تنبع شهرة مدينة عدن التجارية من مينائها الاستراتيجي ( ويقصد به في فترات التاريخ القديم والإسلامي ميناء صيرة ) حيث لعب هذا الميناء دوراً هاماً في النشاط التجاري البحري لمدينة عدن وقد ذكرها العديد من الرحالة والجغرافيين المسلمين في كتاباتهم ووصفوها بأوصاف عدة منها على سبيل المثال: ما وصفه ابن بطوطة لحالة الثراء التي وصل لها تجار عدن وامتلاكهم لأموال طائلة نتيجة ممارستهم النشاط التجاري البحري إذ قال: " وللتجار منهم أموالٌ عريضةٌ وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه ولا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة.."
وكانت عدن تمتاز بحركة نشيطة إذ "لا يخلو أسبوعاً من عدة سفن وتجار واردين عليها وبضائع شتى ومتاجر متنوعة والمقيم بها في مكاسب وافرة وتجائر مربحة وتحط المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة فإذا أراد ناخوذة ( ربان السفينة ) السفر بمركب إلى جهة من الجهات أقام فيه علماً برنك (لون) خاص به فيعلم التجار بسفره ويتسامع به الناس فيبقى كذلك أياماً ويقع الاهتمام بالرحيل وتسارع التجار في نقل أمتعتهم وحولهم العبيد بالقماش السري أو الأسلحة النافعة وتنصب على شاطئ البحر الأسواق ويخرج أهل عدن للتفرج هناك..."
وذكرها المقدسي بقوله: " إذ أنت دخلت عدن فسمعت أن رجلاً ذهب بألف درهم فرجع بألف دينار وآخر دخل بمائة فرجع بخمسمائة وآخر بكافور فرجع بمثله كافور" وتعدّ عدن بأنها: " فرضة اليمن وخزانة المغرب ومعدن التجارة وخزانة بضائع الهند والسند والصين والعراق وعمان والبحرين ومصر وجده وفارس والزنج والحبشة" و بسبب نشاطاها التجاري البحري مما شجع الناس للاستيطان فيها فقد وفد إليها الكثير من التجار من الهند وشرق إفريقيا ومناطق الخليج العربي والبحر الأحمر فزاد دخلها من العشور والضرائب كذلك كانت تقام في مدينة عدن مواسم تجارية لقدوم التجار وخاصة التجار الهنود الذين يأتون محملين بالبضائع المختلفة ويقومون بشراء البضائع المتنوعة مع غلمانهم من عدن ثم يغادرون مخلفين وراءهم بضائعهم مع غلمانهم الذين ينتظرون الموسم الآخر لبيعها وهو موسم قدوم تجار (الكارم) وهم التجار الذين بيدهم تجارة البهار من الفلفل والقرنفل ونحوها مما يجلب من بلاد الهند إلى اليمن ثم أطلق على جميع من مارس تلك التجارة بمصر لتنشيط الحركة التجارية من جديد ويعمل تجار الكارم مثل ما عمله التجار الهنود.
كما اتخذت في ميناء عدن جملة من الإجراءات الجمركية والأمنية عن دخول السفن التجارية إلى الميناء وقد وصف ابن المجاور تلك الإجراءات وصفاً دقيقاً بقوله: " وخروج الإنسان من البحر كخروجه من القبر والفرضة كالمحشر فيه المناقشة والمحاسبة والوزن والعد فإن كان رابحاً طاب قلبه وإن كان خاسراً أغتم، فإن سار في البر فهو من ذات اليمين وإن رجع في البحر فهو من أهل ذات الشمال" كما وجدت العديد من المنشآت التجارية والصناعية في عدن والمرتبطة بالنشاط التجاري البحري نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الوكالات وهي عبارة عن مخازن تجارية كبرى يباع فيها أصناف من السلع التجارية وما يؤكد وجود مثل هذه المنشآت هي ما ذكرته وثائق الجنيزة التي ذكرت العديد من الرسائل التي كانت تتم بين تجار الكارم ووكلاء في عدن حيث كانوا يستقبلون سلعهم التجارية المختلفة التي كانت تُرسل من شتى الأقطار ويضعونها في الوكالة حتى يتم تصريفها في أسواق عدن كما كان هؤلاء الوكلاء يقومون بشراء بعض السلع التجارية التي كانوا يحتاجونها من أسواق عدن ثم يقومون بإرسالها في السفن التجارية التي تقوم بدور الوسيط وذلك مقابل نسبة من الأرباح ونتيجة للأموال الهائلة التي كانت تُحصّل من ميناء عدن من ضرائب وعشور على البضائع والسلع التجارية جعل مدينة عدن مطمعاً للحكام المحليين وسبباً من أسباب صراعاتهم وميداناً لحروبهم لغرض الاستيلاء على إيراداتها المالية الضخمة بل توجهت أنظار الغزاة الأجانب لمحاولات احتلالها في اوقات لاحقة من التاريخ الإسلامي كما وجدت العديد من النظم المالية والإدارية لتنظيم العمل في ميناء عدن كل ذلك شجع على ازدهار التجارة بالميناء ومن ثم ارتفاع إيراداته المالية.
ففي عصر الدولة الصليحية تم تقسيم مدينة عدن إلى مركزين لجباية العشور هما: باب البر يهتم بما يدخل إلى عدن من السلع والبضائع التجارية من جهة البر وباب البحر يهتم بما يدخل عدن من السلع والبضائع التجارية من جهة البحر وتسمى هذه الضريبة بضريبة باب عدن وقد أستغل الصليحيون عشور مدينة عدن، لصالحهم فقد تزوج المكرم أحمد بن علي الصليحي بالحرة السيدة بنت أحمد الصليحي في سنة 461-هـ/1068م وجُعلّ صداقها خراج عدن التي تساوي مبلغ وقدره مائة ألف دينار آنذاك وظل ذلك المبلغ يرفع سنوياً من عدن إلى مقر الحكام والولاة الصليحيين ثم خفض هذا المبلغ إلى الربع ثم امتنع بنو زريع عن دفعه.
وسمي عصر بني زريع بعصر تنظيم عشور التجارة في عدن إذ كانوا ينظمون دخول وخروج الصادرات والواردات من البضائع والسلع التجارية إلى ميناء عدن من خلال تشكيل هيئة خاصة عرفت بالمشايخ وكانت تقع على عاتق هذه الهيئة مهمة مراقبة حركة إنزال السلع في الميناء وتفتيشها وتقدير حجم الضرائب والمكوس ( وهو ما زاد عن الضريبة وأصبح فيه ظلم للناس ) المفروضة عليها وقد وضح ابن المجاور أن إدخال ذلك التنظيم الضرائبي كان على يد رجل يسمى خلف اليهودي النهاوندي كما بنى الزريعيون عدة أسواراً عدة في مدينة عدن بهدف منع عملية التهرب من دفع العشور والضرائب من قبل التجار.