آخر تحديث :الخميس-17 أكتوبر 2024-03:21م
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يكشف أسرار قصة إغتيال الحمدي والأحداث التي تلت مقتله

الخميس - 17 أكتوبر 2024 - 12:42 م بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر  يكشف أسرار  قصة إغتيال الحمدي والأحداث التي تلت مقتله
إعداد/ د. الخضر عبدالله

يحدثنا الرئيس علي ناصر محمد في هذا العدد الذي بين يدي القارئ الكريم عن أسرار ظلت في سر الكتمان عن قضية اغتيال الرئيس الحمدي و ما تلتها من أحداث ليكشف سرها ويقول :" "قبل أن أضع القارئ الكريم في الأجواء الحقيقية والكواليس "الخفية" لمجمل المحادثات التي جرت، والاتفاقات التي قمنا بتوقيعها، والمشاورات الجانبية التي كانت أكثر أهمية من الجلسات الرسمية والبروتوكولية، أودّ الإشارة إلى أنَّ أعمال التآمر الخارجية بأدوات داخلية متجلببة بشتّى الأغطية، ومبطنة بمختلف المنطلقات الإيديولوجية، قد استمرت، أو بالأحرى انتقلت إلى مستوى أعلى من التصعيد المتعدد والمتنوع الأشكال، الأمر الذي أدى إلى ظهور بوادر حرب يمنية ثانية تستهدف الجهود الوحدوية المبذولة، وقد بقيت طبول الحرب تقرع حتى حزيران/ يونيو 1974م، إلى أن ساد العلاقات بين النظامين مناخ التفاهم والتقارب بوصول إبراهيم الحمدي إلى السلطة عقب انقلاب 13 يونيو 1974 الذي سُمِّي "الحركة التصحيحية". كانت الحركة تحولاً نوعياً على صعيد السياسات الداخلية والخارجية للشمال، وكان لقاء قعطبة في 15 شباط/ فبراير 1977م بين الرئيسين الحمدي وسالمين خطوة

مهمة وجريئة على طريق وحدة اليمن.

وتكمن أهمية اتفاق قعطبة في أنه كان تعبيراً مشتركاً وتجسيداً على أعلى مستوى سياسي للرغبة الوطنية اليمنية في تحقيق تقارب حقيقي في السياسة الخارجية وفي تنشيط لجان الوحدة المشتركة والدفع بعلاقات النظامين اقتصادياً وثقافياً وإنمائياً إلى آفاق لم تطرق من قبل. اتفق الرئيسان في قعطبة أيضاً على سحب القوات المسلحة التدريجي من الحدود، والعمل على نقل الوحدات العسكرية وتبادل مواقعها، وكان هذا اللقاء قد بعث كثيراً من الكوامن النفسية والروحية، وتواردت العديد من الذكريات العزيزة بين الرئيسين. فالرئيس الحمدي والدته من قعطبة، والرئيس سالم ربيع علي هو الآخر عاش في قعطبة لبعض الوقت بعد خروجه وهروبه من عدن وأبين، إثر أحداث حركة 14 مايو 1968م في الجنوب. ومن جهة أخرى، لم يكن اختيار قعطبة المدينة الحدودية الصغيرة عشوائياً، إذ منها وممّا حواليها كان يعبر من يريد القيام بأعمال تخريبية أو فدائية أو مقاومة، سمِّها ما شئت، إلى الطرف الآخر في معادلة الصراع اليمني الذي كان يُعَدّ حتى لقاء قعطبة صراع وجود.


نص اتفاق قعطبة



ويسترسل الرئيس ناصر في حديثه قال :"

عقد الرئيسان، المقدم إبراهيم الحمدي، وسالم ربيع علي، اجتماعاً في قعطبة في 15 كانون الثاني/ يناير 1977م، تلاه اجتماع شارك فيه مسؤولون من الحكومتين، بحثوا القضايا الاقتصادية والتجارية والتنسيق في مجالات التنمية الصناعية والزراعية. واتُّفق على تشكيل مجلس يضمّ إلى جانب الرئيسين، مسؤولين عن الدفاع والاقتصاد والتخطيط والخارجية، يجتمع كل ستة أشهر، مرة في عدن وأخرى في صنعاء، لبحث القضايا الأساسية وتسهيل عمل اللجان المشتركة. واتفق أيضاً على تشكيل لجنة فرعية لدراسة المشاريع الإنمائية والاقتصادية والتجارية ومتابعتها. وتقرر أن يمثل كل من بلدينا الآخر في البلدان التي ليس فيها سفارة لأحد النظامين.

وقد توجهت الأنظار في حينه إلى أهمية ما تضمّنه اتفاق قعطبة من خطوات تؤدي إلى التقارب الفعلي، لجهة:

- إسهامه في تنسيق السياسة الخارجية، في ظل المؤامرات المتعلقة بباب المندب.

- قيامه بتنشيط عمل اللجان المشتركة بعدما جمّدت مدة من الزمن.

- الإشراف على عملية التنسيق الاقتصادي والإنمائي.

وقد ردّ الرئيس الحمدي، في وقت لاحق، على التحليلات الصحافية التي ربطت اتفاق قعطبة بمسألة التفرغ لمواجهة مستجدات إقليمية في البحر الأحمر وسواها، فقال:

"إنّ الدوائر السياسية غالباً ما تنظر إلى قضايانا بمنظار أمانيها وأهدافها"، و"إنهم ينظرون إلى اليمن من خلال التجزئة والتباعد والانفصال. وإذا كانت هذه النظرة جائزة أو متوقعة في مرحلة تثبيت الثورة والنظام، بعد التحرر من نظام أسرة حميد الدين والاستعمار البريطاني، فعلى أعدائنا أن يعلموا أنّ الشعب اليمني موحَّد بالفعل، واتصاله وحركته بين الشمال والجنوب أمر واضح. وأنّ نتائج ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر تتابع إيجابياتها يوماً بعد يوم، وأنّ اليمن قد وعت التجارب والدروس وبدأت تضع أقدامها على عتبات الحضارة التي أسهمت في بنائها منذ أيام سبأ ومأرب. إنّ تعليقي الوحيد على نظرة تلك الدوائر هو أننا والرئيس سالم ربيع نعمل بإخلاص ولا نرفع شعارات للاستهلاك، وإنما نرفع الشعارات بعد تحققها على أرض الواقع".



حكاية مقتل الحمدي



ويواصل الرئيس ناصر حديثه قائلا:' في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977 اغتيل الرئيس الحمدي قبل يوم واحد من زيارته عدن على أيدي أعداء التغيير الذي كانت تقوم به الحركة التصحيحية بقيادته ومتابعته اليومية له، ومنه محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين وأعداء الوحدة الذين كانوا يخشون هذه الزيارة وإعلان قيامها من عدن، بحكم العلاقات والتقارب والتفاهم الذي أرساه الرئيسان ربيع والحمدي قبل سبعة أشهر في قعطبة، وما تشكله هذه الوحدة على مستقبل مراكز القوى في صنعاء وحلفائها في المنطقة. وكان الرئيس الحمدي قد قلص نفوذ مراكز القوى القبلية المهيمنة في صنعاء وحاشد وبكيل، ممثلة بكبار الشيوخ: عبد الله بن حسين الأحمر ومجاهد أبو شوارب وسنان أبو لحوم، وغيرهم وتأثيرهم في القرار السياسي الداخلي والسياسة الخارجية الذي لم يتوقف منذ انقلاب نوفمبر1967.

كنت في مكتبي يوم مقتل الحمدي، وجاء المسؤول الإعلامي في المكتب وأبلغني بأنّ إذاعة صنعاء تبثّ آيات من القرآن الكريم، والمعروف أنّ الإذاعات تبثّ القرآن الكريم في بداية الإرسال ونهايته، وبثّه في غير هذين الوقتين ينبئ بأنّ أمراً جللاً قد حدث في صنعاء. اتصلتُ بالرئيس ربيع وأبلغته بذلك، وجاء على الفور إلى مكتبي واستمعنا إلى إذاعة صنعاء، وبعدها اتصل بالرئيس الحمدي، ولم يتلقَّ منه ردّاً، ثم كرر المحاولة، إلى أن تمكن من الحديث مع مسؤول السنترال (التحويلة)، وطلب منه الاتصال بالرئيس، ولكنه كان مرتبكاً، وقال إنّ رقم الرئيس لا يجيب، وطلب تحويله إلى رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، فقال إنه لا يجيب أيضاً، وبعد ذلك كرر الاتصال بالرئاسة، فطلب الحديث مع رئيس الأركان، المقدم أحمد حسين الغشمي، فردّ عليه، وسأله: "ماذا يحدث عندكم؟ إنّ إذاعة صنعاء تبثّ منذ ساعات آيات من الذكر الحكيم"، فردّ عليه الغشمي، قائلاً: "حصلت كارثة". فسأله: "ما هي؟"، قال: "وُجد الرئيس مقتولاً في الدائري!"، فردّ عليه ربيع: "أنا قد نبهته، وقلت له إنهم سيقتلونه، وعرضتُ عليه سرية لحمايته، ولكنه رفض"، وطلب منه أن يشارك في تشييع الجثمان، وقال إنه سيتوجه إلى صنعاء.

وقد شارك الرئيس سالم ربيع علي في تشييع الرئيس إبراهيم الحمدي صباح 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1977، أي في اليوم الثالث لاغتياله، وقبل ذلك الصباح كان الجثمان محفوظاً في إحدى ثلاجات مستشفى الكويت. وصُلِّي على الحمدي في الجامع الكبير، وتحرك جثمانه من هناك إلى مقبرة الشهداء في العاصمة صنعاء، وبعد إنزاله إلى القبر، نزل بعده الرئيس سالمين، ودثّره بنفسه. وكان الرئيس الغشمي المتهم بحادثة الاغتيال ينظر إلى ذلك الوداع الحميم بين الحمدي وسالمين.

وشرح الرئيس ناصر بقية التفاصيل. وقال :" استمرّ التشييع من الصباح إلى الظهر، وتحول إلى مظاهرة كبيرة. بدأ الأمر بهتافات: أين القاتل يا غشمي؟ أنت القاتل يا غشمي!! ورددت الهتافات جموع الرجال والنساء على حد سواء، ثم وصل الأمر إلى قذف الغشمي بالأحذية التي أصاب بعضها سالمين، بحكم وجوده بجوار المتهم من قبل الجماهير. في اليوم التالي نشرت صحيفة الثورة خبر الدفن، وظهر أحد الأحذية التي قذفتها الجماهير الحزينة على فقدان رئيسها الذي أحبته، وهو فوق رأس الغشمي، وتداولت الصحف العالمية ذلك الحدث، مبرزة صورة فريدة للتشييع. كانت الصورة تظهر سيلاً من الأحذية تستهدف الرئيس الجديد الذي بدأ حكمه بمظاهرة شعبية ضده، وربما كان أول رئيس في تاريخ اليمن برمته يبدأ حكمه بتلك المعارضة الشعبية، غير أنّ المتهم الغشمي كان قد أحكم قبضته تماماً على الجيش، ولم تجد تلك المظاهرة حاضنة عسكرية تطيحه.

تظاهرات في الشوارع


ومضى يقول الرئيس عدلي ناصر في حديثه:" كان ذلك يوماً فريداً في التاريخ اليمني الحديث، وقد طاردت وحدات من القوات المسلحة والأمن والمطافئ المتظاهرين في شوارع العاصمة طوال ذلك اليوم. كان الشعب يعرف غريمه وخصمه، والحاسّة الشعبية لا تخطئ.



شهاده في قتل الحمدي



ويتابع الرئيس ناصر في حديثه :' شهادة القاضي محمد بن محمد الحمدي في جريمة اغتيال أخيه المقدم إبراهيم محمد الحمدي، رئيس مجلس القيادة في الجمهورية العربية اليمنية في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977 بصنعاء

روى القاضي محمد بن محمد صالح الحمدي، الأخ الأكبر للشهيد إبراهيم محمد الحمدي، رئيس مجلس القيادة في الجمهورية العربية اليمنية (1974-1977) في يوم الأربعاء الموافق لـ 14 آذار/ مارس 2018 قصة اغتيال أخيه إبراهيم في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977 في مسكنه بالقاهرة، للرئيس علي ناصر محمد، بحضور نجليه، شهاب وفؤاد، والسفير علي محسن حميد. قال القاضي محمد إنه كان مقرراً أن يسافر الشهيد إبراهيم إلى عدن في اليوم التالي للتوقيع على اتفاق مع الرئيس اليمني الجنوبي، سالم ربيع علي (سالمين)، للدفع بقضية الوحدة اليمنية خطوات عملية إلى الأمام، لتخرج من نطاق الكلام والعواطف، إلى رحاب الفعل، وإنه عاد في 11 تشرين الأول/ أكتوبر من عمله في التعاونيات، ودخل منزله نحو الساعة الواحدة والنصف ظهراً، وبعد قليل دقّ الباب، وإذا بالأخ المرحوم عضو التعاون المقاول علي حمود الجايفي، يستأذن بالدخول. "بعد أن فتحت الباب قال لي إنه يوجد خارج البيت ضابطان من القوات المسلحة من حاشد يريدان التحدث معك بكلام مهم جداً. قلتُ: مرحباً بهم، ورجوته إحضارهما إلى البيت، دخلا وكانا ملثمين، وقالا إنّ هناك مؤامرة، وإنّ حياة إبراهيم في خطر كبير اليوم، وإنّ عليك أن تبلغه بألّا يتناول طعام الغداء اليوم عند الغشمي، وألّا ينام في البيت، وألّا يسافر بالطائرة إلى عدن غداً، لأنه سيُقتَل في عزومة الغداء في بيت الغشمي، أو سيُقصَف منزله في الليل من عَصِر والسواد، أو ستُسقَط طائرته بعد إقلاعها من صنعاء. وأوضحا أنهما من حاشد، وأعطياه اسميهما. اتصل القاضي محمد فوراً ببيت الشهيد، وأفادته زوجة الشهيد إبراهيم عندما استفسر عن مكان وجود إبراهيم، بأنه ذهب قبل قليل لتناول طعام الغداء في بيت الغشمي، فردّ القاضي محمد بانفعال وبصوت مرتفع: "قد قتلوه؟". كان الشخصان اللذان نقلا معلومة الاغتيال يسمعان المحادثة الهاتفية، وعندها استأذنا ورجواه ألّا يفصح عن اسميهما، وخرجا مع المقاول الجايفي. توجهت بعد ذلك إلى بيت الشهيد، وسألت زوجته عمّا حصل قبيل ذهابه إلى بيت الغشمي، وكان ردها أنه عاد إلى البيت وطلب تجهيز الغداء له، وأنّ وزير الدولة المرحوم عبد الله حمران، كان معه في البيت، وأنّ الغشمي اتصل بإبراهيم أكثر من مرة، مصرّاً على حضوره مأدبة الغداء التي يقيمها على شرف رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني بمناسبة عودته من رحلة علاج في الخارج. أبلغنا حمران فيما بعد بأنه نصح إبراهيم بألّا يلبي الدعوة، لأنه هو الرئيس، وعليهم أن يأتوا هم إليه. وبعيد مغادرة حمران، وصل أحمد عبده سعيد، وأثناء ذلك اتصل الغشمي مجدداً، قائلاً لإبراهيم إنّ الاعتذار سيفسَّر بأنّ هناك خلافاً بيننا، وقد أيّد أحمد عبده سعيد موقف الغشمي، وحثّ إبراهيم على الذهاب، وكأن مجيئه كان من ضمن ترتيبات الاغتيال. ومعلوم أنّ أحمد عبده سعيد هو الذي قاد حملة ترشيح الرئيس الراحل علي عبد الله صالح للرئاسة عام 1978، وهو الذي وزع في تعز أموالاً طائلة كان مصدرها خارجياً لحشد تأييد الناس لانتخاب صالح رئيساً خلفاً للغشمي. أضاف شهاب محمد الحمدي أنه عند خروج عمه إبراهيم في طريقه إلى بيت الغشمي، وصلت عمته صفية من ثلاء، والتقت بإبراهيم في الحوش، وحاولت ثنيه عن الذهاب وإقناعه بالبقاء معها، لأنها أتت لزيارته، ولكنه اعتذر واستأذنها بأن تسمح لسائقها عبد الرزاق طامش بأن يوصله إلى بيت الغشمي، وأنه لن يتأخر كثيراً، وعند عودته سيجلس معها. وكانت الحراسة الخاصة بالرئيس الحمدي لا تزال تتناول وجبة الغداء، وقد طلب منها مواصلة تناول وجبتها واللحاق به إلى بيت الغشمي بعد الانتهاء منها. كان الشهيد لا يعير اهتماماً كبيراً لأمنه وسلامته، وفي كثير من الأحيان كان يتجول بسيارته الشخصية ويقودها بنفسه دون حراسة. أوصل السائق عبد الرزاق طامش الشهيد إلى بيت الغشمي الكائن في الخط الدائري المجاور لبيت علي عبد الله صالح المواجه لمقرّ السفارة السعودية الحالي. صادف ترجل إبراهيم من السيارة وصول الوزير محمد أحمد الجنيد، وكان الغشمي في استقبال إبراهيم، وأدى له التحية العسكرية "حتى طار الغبار"، طبقاً لطامش، وبعدها طلب الغشمي من الجنيد الذهاب إلى مكان وجود رئيس الوزراء وبقية الضيوف، لأنّ لديه حديثاً خاصاً مع الرئيس، وبعده سينضمان إليهم. وكانت النهاية، نهاية بأكثر طرق الاغتيال غباوة، وأشدها انحطاطاً ووحشية في تاريخ اليمن، لأن اليمنيين بفطرتهم وبمحبتهم للشهيد إبراهيم الذي أعاد الاعتبار إلى ثورتهم وكساها لحماً بعد أن ظلت عظماً لفترة اثنتي عشرة سنة، عرفوا مَن الفاعل ومن المستفيد الداخلي والخارجي من أول لحظة.


(للحديث بقية)