كان ذلك في ليلة الجمعة الموافق الثالث عشر من الشهر الجاري بعد أن
تعدت الساعة منتصف الليل وكنت مرهقا ولكني كعادتي لم اتوقف عن قراءة ماهو مفيد من بحر العلم والثقافة والفلسفة والادب والتي يعج بها الانترنت. وبينما كنت اصول واجول في عالمي هذا فجاة وصلتني رسالة نصية عبر التلفون لم افتحها وواصلت البحث والقراءة وعندما شعرت بالنعاس قررت اخيرا فتح الرسالة قبل ان يداهمني النوم فكانت الفاجعة ! لم اصدق ماقرات وشعرت بضيق شديد في صدري وانتابني شيء من اللاوعي واخدت اسئلة كثيرة تحوم في ذهني: كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومع ذلك تمالكت نفسي فسارعت للاتصال بكاتب الخبر الذي اكد لي بصوت حزين مختنق نبا وفاة اخينا وحبيبنا وصديقنا المغفور له باذن الله ابن عدن البار المهندس عمر طه المسني. في تلك اللحظة ملا الحزن قلبي و بكيت ولم اكن لابكي لو اني لم اعرفه عن قرب اذ لم يكن رب عمل فحسب بل اخ وصديق عزيز قل ان تجد مثله في ايامنا هذي. جمعتني مع عمر لقاءات كثيره وجلسات عديدة وكالعادة في كل مره التقيت بها عمرا وجدته سميرا لا مكان للملل عند تبادل اطراف الحديث معه اذ كان عمر رحمة الله عليه موسوعة بل كنز من المعلومات في كل المجالات. ولعمري لم اقابل احدا من قبل لديه ذلك الكم الهائل من العلم والمعرفة. اما في مجال اختصاصه كمهندس بناء فقد كان مبدعا يشار اليه بالبنان ساعده في ذلك ذكاءه الحاد وسرعة البديهة وشخصيته القوية والبشوشة في ان الوقت فكان له ذلك النجاح الكبير الذي حققه في دبي والذي كان مدعاة للفخر ليس له فحسب بل ولنا جميعا.
في كل زيارة كنت اقوم بها اليه تسرح بنا الذاكرة الى سنوات الطفولة التي وان لم تجمعنا في مدرسة واحدة او حي واحد ولكنها جمعتنا في مدينة عدن الرا ئعة التي تنفسنا من هوائها و شربنا من سلسبيلها واكلنا في مطاعمها البسيطة الذ الوجبات. عدن بناسها الطيبين على اختلاف مشاربهم وانتمائاتهم الدينية والعرقية والثقافية فكانت مثالا للتسامح والمحبة ولهذا السبب بالذات كانت مشعلا مضيئا في سماء الجزيرة العربية. وفي كل مرة يدعوني فيها الى زيارته يفاجئني بصور قديمة لعدن من خمسينيات وستينيات وسعبينات القرن الماضي بشوارعها النظيفة وجمال مبانيها ذي الطابع المميز واهلها المتحضرين فنشعر بالاسى والحزن لما آلت اليه هذه المدينة من خراب متعمد ينم عن حقد دفين وهمجية لاحدود لها.
ذات يوم قال لي عمر بحزن ومراره شديدين "ان كل مااتمناه ان تعود عدن الى ماكانت عليه عندها ساكتفي بكوخ على ضفاف احد شواطئها لا اريد اكثر من ذلك" هكذا كان يؤرقه الشوق الى حضن عدن الدافىء.
في اخر مرة التقيت به اهداني كتابا للروائي الكبير ماركو بولو وهي رواية تعيد بقارئها لاكتشاف الماضي ووروعته وربما كان ذلك ماكان عمر يحن اليه وهي العودة لاعادة اكتشاف ماضينا الغني والرائع والذي يعمل المخربون بكل خبث على طمسه.
عرفته انسانا مبدئيا في حياته و جادا فيما يعنيه يربط القول بالفعل ولن يتوانى في الدفاع عن رايك ان وجدك على الصواب فكسب مصداقبة واحترام الجميع.
كان عمر عزيز النفس رفض التخلي عن جنسيته رغم كل الصعوبات التي واجهته ورغم كل الامكنيات التي كان يمتلكها للحصول على جنسية اجنبية.
قوة شخصيته التي امتلكها عمر كانت تعطي انطباعا مغايرا لما تخبئه نفسه اذا كان متواضعا طيب القلب كريم النفس سباق في تقديم العون والمساعدة من دون ان يطلب منه ذلك. كان فاعل خير لوجه الله عز وجل يسارع في تقديم الزكوات ودفع الصدقات للمحتاجين عملا بقوله تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون وياتون الزكاة والذين هم باياتنا مؤمنون" وقوله تعالة "والذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
رحم الله المغفور له بإذنه اخينا وحبيبنا عمر وتغمده بواسع رحمته وادخله فسيح جناته وانا لله وانا اليه. ولاهله وذويه الصبر والسلوان.
م/ محمد عبد الوهاب عبدالله
الأمارات العربية المتحدة
أبو ظبي.