آخر تحديث :الخميس-24 أكتوبر 2024-02:24م
أدب وثقافة

الانطواء (أقصوصة)

الخميس - 24 أكتوبر 2024 - 12:15 م بتوقيت عدن
الانطواء (أقصوصة)
بقلم / عصام مريسي


في غرفة مظلمة يقبع خائفا يلقي بنظراته خلسة هنا وهناك في نواحي الغرفة الضيقة وفرائصه ترتعد مما يدور في مخيلته عن أشياء مفزعة ربما يصادفها أو تظهر من هنا وهناك أو يلمحها في أحد جدران الغرفة التي أصبحت ملجأه كي يتوارى من الناس ويقطع التعامل معهم لكن عليه الخروج كي يجلب بعض الحاجات التي تصلح طعاما ليأكلها.

ينهض من مكانه من المقعد التي أعتادت أمه الجلوس عليه وهو يتنفس بقايا عبق عطر أمه الذي يملأ شداه أغراض الغرفة التي يسكنها ثم يتجه نحو دولاب منحوت في أحد الجدران يمده يده يقلب المفتاح بأصابعه فلا ينفتح الدولاب يدفعه بكلتا يديه يسقط على الأرض محدثا صريرا لكن خوفه الموروث وقلقه جعل من صوت سقوط المفتاح وارتطامه بالأرض كدوي قنبلة أفزعته وأرقت راحته الوقتية ينحني وهو يهوي نحو الأرض ليلتقط المفتاح تقع عينيه على صورة لأمه يسرع بالتقاطها ومسح ما علق بها من غبار ويضمها نحو صدره واحساس بداخله يراوده بأن أمه قد تظهر في أية لحظة مناديا لها:

أمي .. اشتقت إليك

فلا يسمع إلا صدى صوته يتردد في الغرفة التي عزل فيها نفسه عن الناس بعد وفاة والدته التي كانت كل شيء في حياته فهي المدبرة صاحبة القرار

يسمع ضجيجا من غرفة أخرى من غرف المنزل يصاب بالذهول والأعياء وتنتابه حالة من الخوف الهستيري تجعل أعضاءه تتشنج ويفقد القدرة على الحركة يسقط على الأرض مستلقيا وهو ينظر نحو نافذة الغرفة فكلما سطع ضوء القمر لهثت انفاسه خوفا وتحشرجت في صدره حتى فقد الوعي وأخذ يهدي:

أمي. .. أمي .أنا خائف لا استطيع تدبير أموري بعد رحيلك

مازال جسده المرتعش يصدر أصواتا أشبه بالأزيز والبكاء المختلط بالنحيب وهو يتمنى عودة أمه التي كانت كل شيء في حياته فهي العقل المدبر وهو الجسد المنفذ الذي لا ينفك عنها.

اللعاب يقطر من فيه وعينيه غاب سوادهما وارتفعت وثيرة الزفير و الشهيق وجسده الهزيل تعتريه رعشة يتصبب منه العرق وهو يهدي،:

خذيني معك أماه .. لن أستطع العيش دونك ولم أستطع تدبير أموري.

يسدل الليل ستاره ويتوقف الجسد المرتعش عن الحركة وتنقطع الانفاس ويطبق الصمت على المكان معلن النهاية فينزوي الجسد الخائف الراغب في العزلة ليبقى في عزلة أبدية.

عصام مريسي