آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


الحوثيون.. عين على الموانئ وعين على حقول النفط (تقرير)

الأربعاء - 24 مايو 2023 - 03:49 م بتوقيت عدن

الحوثيون.. عين على الموانئ وعين على حقول النفط (تقرير)

((عدن الغد))خاص.

تقرير يتناول تحركات الحوثيين في مجال التنقيب النفطي وتعامل الحكومة الشرعية معها

لماذا حذر الحوثيون الشركات الصينية من التعامل مع الحكومة المعترف بها دوليا؟

هل يستغل الحوثيون العلاقات المتميزة بين بكين وطهران من جهة وبين بكين والرياض من جهة أخرى لتقوية نفوذهم والسيطرة على الموارد النفطية؟

كيف تعاملت الحكومة الشرعية مع تحركات الحوثيين في مجال التنقيب النفطي؟

بم علقت الصين على توقيع اتفاقية استكشاف النفط مع الحوثيين ولماذا ألغت شركة (أنتون) الاتفاق؟

ما الرسائل الداخلية والخارجية التي أراد الحوثيون إيصالها إلى الخصوم؟

 (عدن الغد) القسم السياسي:

ما إن سدد الحوثيون ضربتهم الأولى إلى ميناء الضبة النفطي في حضرموت مع نهاية نوفمبر 2022، حتى أتت الأنباء عن ضربة أخرى لا تقل عن الأولى، إن لم تكن أخطر.

فمن العاصمة المختطفة صنعاء، جاءت الأنباء عن توقيع وزير النفط والمعادن المعين من قبل الحكومة الحوثية أحمد دارس، اتفاقا مع شركة أنتون أويل الصينية.

وحذر دارس الشركات التي تتعامل مع الحكومة المعترف بها دوليا، وفي مقدمتها شركة سنوبك الصينية العاملة في قطاعات نفطية في شبوة وحضرموت.

وتحمل هذه الخطوة بالتأكيد العديد من الرسائل، أقلها مغازلة الصين سياسيا للحصول على اعتراف دولي، والصين كما هو معروف إحدى الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي.

وتأتي هذه التحركات من قبل الحوثيين في هذا التوقيت لخلط الأوراق عقب الاتفاق بين طهران والرياض برعاية صينية.

كما أن استهداف ناقلات النفط الأجنبية، وهذا الإجراء الأخير، قد يعمق سلسلة الاخفاقات لحكومة المناصفة التي يرأسها معين عبدالملك في إدارة الشأن الاقتصادي والتنموي والمعيشي.

الصين تنفي والشركة تعتذر

وعلى الرغم من نفي وزارة الخارجية الصينية لهذه الزيارة، إلا أن الخارجية الصينية- حينها- ردت  بلغة دبلوماسية، جاء فيها أن الصين واليمن تربطهما علاقات صداقة تقليدية وقديمة.

حيث نفى القائم بأعمال السفارة الصينية في اليمن، أمس الأول، أي علاقة لبلاده بتوقيع مذكرة تفاهم بين جماعة الحوثي وشركة أنتون النفطية.

جاء ذلك خلال اتصال أجراه وزير الخارجية أحمد بن مبارك، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن.

وذكرت وكالة الانباء اليمنية الرسمية "سبأ" أن القائم بالأعمال في السفارة الصينية أكد خلال الاتصال أنه لا علاقة للحكومة الصينية بما أشيع من توقيع مذكرة تفاهم بين جماعة الحوثي وشركة انتون النفطية.

وأضافت بأن القائم بأعمال السفارة، أفاد بأن الشركة "أنتون النفطية" خاصة ولا تمتلك الصفة أو الحق للتوقيع على مذكرة تفاهم.

من جانبها، أكدت شركة "انتون" الصينية إلغاء اتفاقية التفاهم بشأن تطوير حقول النفط اليمنية الذي تم إبرامها السبت الماضي مع ما تسمى وزارة النفط والمعادن التابعة للحوثيين.

وأعربت الشركة عن اعتذارها نظرًا لعدم وجود فهم للمعلومات ذات الصلة سابقًا.

زيارة سرية إلى الصين

في مطلع شهر ديسمبر من العام 2016، زار وفد حوثي برئاسة محمد عبدالسلام، سراً، الصين الشعبية للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في اليمن.

وفي عام 2019 أوردت وكالات دولية إخبارية خبرا تقول فيه إن ما يسمي برئيس اللجنة الحوثية محمد علي الحوثي، قد تلقى رسالة من السفير الصيني لدى اليمن كانغ يونغ، ولم يكن أحد يعلم مضمونها، إلا أنها فهمت في سياق وساطة صينية كانت تعتزم القيام بها بين السعودية والحوثيين، وإن كان الحوثيون قد وظفوا هذه الرسالة لأهداف سياسية أخرى.

فالمواقف الصينية المعلنة بشأن اليمن تؤكد على أن الحل في اليمن لن يكون إلا وفق الخيار السلمي على أساس المرجعيات والقرارات الدولية.

في تصريح سابق لـ(الجزيرة نت) "يعود إلى ديسمبر 2016"، قال السفير الصيني لدى اليمن شي يان تشون إن دعوة وفد من الحوثيين لا تتعارض والموقف المبدئي للحكومة الصينية، بتأييد ودعم الحكومة الشرعية في اليمن، بل إنها تنطلق من حرص الصين على سرعة التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة.

وأضاف السفير الصيني أنه لا يمكن تجاهل قوة ونفوذ مليشيا الحوثي وسيطرتها على مناطق واسعة في اليمن حيث توجد مصالح صينية، وحيث تعمل العديد من الشركات الصينية.

تعتقد الصين أنه لا يمنع التعامل مع أي سلطة أمر واقع في البلدان التي تشهد اضطرابات سياسية وحروبا وانقلابات حفاظا على مصالح الشركات الصينية، وتجنيبها المزيد من الخسائر.

 

 

 

علاقات صينية متميزة مع اليمن

 يرجع بعض المؤرخين هذه العلاقة إلى أيام الدولة الرسولية التي حكمت في الفترة من (1229- 1454) واتخذت من تعز عاصمة لها، لكن الحوثيين عادة ما يتفاخرون بهذه العلاقة التي بدأت حديثا بعد خروج الأتراك من اليمن، وتقلد الإمامة الزيدية الحكم في شمال اليمن، حين أقامت المملكة المتوكلية اليمنية علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية الصين الشعبية في عام 1956.

من المفارقات التاريخية إن اليمن الإمامية هي أول دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني.

وحسب ورقة بحثية لمركز صنعاء للدراسات بعنوان (مصالح الصين النفطية والاقتصادية مع الخليج تتجاوز اليمن العالق في الحرب): "لم تتأخر الصين كثيرا  برد هذا الجميل إذ وقعت أول معاهدة صداقة مع بلد عربي، بتوقيعها مع الإمام محمد البدر بقرض قيمته 16 مليون دولار في عام 1958 مع فترة سداد مدتها 10 سنوات.

وعلى الرغم من الدور الصيني في شق طريق الحديدة/ تعز، وطريق الحديدة صنعاء أيام الإمام أحمد يحيى حميد، إلا أن العلاقة بين الحكم الإمامي والصين الشعبية لم تكن متميزة، حسب الكثير من المؤرخين اللذين عاصروا تلك الفترة.

وحسب مراكز بحثية متخصصة لم تقتصر المساعدات الصينية على شمال اليمن بل شملت مساعدتها اليمن الجنوبي، عبر تقديم مساعدة في العام 1980 قيمتها 84 مليون دولار، وهي أكبر مساعدة تقدمها الصين لدولة عربية في حينه، إضافة إلى  بناء الطريق الرابط بين عدن والمكلا وجسر زنجبار أبين، ومصنع الغزل والنسيج في عدن.

والصين من أوائل الدول التي اعترفت بالوحدة اليمنية (مايو 1990)، وللصين إسهامات كبيرة في دعم جهود مشاريع البنية التحية في اليمن، وكذلك في تقديم القروض، والاستثمار في قطاع النفط والغاز الذي تم اكتشافه حديثا. ولا تزال شركة هواوي الصينية تعمل في اليمن منذ 1999.

مصالح اقتصادية واعدة

ووفق مختصين في الشؤون الصينية، فإن الصين ليس لديها طموحات بنفوذ سياسي  في اليمن، بل مصالح اقتصادية وجيوسياسية.

ويرى المراقبون أنه حتى بعد رعايتها للاتفاق بين الرياض وطهران في 10 مارس من العام الجاري، لم تدخل الصين في تفاصيل الاتفاق، وتركته شأنا يخص الرياض وطهران والأطراف اليمنية.

يعتقد البعض أن الحوثيين قد يذهبون إلى الصين الحليف القوي للسعودية ومهندسة العلاقات السعودية الإيرانية، من أجل التوقيع على عدد من الاتفاقيات في المجال النفطي، مستغلين العلاقات المتميزة بين بكين وطهران من جهة وبين بكين والرياض من جهة أخرى، في سياق سياسة خلط الأوراق التي تتقنها الجماعة الحوثية.

يقول خبراء ومحللون اقتصاديون إن الصين لم تعرف علاقات اقتصادية متميزة، إلا في ظل الجمهورية اليمنية، حيث بلغ التبادل التجاري بين الصين واليمن في العام 2009 ما مقداره 3 مليارات دولار.

وتشير التقارير الصحفية ومراكز البحوث الاقتصادية إلى أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط اليمني والسعودي على حد سواء منذ العام 2015، وبحلول 2011 كان إنتاج الشركات الصينية (سينوبك وسينوكيم) 20 ألف برميل يوميا، وهاتان الشركتان تعملان في قطاعات نفطية بحضرموت وشبوة، واستحوذت الصين بما يمثل 8% من إجمالي الانتاج في اليمن.

لمن الرسالة؟!

حسب مراقبين ومحللين سياسيين، فإن الحوثيين يسعون لتوجيه عدة رسائل للخصم الداخلي والخارجي.

فعلى الصعيد الداخلي ما يزال الحوثيون يفاوضون على حصتهم من إيرادات النفط، ولهذا الغرض كان استهدافهم لميناء الضبة النفطي وناقلات النفط، وعملوا على توقيف صادرات النفط من موانئ الحكومة المعترف بها دوليا.

ومن الواضح إن الحوثيين يعرقلون حتى الآن المضي نحو التسوية السياسية في البلاد، بوضعهم عدة اشتراطات منها تقاسم عائدات النفط، اضافة إلى دفع الرواتب وفق كشوفات وبيانات يعدونها هم للعام 2023، ومطالبهم بخروج ما أسموها- بالقوات الأجنبية، ويقصدون هنا التحالف العربي.

أما الرسالة للخارج فالمقصود هنا ممارسة المزيد من ابتزاز المملكة السعودية، والتلميح بأنهم ذاهبون إلى التنقيب على نفط محافظة الجوف المتاخمة للحدود السعودية.

بالنظر إلى سلوك الحوثيين خلال السنوات الماضية، فإنهم لا يكترثون بفعل أي شيء، وكأنهم سلطة، ولا شعب لديهم يخافون عليه.

والسؤال هنا: هل تضحي الصين بعلاقاتها مع السعودية؟!

من المعلوم أنه منذ العام 2015 والصين أكبر مستورد للنفط السعودي، إذ تستورد يوميا ما يعادل مليوني برميل.

ومنذ عاصفة الحزم في اليمن (مارس 2015)، والصين تعتبر أن اليمن ساحة نفوذ إقليمية للسعودية، وساندتها بكل القرارات الدولية التي صدرت بشأن اليمن، وظلت المواقف الصينية ثابتة تجاه اليمن وحتى اليوم.

لهذا، هناك من يقلل بأي دور صيني بتغيير تعاملهم تجاه الحوثيين، والتضحية بكل هذه المكاسب الاقتصادية الاستراتيجية مع السعودية.

والمتتبع لسياسة الصين، يجد أنها تتبع سياسية التوازن واحتواء جميع الأطراف، ولعل الاتفاق مع الشركة الصينية، إذا كان بموافقة وعلم الحكومة الصينية، لا يعني اعترافا سياسيا بهم، بل يأتي ضمن سياق سياسة التوازن الصينية وممارسة الاحتواء للجماعة ليس أكثر من ذلك.