوالي 20 - 25 في المائة من الاستهلاك الغذائي المحلي في اليمن.