شهادة نجل الغشمي
يواصل الرئيس علي ناصر كشف أسرار مقتل الرؤساء في شمال اليمن ، وظلت لغزا حير معظم ساسة اليمن.. وهذا اللقاء بالرئيس ناصر يكشف تفاصيل مهمة، ويبتدأها بشهادة نجل الرئيس أحمد حسين الغشمي.. وقال الرئيس ناصر:" قال ابن الرئيس الغشمي خلال أحد لقاءاته الصحفية عام 2012م في اغتيال الحمدي ودور والده: "أنا نفسي كنتُ مقتنعاً بأنّ والدي كان مشاركاً في مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، بل إنه كان على رأس الأمر، ولكن مع الوقت اكتشفتُ معلومات مختلفة تماماً. أما ما يتناوله الناس، فليس إلا تسريبات الأمن الوطني سابقاً، والسياسي والقومي لاحقاً. بالإضافة إلى بعض الشخصيات مثل عبد العزيز عبد الغني، الذي يظنه البعض شاهداً، مع أنه مشارك في القتل، وكان من أعمدة صالح على مدى ثلاثة عقود ونيف، ولا يهمني إذا كان والدي مشاركاً من عدمه، والأهم هو خروج الحقيقة؛ ففي هذا الخير الكثير لليمن وشعبه. وعلى العموم، أنا مع أيّ تحقيق حقيقي سيكشف الحقيقة مهما كانت". واتهم في المقابلة الأمن الوطني بالدرجة الأولى برئاسة محمد خميس، وكذلك علي عبد الله صالح وعلي حسن الشاطر، وغيره الكثير من الشواطر، بالتعاون والتنسيق مع أطراف في الجنوب، منهم صالح مصلح المجذوب وغيره بقتل والده الرئيس أحمد حسين الغشمي، وتمنى وجود تحقيق جاد، وقال إنه يفضل أن يكون دولياً لنستطيع من خلاله أن نقول ما عندنا وليس مجرد كلام جرائد، كما يقولون. وقال إنّ أغلب القتلة كانوا وما زالوا حول الرئيس صالح في مناصب كبيرة، وكانوا يمثلون السياج الحصين الذي يعمل على قمعنا وتشتيت حياتنا، ومنهم مقربون جداً لنا، ولكنهم يؤدون دورهم، وسيأتي اليوم الذي نذكرهم بالاسم.
و استرسل الرئيس ناصر في حديثه قائلاً :' لقد كشف نجل الغشمي في تلك المقابلة الصحفية ما لم نكن نعرفه عن موقف الرئيس صالح العدائي من أسرة الغشمي، وهو ما يتعارض مع عشرات الخطب التي ألقاها الرئيس صالح في مستهل عهده، مهدداً ومتوعداً القتلة، قتلة الغشمي، بالانتقام. وكانت عبارة "ولا نامت أعين الجبناء" هي ما يختتم بها تلك الخطابات.
وفي ختام هذه الشهادات والمعلومات عن اغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي فإن أهم الأسباب التي أدت الى اغتياله:
الصراع على السلطة في صنعاء ومن يحكمها وأن يكون الرئيس فيها حليفاً لدول المنطقة وفي المقدمة المملكة العربية السعودية وأميركا.
جهوده ومساعيه لتخفيف التوتر بين صنعاء وعدن
وزاد الرئيس ناصر وقال :" التعاون والتفاهم بين بعض دول المنطقة توج بعقد قمة في تعز لرؤساء كل من الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والصومال وجيبوتي مما أدى الى استفزاز بعض الدول المطلة على البحر الأحمر كالسعودية ومصر واسرائيل.
رفضه ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية وفقا لاتفاقية الطائف 1934م.
ازدياد قوته وعدم اعتماده على السعودية كلياً وإضعاف وابعاد مراكز القوى القبلية وفي المقدمة الشيخ عبد الله الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم والشيخ مجاهد أبو شوارب وغيرهم من قبائل حاشد وبكيل.
لكل هذه الاسباب قتلوه.
حقيبة تفاريش
ويواصل الرئيس ناصر حديثه وقال :" لم تمرّ تسعة أشهر على تولي أحمد الغشمي مقاليد السلطة في صنعاء، إلّا وكانت المنيّة في انتظاره، إذ اغتيل، كما هو معروف، بحادثة الحقيبة الشهيرة ــ أو حقيبة الحاج تفاريش ــ (وقد رويت خلفيات الحادثة ووقائعها و"كواليسها" في حيّز آخر من المذكرات)، ولن آتي هنا إلّا على ذكر ما له صلة مباشرة بالعلاقات الحساسة بين النظامين، وببعض "الحسابات" والمشاريع التي تفوق الخيال، والتي لا يزال وطننا يدفع ثمنها على غير صعيد. وسيتضح لنا أنّ موضوع الوحدة اليمنية هو من الدقة والحساسية إلى حدِّ أن التعامل معه بخفّة واستهتار وعدم مسؤولية، إنما يفضي إلى نتائج كارثية على كل صعيد، وما يتعرض له اليمن هو بسبب موقعه الاستراتيجي وثرواته الكامنة وحضارته وكثافته السكانية والبشرية.
تسعة أشهر تفصل بين اغتيال الرئيس الحمدي، واغتيال خلفه الذي اغتاله. كان يفترض بها أن تكون حبلى بإنجازات ملموسة في اتجاه معالجة الانعكاسات المأسوية ووقف الانزلاق إلى مزيد من المخاطر، والسعي لردم الهوة الفاصلة بين النظامين، وحتى بين القوى الفاعلة داخل كلّ منهما... فإذا بها تنكشف بأنها فترة "حمل وهمي" وعقيم... بل أكثر من ذلك، فقد انتهت بعبوة ناسفة للحلم... وللخطوات الإيجابية التي بدأت تبصر النور بين عدن وصنعاء، ولحلم الإنسان اليمني الذي كان من بين طموحاته المتواضعة أن ينتقل، براً وبحراً وجواً، بين أرجاء بلاده التي كان كثيراً ما يسمع ويقرأ أنّ حدودها مصطنعة وغير معترف بها شعبياً ورسمياً. ألم ينصّ دستورا الدولتين على أنّ الجنسية اليمنية واحدة؟ وفي الوجدان الوطني نعترف بأنها من صنع العثمانيين والبريطانيين قبولاً منهما بأمر واقع يحقق مصالحهم المشتركة وغير نهائي عام 1904. كان تنقل المواطنين من غير حاجة إلى إذن رسمي قبل استقلال الجنوب، وبعد الاستقلال عمل النظامان على خلق واقع جديد دون تشريع له خوفاً من قوى المعارضة في كليهما، وفي الجنوب كان في جزء منه سياسة دفاعية لوقف أعمال التخريب الممولة من دولة مجاورة. هذا الوضع شهد كسراً رئاسياً مشتركاً للقاعدة و"انتقالاً" غريباً من نوعه إلى الشطر الآخر، دون المرور بأيّ حاجز أو عائق. انتقل تفاريش وفي يده حقيبة الموت.
عبوة ناسفة فتحت دروباً مقفلة بين صنعاء وعدن
يقول الرئيس ناصر :" كنتُ قد أشرتُ في مكان سابق في لقاءاتي مع" صحيفة عدن الغد" إلى أنّ صالح مصلح، وزير الداخلية في حينه، استطاع أن يقنع سالم ربيع علي بنقل النزاعات والصراعات من عدن إلى صنعاء، من أجل هدف أكبر وأسمى، هو وحدة اليمن، وليصبح رئيساً لليمن كله، مدعوماً بكافة القوى الوطنية شمالاً وجنوباً، وإنّ اغتيال الرئيس الغشمي سيوفر فرصة ثمينة لقطاعات من الشمال مؤيدة للجنوب "ونهجه"، لتزحف نحو العاصمة صنعاء وتحقق الإرادة الوطنية والأمل المرتجى... وهكذا، فقد رتب صالح مصلح موضوع "رسالة" الشنطة، وحملها إلى صنعاء "الحاج تفاريش". وجاء اغتيال الغشمي في ذروة احتدام الصراعات عندنا في الجنوب، كما ذكرنا سابقاً. لكن ينبغي القول إنها لم تكن المرة الأولى التي سوّق فيها البعض من النظامين فكرة مفادها أنّ الأزمة الداخلية في أحدهما لا تحلّ إلّا بخلق مشكلة في الشطر الشقيق، أو بوحدة قسرية تفرض على الطرف الآخر بالقوة. ولقد كان هروب النظامين إلى الوحدة عام 1990م قفزاً ضمن هذا التفكير الذي افتقر إلى النضج وقلّة التروي كان هدفهما اقتسام السلطة والثروة.
الغشمي في قفص الاتهام
ويضيف الرئيس ناصر بقوله :" وخدمةً للحقيقة، واحتراماً لحق الشعب اليمني في أن يعرف، سأكشف عن بعض الحقائق والوثائق ومحاضر اجتماعات قيادية تعجّ بالأمثلة الصارخة على هذا النهج وهذا السلوك اللذين يوظفان الوحدة ويتعللان بهذا الهدف الأسمى لكل مواطن يمني وعربي، مستهلاً بما حدثني به صالح مصلح بعد عودته من صنعاء، عن لقائه بالرئيس الغشمي في قصره في همدان لمدة 9 ساعات، تخللها غداء وقات وحديث ساخن بينهما، منه اتهام صالح مصلح للغشمي بأنه هو الذي قتل الحمدي، وأنه لن يغفر له جريمته إلا إذا تخلص من بعض الشيوخ في الشمال، وصفّى بعض عناصر المعارضة الجنوبية. ولأن الغشمي يعرف أنه قاتل الحمدي، ولم يكن بمقدوره الدفاع عن نفسه أو الإنكار، فقد وافق على تصفية المشايخ في أول اجتماع لمجلس الشعب التأسيسي، على أن يتولى صالح مصلح بنفسه مسؤولية وضع متفجرات في قاعة المجلس، لكي تنفجر وتقتل كل من فيها، وقد اشترط على الغشمي أن يُختار المجلس كله، أو معظمه، من القوى المعادية للوحدة، وأنه إذا ما نفذ وعده، فإنه سيحكم اليمن كله حتى وفاته. أما عن المعارضة الجنوبية، فقد طلب تصفية ثلاثة أشخاص منها، هم: العقيد حسين عثمان عشال، وأحمد صالح بن لحمر، ومبخوت الربيزي، بشرط أن يصفّيهم في المكان نفسه الذي قُتل فيه الرئيس الحمدي. وافق الغشمي على كل ذلك. وأضاف صالح مصلح أنه طوال 9 ساعات لم يذهب إلى الحمام، ولم يتحرك من مكانه خوفاً من أن يضع له أحمد الغشمي سمّاً في الماء أو القات. أما الغشمي، فهو أيضاً لم يغادر المكان، خوفاً من أن يطلق صالح مصلح النار عليه أثناء خروجه، وعندما نَمِلَت رجل صالح مصلح اليُمنى، وحاول تحريكها، فوجئ بانزعاج الغشمي الذي أكده سؤال صالح مصلح له: هل تود الخروج؟ فردّ الغشمي: لا. وكان الغشمي قد وضع يده اليمنى بالقرب من مسدسه، وانتهى اللقاء دون ذهاب أيٍّ منهما إلى الحمام، رغم أنّ تعاطي القات يتطلب شرب الكثير من الماء والذهاب مرات عديدة إلى الحمام.
دعوة وحزام ناسف
وتابع الرئيس ناصر حديثه قائلاً:" لم يكن القيادي الاشتراكي صالح مصلح يحمل حزاماً ناسفاً، كما نشرت بعض الصحف نقلاً عن شخصية سياسية مهمة روت قصة الرعب الذي شعر به مصلح حين تلقى (عزومة) غداء من الغشمي للاتفاق معه في مسألة وجود معارضي نظام عدن الجنوبيين في الشمال. ويقول المصدر نقلاً عن مصلح: "فضل أن يجازف ويذهب إلى العزومة على أن يعتبره الغشمي جباناً". لكنه لم يذهب هكذا دون وضع الاحتياطات الممكنة، وكان الاحتياط الممكن الذي وضعه حزاماً ناسفاً حول خصره، حسب ما ينقله المصدر عنه. وبعد ذلك، ماطل الغشمي في تنفيذ ما اتُّفق عليه بشأن اجتماع مجلس الشعب التأسيسي واغتيال معارضين جنوبيين، ما دفع صالح مصلح إلى أن يقرر التخلص منه بحقيبة الموت، حقيبة الحاج تفاريش.
( للحديث بقية)